ثورة أون لاين -بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
كثيرون.. أصابتهم الحيرة، وقد تكون في بعض المراحل أكثر من ذلك، وهم يتابعون مجريات التحضير لانطلاق فعاليات معرض دمشق الدولي بدورته التاسعة والخمسين، في وقت بدت تلال المهمات والخطوات المطلوبة أكبر من الزمن وتفوق الطاقة في الظروف العادية،
مضافاً إليها التحديات الكبرى الناتجة عن سلسلة طويلة لا تنتهي من العقبات والعراقيل بأبعاد إجرائية حيناً، وذات طابع ظرفي ناتج عن الحروب المتعددة المستويات المفروضة على سورية، وتداعيات ما أفرزته من أزمات متنقلة ومتبدلة أحياناً أخرى.
فالحجم الكبير من العمل والكمّ الهائل من الخطوات، كان يستدعي في أغلب الأحيان صبراً ومثابرة اقتضت من الكثيرين أن يمضوا ساعات يومهم والقسم الأكبر من ليلهم في تنفيذ ما هو مطلوب، حالهم في ذلك حال معظم السوريين الذين تحول جلّ يومهم إلى ساعات عمل متواصلة لا تربطها مواقيت ولا مواعيد، بقدر ما تحددها مقتضيات الإنجاز بمختلف مستوياته وتعدد نماذجه، فكان الفارق في المنتج لا يقاس بالأيام ولا بالساعات بقدر ما كان محكوماً في كثير من الأحيان باللحظات التي شهدت أطواراً متصاعدة من الخطوات النوعية.
قد لا تكون المرة الأولى التي تكسب فيها سورية رهاناً بأبعاد وطنية مطلقة، ولا هي الحالة الوحيدة التي تسجل فيها اتقاناً يتفاعل في يوميات السوريين ووجودهم، وفي مواجهة التحديات التي اعتقد البعض أو ظنّ أنها أكبر من طاقتهم على التحمل، لكنها في المعايير الوطنية أبرزت إلى حيز الوجود ما تصح فيه مفردات ومصطلحات من قبيل التفرد والاتقان إلى حد الإدهاش في صياغة المشهد، ليكون بسمات سورية وعناصر عمل وإنتاج سورية، حيث القضية لا تنحصر في الاستدلال الاقتصادي والسياسي، بل في سياق الترجمة الفعلية لمنعكسات العمل الوطني، والرسائل الكبيرة بعناوينها العريضة التي خطتها رحلة التصدي، ليكون المعرض بداية مرحلة تدشن ما عملت عليه سورية وتعمل، وتتويجاً لرحلة التضحيات التي قدمها أبناؤها من أجل أن تبقى سورية عصية على الأخذ وتستمر في المواجهة.
الأهم أن المعرض في انطلاقته يعلن رسمياً صياغة خطوط المواجهة والانتقال من التعاطي بردة الفعل تجاه التحديات إلى الإقدام والمبادرة، فكان خير وسيلة للدفاع وبطريقة مبتكرة ترسم من خلاله سورية ملامح التعافي الاقتصادي بطريقتها وبأسلوبها، وإن أوهام البعض المتفشية لا مكان لها، وإن التجارة الكاسدة باتت فاسدة المنشأ والمصدر والإنتاج، حيث القضية هنا أكبر من اختبار، وقد تتفوق على مفهوم الامتحان للمقدرات والطاقات.
وجاءت المشاركة الواسعة محلياً ودولياً لتعكس واحداً من أهم المشاهد التي يمكن الاستدلال من خلالها على أن المعرض ليس عملاً بروتوكولياً محضاً فحسب، ولا هو تظاهرة اقتصادية تؤشر إلى مرحلة نوعية من التعافي فقط، وإنما تجسيد للإرادة السورية بالتوازي مع ما تحقق على الأرض من إنجازات ميدانية كان أبطالها الجيش العربي السوري وتضحيات السوريين في مختلف جبهات العمل والمواجهة التي خاضوها، وهو ما ينسحب أيضاً بمعيار السياسة على ما نشهده من تبدلات في المشهد الإقليمي والدولي، تبدو للبعض صادمة، وإن لم تكن كذلك لغالبية السوريين الذي كانوا يراهنون على اللحظة، ومتيقنون منها.
ويأتي التفاعل الشعبي والانتظار الحقيقي من شرائح واسعة من السوريين لافتتاح المعرض وبدء فعالياته التي عكست جملة من الاستبيانات وردود الفعل التي رصدتها وسائل الإعلام، ليضيف إلى كفة التحولات النوعية أبعاداً مفصلية، تتلاقى إلى حد بعيد مع الأصداء التي تتناقلها وسائل الإعلام الخارجية التي كتب بعضها وينتظر بعضها الآخر أن يكتب بحكم الأمر الواقع والحقائق التي تتجسد على الأرض، بأرقام إحصائية ومؤشرات اقتصادية وظواهر اجتماعية وطنية وسياسية، يعكسها حتى اللحظة ما نلمسه من تطور نوعي من خلال حالة الاستنفار الوطني لتتويج أيام المعرض بما يستحق.
دمشق وهي تتحضر لافتتاح معرضها الدولي في دورته التاسعة والخمسين لم تنتظر الأيام والشهور الفاصلة، حتى تعلن حضورها السياسي والاقتصادي والوطني في سياقات تتناوب على تقديم الصورة المنتظرة، رغم المسافات الكبيرة الفاصلة التي كان البعض يعتقد أن ردم الهوة الشاسعة زمنياً وظرفياً يحتاج إلى وقت طويل، فإذ بها توصل ما انقطع وتكمل ما بدأ، ليعود معرض دمشق الدولي محطة اقتصادية بأبعاد وطنية ورسائل سياسية وعناوين أبعد بكثير مما تحقق حتى اللحظة، فكانت على الموعد وبما يستحق أن يكون عليه، وما سيليه من مواعيد وطنية تليق بسورية وتضحياتها.
a.ka667@yahoo.com