ثورة أون لاين – العميد الدكتور أمين محمد حطيط: تذرع أردوغان رئيس الحكومة التركية بقذيفة طائشة لافتعال صخب وضجيج عله يفعل شيئا بعد سلسلة اخفاقات وقع فيها. وهي طبعاً كانت قذيفة طائشة لم يؤكد مصدرها أو الآمر باطلاقها، ولم يعرف عنها الا ما تسببت به من خسائر
في ارواح مدنيين على الجانب التركي من الحدود كما تزهق ارواح السوريين الابرياء بيد الارهابيين الوافدين عبر تركيا و المدربين في معسكراتها و المجندين في الحرب التي انخرط أردوغان فيها تنفيذا لخظة غربية – صهيونية ترمي الى اسقاط سورية وتدمير جيشها وكل بنى العمران والاقتصاد فيها.
لقد اتخذ أردوغان هذه القذيفة ذريعة لاثبات الوجود و اظهار العنفوان و تحقيق مآرب دفينة لديه، فسارع الى الرد الميداني العدواني بقصف مدفعي على الارض السورية، اتبعه بدعوة انعقاد حلف الناتو ليقحمه في حرب ضد سورية متمسكا باتفاقية الحلف الدفاعية، ثم شد الرحال الى مجلس الامن ليستحصل على بيان ادانة لسورية، اعقبه بالاستحصال على مذكرة من مجلس النواب التركي تجيز له العمل العسكري عبر الحدود.
لم تكن ردة الفعل الأردوغانية على القذيفة تلك مستجيبة مطلقا لقاعدتي «التناسب والضرورة» اللتين تضبط الاعمال العسكرية بمقتضاهما، حيث ان الاعراف العسكرية والسياسية تقضي في مثل هذه الحالة ان يتم اتصال بين جيشي البلدين – وهما حتى الان في علاقة تمكنهما من ذلك وخاصة ان أياً منهما لم يعلن الحرب على الاخر و لم تتحقق حالة العداء بينهما وفقا للقانون الدولي – و بالتالي لا يوجد مانع قانوني او ميداني يحول دون العمل بالقواعد المألوفة في مثل هذه الظروف. و قد كان للقضية ان تنتهي بمجرد الاتصال او الاشتراك في لجنة تحقيق تجلي الظروف و تحدد المسؤولية وعندها يترتب على الشيء مقتضاه. لكن أردوغان ادار ظهره للمألوف القانوني من السلوك و عمد الى ما ذكرنا من تصرفات، ما يطرح السؤال عن خلفية التصرف الأردوغاني وهل حقق ما يريد؟
قد يكون أردوغان حاول ان ينتقم لاخفاقاته وفشله في تحقيق وعود كثيرة اطلقها بشأن سورية ولم ينفذها، او انه حاول التظاهر بالقوة والقدرة والاستجابة للضغوط الممارسة عليه للانخراط الميداني اكثر في العدوان على سورية، او انه كان يريد ان يختبر الآخرين ومعرفة المدى الذي يمكن ان يسيروا معه فيه ضد سورية، او ان يكون قد اراد ان يترجم بسرعة ما توهمه في مؤتمر حزب العدالة والتنمية من انه مؤهل للقيادة والريادة اهلية تمكنه من قيادة العالم الاسلامي والدفاع عن مصالحه واعادة انتاج الخلافة العثمانية. ورأى ان الامر بحاجة الى حرب، وفي سياق ذلك حاول ان يضع الحلف الاطلسي «الناتو» امام الامر الواقع ويقحمه في الحرب المبتغاة ضد سورية لتحقيق اهدافه واهداف العدوان الاصلي عليها و التي باتت مستحيلة بالوسائل وبالطرق المعتمدة حتى الان بعد ان شاهد تقهقر الارهابيين وتساقطهم؟
قد تكون الاهداف هذه كلها او بعضها هي التي رمى اليها أردوغان من فعلته التي جاءت مغايرة للمألوف وقصفه الذي لا يمكن ان يفهم بانه ردة فعل على قذيفة طائشة يعلم العسكريون الاتراك كما كل العسكريين امكانية حدوث مثيلها حتى في عمليات الجيش الواحد و الا لماذا يتم تداول عبارة «نيران صديقة». و الآن و بعد الذي حصل نسأل عما تحقق من ردة الفعل الأردوغاني و عن الممكن بعدها؟
في تقييم موضوعي ودراسة للحالة و لردات الفعل يمكن ان نقول ان الحصاد التركي على الطريقة الأردوغانية كان اوهاما وعبارات لا تسمن ولا تغني من جوع، لا بل ان اوراقا كانت بيد أردوغان فسقطت رغم ما قيل عن دعم معنوي او تحشد غربي الى جانبه و يمكن تبيان النتائج في العناوين الاساسية التالية:
أ- على صعيد الحرب: بات واضحا لأردوغان ان الحرب التي هدد بها طويلا بشكل علني مباشر او بعبارات مواربة كحظر الطيران او الممرات الامنة و ما اليه، ان هذه الحرب لن تقع لانه غير قادر على شنها ضد سورية سواء كانت هذه الحرب حربه هو بمفرده او كانت تركيا جزءا من منظومة عمودها الفقري حلف الناتو. و قبل ان يختبر أردوغان بنفسه ذلك و يتلقى الجواب العملي كما حصل كان عليه ان يعرف ان قوته الذاتية، كما قوة الناتو لا تمكنه من شن الحرب وخاصة ان هناك فارقاً بين امتلاك القوة و امتلاك القدرة على العمل. فليس كل قوي قادر لان القوة هي امتلاك الوسائل اللازمة لتحقيق الاهداف لكن القدرة هي مكنة استعمال تلك الوسائل دون ان يكون في الامر محاذير او ظروف تحول دون هذا الاستعمال. ونحن قد نقول بان تركيا قد تكون تملك القوة لشن الحرب، لكنها كاسرائيل الان هي قوة عاجزة، لان تركيا غير قادرة على استعمال هذه القوة لظروف داخلية و اقليمية و قدرات سورية ايضا. و بالتالي سقطت ورقة الحرب كما سقط التلويح بها بالدلالات التالية:
1) رفض الناتو لها واكتفائه بدعم تركيا معنويا – لرفع العتب و للضغط على سورية – لكنه رفض الانزلاق الى الحرب سواء قامت بها تركيا بمفردها او ضمن الناتو كله .
