ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لا تزال بعض الأصوات الموتورة داخل الإدارة الأميركية تصرّ على قرع طبول الحرب، بل تضيف إليها مزيداً من الصخب والضجيج، وتفتعل خطوط مواجهة مفتوحة على جهات الأرض الأربع، وهي تجترّ من الموقع ذاته الذي طالما تخندقت داخله الرؤوس الحامية التي ورطت الإدارة الأميركية،
خصوصاً بعد أن وجدت أن المصفقين لرعونتها قد ازدادوا بحكم العامل الوظيفي المستجد على ضوء الخرائط التي تحاول واشنطن أن تنضجها من دون طائل.
فالتداعيات التي ترسم قوساً من المخاطر المحدقة بالعالم، لم تعد داخل الحسابات والمعادلات الناشئة بعد العدوان، رغم المشهد المتصاعد في ردود الفعل التي أفضت جميعها إلى الجزم بأن تصعيد الأميركي وعدوانه السافر كان في القراءة السياسية قصفاً تمهيدياً يسبق أمر العمليات العاجل لأدواته في المنطقة، وإن كانت استجابتها لا تتناسب مع حجم التورط الأميركي، حيث التفاعلات المتلاحقة تزيد من تراكم الأعباء على إدارة الرئيس ترامب في حملة الدفاع عن قرارها الأحمق، ويبدو أن وطأة ذلك المأزق تزداد تباعاً مع إضافات يومية وأحياناً ساعة بساعة، ما يفسر إلى حد بعيد حديث البنتاغون عن أن العدوان رسالة لأطراف ودول أخرى عبرت عنها حالة التحشيد باتجاه شرق آسيا، وإن كانت المعركة المقبلة وفق المؤشرات الواضحة لا تزال مقيمة في المنطقة وليس خارجها على الأقل في المدى المنظور.
المسألة وفق تسريبات مراكز صنع القرار الأميركي ليست في نيات لحروب تكون أميركا طرفاً مباشراً فيها، بل في حروب تديرها عبر وكلاء يتعاطون معها بتثاؤب يقلقها، حيث كانت الحسابات أو أجندة التصعيد تفترض أن تكون الخطوة التالية والملحقة بالعدوان الأميركي حملة تسخين جبهات إقليمية بالتوازي، وأن هناك من يعدّ العدة ليلاً نهاراً من أجل خلق ذريعة لفتح تلك الجبهات بأبعاد طائفية وإثنية ستكون المنطقة مسرحاً لها.. وشعوبها وقوداً لا ينتهي إلا بعد أن تُحكِم إسرائيل سيطرتها السياسية قبل العسكرية، وأن تفرض هيمنتها الاقتصادية قبل الدبلوماسية.
لا نعتقد أن هناك مفاجآت بالمعنى الفعلي في ردود الفعل، سواء تلك التي كانت تتجرأ لأول مرة بتأييد العدوان كجزء من صفقة التبعية لأميركا بشروطها الجديدة، أم تلك التي رفضت العدوان وكان الرفض صريحاً واضحاً ومعلناً وأمام الأميركي قبل سواه، وإن كان للوهلة الأولى غير متوقع بنبرته وسقوفه بالنسبة لأميركا ما أربك إدارتها، وصدم الأميركيين بعمق الرفض، في الاتجاه الآخر كانت ردود الفعل مريرة بما حملته من رسائل مروعة من الخزي والعار للشارع العربي، الذي رغم معرفته المسبقة بأن كل من أيّد العدوان كان محرضاً عليه على مدى سنوات خلت، لكن من تحت الطاولة، ووقاحة الإشهار تعود إلى الضرورة القسرية للوجود الوظيفي داخل أجندات المشروع الأميركي والإسرائيلي.
بل ذهبت التسريبات المتعمدة والمقصودة في توقيتها ومضمونها إلى الحديث عمّا هو أكثر وضوحاً، وأن الإشهار لم يكن سوى «بروفة» تمهيدية لإشهار قادم أو استحقاق في إطار الدور الوظيفي وخرائط التحالفات لتدشين أول ظهور للناتو الخليجي مع إسرائيل وتركيا، حيث من كان صفيقاً في تأييد العدوان الأميركي.. لن يجد حرجاً في إعلان التطبيع مع إسرائيل، ومن يتلاقى معها بحماسته في تأييد العدوان والمطالبة المحمومة بالمزيد لن يتردد بالحماسة ذاتها ليعلن التوبة عن أي علاقة تربطه بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
عند هذه النقطة تتأرجح التخمينات التي بنتها مصادر مقربة من البنتاغون، والأيام الفاصلة بين موجة العدوان على سورية، وموجات الحروب الأميركية القادمة ستحدد هوية تلك الحروب، سواء كانت بالوكالة أم خاضتها أميركا بالأصالة عن نفسها واستجابة لمقتضيات التذكير بهيمنتها وما تتطلبه من أطماع وممارسات رعناء تصل حدود الحماقة، وإن كانت الترجيحات تشير بوضوح إلى أن أميركا لم تنتظر ولن تهدر الوقت في ذلك الانتظار، بل تعمل على بدائل حاضرة وجاهزة.
الشهية الأميركية على الحروب مفتوحة بدليل ما تحشده في غير اتجاه وبأكثر من موقع، مضافاً إليه العروض المجانية المقدمة من أدوات لها هيكل الدولة بنسخة وظيفية بحتة، لم تعد تستطيع ضمان الوجود إلا على الدماء في المنطقة، ولا يمكنها الاستمرار والبقاء إلا بالحروب، وهو ما يتقاطع إلى حد التطابق مع أجندة الاحتكارات الغربية في شركات السلاح، وأن اللوائح الملحقة بالصفقات القادمة لا يسيل لها اللعاب فقط، بل أيضاً الدماء.. حتى لو كانت أميركا جزءاً منها، وحين تحضر الصفقات يتورم عقل الشركة الذي يسيطر على ترامب، وتصبح غريزة المال والأرباح والأثمان والاستحقاقات أهم من العالم بأسره، وحينها لن يكتفي بحافة الهاوية، بل سيندفع إلى أتون لهيبها، وإلى ما بعد حافة الهاوية.
a.ka667@yahoo.com