ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
يرمي الاستفتاء «الكردستاني» -بغض النظر عن مآل نتائجه- حجره المجنون إيذاناً بتدشين المرحلة التمهيدية من مشروع التقسيم الجديد للمنطقة، بعد أن استنفد سايكس بيكو مبررات وجوده، وانتهت إلى حدٍّ بعيد مفاعيله السياسية التي كرست واقعاً أتاح للغرب وإسرائيل أن يعربدا في طول المنطقة وعرضها،
وضمن لهما معاً اللعب بمكونات الرقعة السياسية الممتدة على تخوم القارة العجوز مع الحفاظ على تحقيق أعلى مستوى ممكن ومتاح من أطماعهما، وأحياناً بما يفوق التوقعات أو التمنيات التي عوَّل عليها الغرب في حقبة بدت الأكثر اتساقاً مع مشاريعه وأطماعه.
ويرمي معه سيلاً من الاحتمالات المتراكمة عن الحال الذي وصلت إليه المقاربات السياسية القائمة، التي يبدي فيها الغرب اعتراضاً أقرب إلى التمني، وربما الرهان على التشظي القادم، حيث جميع السيناريوهات القادمة أو المحتملة تقود في حصيلتها النهائية إلى حيث يريد الغرب، وكما تشتهي إسرائيل، في وقت لا تخفي فيه الأخيرة عوامل التشجيع التي ترفقها بوعود لطالما سبق للغرب أن أودعها في الرصيد الإسرائيلي تحت عناوين كانت أقرب إلى المتاهة التي سبقت ذلك المخاض العسير.
اللافت أنَّ ردود الفعل الإقليمية ربما تأخرت كثيراً، والتحذيرات الدولية جاءت إلى حدٍّ بعيد باهتة وباردة، لا تتناسب ولا تتوافق مع خطورة ما تنطوي عليه المجازفة التي يحملها مشروع الاستفتاء الكردي المحمول على أجندة إسرائيلية، ومشفوعاً بوعود غربية موَّلتها مسبقاً شيكات البنوك الخليجية، التي تتسابق إلى قطف بعض المساحات الاحتياطية في المشروع الجديد، وتثبيت نقاط ارتكاز تتوهم أنها كفيلة بتأمين دورها الوظيفي وفق احتياجاته.
ما يجري ليس اختباراً قاسياً وربما مكلفاً فقط، للمنطقة التي لا تستطيع أن تقبل التشظيات القادمة، وليس بمقدورها أن تتحمل أعباء ما يمليه المشروع الغربي بملاءاته الإسرائيلية المستنسخة من رحم التجربة ذاتها، وما يفرضه بشكل قسري من اصطفافات سياسية وغير سياسية على امتداد المنطقة، بل يتجاوز ذلك إلى حدّ التحدي المصيري لشعوبها ودولها على حدٍّ سواء، التي وجدت نفسها – مجتمعة وفرادى- أمام مواجهة مفتوحة وبمستويات متعددة، حيث التجربة المريرة مع الكيانات المصطنعة تعيد إنتاج نفسها، لكن وفق معطيات وأسس مغايرة لما كانت سائدة، وربما بشكل أكثر خطورة، بحكم ما تحمله في طيَّاتها من عوامل صراع، تغلب عليها الأبعاد الداخلية، وتتداخل في تأثيراتها جملة العوامل الخارجية.
المفارقة أنَّ الرفض البيني للمشروع يبدو بديهياً، ويرسم خطوطاً من التقاطعات المتناظرة والمتناقضة إلى حدّ الخلط بين المخاوف والهواجس، وبين التباينات المشروعة في مقاربات تبدو حتى اللحظة دون مستوى القدرة على محاكاة واقع الترقُّب المشبوه للقوى الدولية، التي كانت تراقب وترى بأمِّ العين الرغبات المعلنة لدى أطراف ودول تتشارك في تفاعلات المشهد الإقليمي، حيث لا أحد بمقدوره أن يتبرأ من المساهمة المباشرة أو غير المباشرة في تورم الخطوات الانفصالية، التي كانت تتم بالعلن وليس في الخفاء، وبالمشاركة العينية والحسية من القوى الدولية والإقليمية، وإن أبدى بعضها مراجعة قسرية لمقاربته، وقسم منها يتداعى إلى تقاسم المسؤولية بعد فوات الأوان، بعد أن شارك في استطالات مرضية، راهن من خلالها على الإرهاب وتفاعلاته.
وسط هذا الغثيان الإقليمي والدولي المفتعل تبرز إلى العلن محاولات التوظيف والاستثمار في مرتدات الناتج الإرهابي أو بقاياه، وتنبت على هوامشه ما سبق أن حذّرت منه القوى التي تصدَّت للمشروع الإرهابي ومرتكزاته ومرتسماته، ونبَّهت على أوجاع مزمنة تواجهها المنطقة، عندما كان يغذيه البعض، ويقيم علاقات ودّ مع الحالة الانفصالية على أنها الشكل الصحيح أو المستقبلي للنظام السياسي المصحح بنسخ تلاقت وتقاطعت على تغذية النزعة الانفصالية بطريقة خاطئة، أوصلت الأمور بتورماتها المختلفة إلى ما نشهده من فصول متدحرجة، ستكون أكثر جنوناً من سابقاتها، حيث قد لا ينفع العقل معها، ولا يجدي التروي.
حجر الشيطان لم يكن إسرائيلياً محضاً، ولا انفصالياً صرفاً، بل مدعم بأصابع المشروع الغربي والتمنُّع الأميركي المصطنع الذي لم يكتفِ باحتضانه، وإنما سعى إلى خلق بدائل إضافية تكون عوناً له، وتفتح المنطقة برمتها على هاوية المجهول، وربما في قلب بركان يعيد ثورانه على وقع الخيبات الكبرى التي تواجهها المشاريع الغربية المعلنة التي جاهرت بالعمل على توطين تلك المرتكزات الانفصالية المستنسخة ببعدها الإثني والعرقي على مدى عقود خلت، ويحاول اليوم أن يخطف الأضواء للتعتيم على الانكسارات التي وقعت فيها، وللتعويض عن إفلاس شارف على إفراغ آخر ما في جعبته.
a.ka667@yahoo.com