2) رفض الشعب التركي بغالبيته العظمى للحرب رفض لا تخفف من اثره مذكرة مجلس النواب الملتبسة والتي لا يمكن ان يعتد بها كترخيص لأردوغان في الذهاب الى الميدان فعليا، و هي مذكرة نظر اليها العقلاء على انها ليست اكثر من تعويض معنوي لأردوغان و تهويل على سورية غير قابل للاعمال.
3) مسارعة ايران لتذكير تركيا بان الحرب على سورية مرفوضة تحت اي ذريعة و انها لن تقف متفرجة عليها و انها لن تسمح بسقوط سورية بيد اي كان. و قد فهمت تركيا هذا و استوعبته.
4) رفض دولي للحرب و تشكل بيئة دولية عامة ابتداء بمجلس الامن محذرة من الانزلاق اليها.
وبالمحصلة نقول ان ورقة الحرب و التدخل العسكري الاجنبي في سورية والتي طالما كان تهويل بها خلال الاشهر الماضية، اختبرت الان واحرقت هذه الورقة حتى على سبيل الحرب النفسية والاعلام التهديدي. وهي خسارة لتركيا ولكل جبهة العدوان من غير شك.
ب- وفي الاهداف الجزئية الاخرى التي قد يكون أردوغان رمى اليها من تفجير حقده على سورية فاننا نرى بان قذائف أردوغان وضجيجه تسبب له بخسائر معنوية اضافية اهمها النفور العربي والاسلامي منه، طبعا باستثناء الكيانات والمنظمات التكفيرية والارهابية والساسة المرتزقة الذين اداروا الظهر لفلسطين وشعبها ولقضايا الامة و حقوقها وراحو لاهثين خلف السلطة، حتى سمعنا بعضاً منهم يساند أردوغان في نار اطلقها على عرب سوريين. وبالتالي اذا كان أردوغان و من الباب السوري يريد ان يتزعم العالم الاسلامي فانه مشتبه او واهن ان لم نقل اكثر.
ج – و تبقى اخيرا مسائل لا بد من تسجيلها لتفسير ردة فعل أردوغان غير الواقعية واللاموضوعية منها:
1) افتعل أردوغان هذا الصخب لاجل التغطية على نتائج الميدان في حلب والتي باتت محسومة لصالح سورية ضد الارهابيين الذين يرعاهم نيابة عن منظومة العدوان ، خاصة انه قيل يوما في معركة حلب بانها معركة أردوغان ضد سورية.
2) قد يكون أردوغان افتعل هذا الصخب مع علمه بالنتائج التي ذكرنا وذلك من اجل التملص من ضغوط عليه للانخراط اكثر في العدوان ضد سورية، و هو يعلم ان الاغراق في العدوان بات يهدد تركيا بذاتها في امنها واقتصادها و وحدتها الوطنية. و نذكر باننا كنا نرتقب شيئا ما سيصدر عن تركيا بعد ان بدأت النار تلهب اذيالها.
3) كان أردوغان بحاجة لمعنويات لترميم العنفوان التركي المتآكل على يده بعد سلسلة الصفعات التي تلقاها خلال السنوات الثلاث الماضية في سياسته الخارجية، و انه شعر بحاجته الى اظهار قوة ردع تجاه الغير، فوجد في هذا الصخب المقيد السقف وسيلة الى ذلك.
اما التقييم الاجمالي لنتائج صخب أردوغان فنختصره بأمرين، حرق للاوراق الوهمية وتملص من ضغوط خارجية وتهيئة لبيئة التراجع التدريجي من الميدان السوري بعد ان باتت هزيمة العدوان مؤكدة، و ان أردوغان يحاول مسبقا ان يبتعد عن صفوف الخاسرين و لكن هل يقدر؟ اشك بذلك.
* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي