ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لا تخلو التسريبات والمعلومات المتداولة عن الاتفاق الروسي الأميركي من مفارقات تجعل التريث في بعض الجوانب -رغم ضرورته أحياناً- غير مقنع بحكم أن قادم الأيام سيفصح عن الكثير مما هو مخبأ داخل الأروقة،
فعندما تكون مادة للاختبار أو موضعاً للتجريب ثمة أسئلة ملحة وإجابات أكثر إلحاحا حول ماهية الاتفاق وسقفه، والتطورات غير المحسوبة المنضوية في سياقه، والتفاهمات الغامضة بين طيات تفاصيله..!!
لسنا بوارد استباق الأحداث، ولا البحث عن الثغرات المتخمة القائمة في مختلف زواياه، ومن وجهات نظر متباينة، لكن تراكم التجربة يقود إلى المنحى ذاته، ويسير في المشهد عبر دروب ملتوية متقاطعة أحياناً ومتوازية في معظم الأحيان، حيث نقاط الالتقاء فيها تؤشر إلى أنه من المحال أن تبقى على ما هو الحال وسط سيل من الانزلاقات التي تقود إلى الجزم بأن صيغ التعاطي مع المشهد تعود إلى المستنقع ذاته والمتاهة نفسها.
الواضح أن تعمد التسريب من الجانب الأميركي لم يكن بريئاً ولن يكون، وقد أفضى إلى انطباعات تبدو أقرب إلى الخلط بين ما قدمه الأميركي من أفكار، وبين الصيغة النهائية الفعلية للتفاهم، والتي تشطرها الرؤى الأميركية المتعمدة إلى صيغ من الافتراض، وتبدو أقرب إلى منصة تسويف إضافية غايتها في المنحى القريب أن تعلن لأدواتها في المنطقة أنها استطاعت أن تحدث اختراقاً، أو على الأقل أن تكبح انهيار معنوياتها، وأن تتخلص من عبء الحرج في الدفاع عن النصرة بشكل مباشر في المدى الأبعد.
فطلب الإذن المسبق، أو في أخفِّ صيغه.. الإعلام المتبادل بالأهداف والإحداثيات يمثل حالة غير مسبوقة، وتكفي لتحذير الإرهابيين والمرتزقة بمن فيهم النصرة، حيث لم يشترط أن يكون قبل ساعة مثلاً، أو بضع ساعات، بل قبل يوم كامل، فهل لعاقل في الدنيا أن يفترض حسن نيات في هذا، وهل لمنطق أن يقبل أن أميركا لن تحذّر مرتزقتها، وبدورهم سيحذّرون النصرة، هذا إذا لم تخبرهم نفسها بذلك مباشرة.
الأخطر ما يتم تداوله من خيارات اختبار لمدى جدية الاتفاق والتفاهمات التي اقتضاها أو تطلبها، وسط سيل من التصعيد والتسخين المبرمج لكثير من الفوالق السياسية الناتجة عن النفاق الأميركي المزمن فيما يخص قضية مكافحة الإرهاب، وتوفر الأدلة والقرائن الكافية على غياب جديتها وإصرارها على الاجترار في الموقع ذاته.
لا نعتقد أن المنطقة عموماً،ومكافحة الإرهاب تحديداً تستطيع أن تتحمل المزيد من التجريب، وتحديداً ما يظهره من عبثية لا طائل منها، ولا جدوى، سوى هدر الوقت والجهد في صيغ مطاطة.. قابلة للتأويل وحمالة أوجه كيفما استدارت، وحيثما اتجهت، حيث تفشي الإرهاب وانتقاله المتتالي لبقع جغرافية خارج المنطقة يجعل من الطيش القبول بالعبث، ومن السذاجة الأخذ بذرائع كاذبة ومضللة تم اعتمادها مراراً وتكراراً، وكانت الحصيلة المرة المزيد من الإرهاب.
وفي الوقت ذاته لا نريد أن نستعجل في الاستنتاجات، حيث ما يتراكم من تسريبات ومواقف يفيض عن الحاجة، وربما كان كفيلاً بإزالة ما يعتريها من غموض، بدليل أن التناقض والاختلاف في تقييم العلاقة ومستوى التعاون بين الأميركي والروسي قد خرج إلى العلن قبل أن يحضر التفاهم أو ينجز، والأهم أنه يبدو متبايناً، وشديد الاختلاف إلى حد التعارض بين المؤسستين العسكرية والسياسية، ما يضفي شكوكاً متزايدة، ويعطي إيحاءات غير مشجعة وربما شديدة السلبية عن الدور المسند لرسالة المجتمع الدولي ودوره، وبالتالي من البديهي القول إن العبث الأخطر أن يظل التعويل قائماً رغم الكم اللامتناهي من الأدلة والقرائن على تسويف أميركي لا طائل ولا جدوى من الرهان عليه.
ببساطة شديدة .. المقاربة الوحيدة المتاحة أن حظوظ الاتفاق الجديد حتى لو أنجز فعلياً سواء كان بما سرب، أم بما هو مخفي خلف سطوره، لن تكون أفضل مما سبق، والعلة ليست في عدم جدية الحديث مع الأميركي وافتقاد المصداقية الفعلية لكل مواقفه، وهي علة كافية لاستحالة أي تفاهم، بل أيضا في صيغ ومداولات مثل هذه الاتفاقات التي تجري بين طرفين متناقضين، وبين مشروعين متعارضين، والأخطر بين مقاربتين متضادتين إلى حد الإلغاء، فالأميركي الذي يراهن على الإرهاب ويعوّل على مموليه وأدواته ورعاته، يقابله الروسي وشركاؤه الفعليون في مكافحة الإرهاب الذين يلمسون حجم وحدود ومساحة ما يشكله هذا الإرهاب من خطر وجودي على المنطقة والعالم، والبقية تفاصيل ورتوش ومساحيق تجميل سياسي، وحده الميدان خط الفصل بينها.
الأهم .. ربما هنا .. أن سياق التجارب الماضية وفّر الأرضية الكافية للجزم بأن لا أحد لديه المقدرة لتحمل نتائج تكرار ما مر، ولا من أحد لديه الاستعداد للمجازفة مرة أخرى بما أنجز من خطوات في مواجهة الإرهاب ودحره، ولا أحد سيقبل بالعودة إلى الخلف حتى لو جاءت تحت صيغة تفاهم أو اتفاق أو أي شيء آخر، وفي كلام وزير الحرب الأميركي عن الجبهة الجنوبية كما سماها مايكفي للجزم بعبثية التجريب..!!
a.ka667@yahoo.com