يتحدث كثيرون من الأهل والمربين بمزيد من القلق، حول مفاهيم و قيم الأجيال الجديدة، وذلك بعد حصول كل حادثة أو مشكلة في المدرسة أو الشارع، وهذا القلق ليس جديداً، لكن ارتفعت وتيرة الحديث عنه بسبب ظروف وتداعيات الحرب، وما يرافقها من فوضى في المجتمع تسمح بانتشار العديد من السلوكيات الضارة والجريمة، وتراجع الأخلاق، فغالبا ما يربطون العنف بين الأبناء، أو التراجع الدراسي وتدني التحصيل العلمي بظروف الحرب، وأصبح يضاف إلى مصادر القلق القديمة كالانفتاح وتطور الاعلام والاتصال، وانتشار التكنولوجيا الحديثة بين الأبناءوهذا من نتائج الحرب.
وهنا يمكننا السؤال عن دور الأهل والمجتمع دون أن ننكر مشروعية القلق، لأن أهم روافد اكتساب القيم والمبادئ السامية عند الأبناء مصدرين الأوّل المؤسسة التربوية أي الأسرة والمدرسة ومؤسسات التعليم بشكل عام. والثاني البيئة الاجتماعية التي يتحرّك الأبناء في الشارع والحديقة والأندية إن وجدت وما يقدمه الاعلام، أي جميع المرافق الحيوية فيكتسب من خلال ذلك القيم والتعاليم التي تساعده على اكتساب المعرفة والتعمُّق في الموروث الثقافي والمعرفي لتزداد القيم رسوخاً عند الأجيال، أو الاضطراب الذي يؤدّي به في نهاية المطاف إلى القلق واهتزاز الشخصية وضياع الأهداف النبيلة، فيما لو كان المجتمع على ذلك. وعندما يفتقد الأبناء القيم عند الأهل والمحيط القريب يلجؤون للاتصال بالعالم الخارجي للبحث عن قيم يفتقدونها في أسرتهم ومدرستهم ومحيطهم الاجتماعي بشكل عام.
كما قلنا: إن قلق الأهل مشروع، وكذلك المدرسة، لكن الأساس في تنشئة الجيل ترجع إلى أسرته ومدرسته، ليأتي بعدها تأثير المجتمع بعلاقات الناس بعضهم ببعض ومراعاة مصالح بعضهم لتكون حركتهم وأعمالهم لتحقيق تماسك المجتمع وحماية القيم النبيلة والحفاظ على الحياة المشتركة بين الناس. لكن تأثر الفرد بهذه العلاقات يأتي بعد البيئة الأسرية حيث إنّ لها التأثير الكبير على الفرد، وهي في الكثير من الأحيان العامل الأوّل في تحديد مساره ويمكن أن تدخل عوامل أخرى تحرف مسيرته الفردية المكتسبة من البيئة الأسرية ويشذ عنها. لكن من الواضح أنّ التدرُّج العلمي للطفل حتى الكبر ينشأ من الأسرة سواء على الصعيد الفكري أم على الصعيد التربوي والأخلاقي.
يأتي بعدها المدرسة والرفاق، فإن تحقق بالمدرسة شرط التربية على احترام العلم والقانون والكفاءة والعدالة، يحدث التكامل مع دور الأسرة، ويخف خطر التأثر بالرُّفقاء إن كانوا من رفقاء السوء، وترجع أهمية ذلك لتأثيره على سلوكه وتفكيره وميوله الشخصية، وكلّ ذلك يعود بالتأثير على الواقع النفسي الذي يؤثر سلباً على القيم العلمية والتربوية للفرد، سواء أكان ذلك إيجاباً أم سلباً.
وعندما تقدم المدرسة ومعها وبعدها المجتمع، أنشطة تشجع على التعاون والمشاركة وتحمل المسؤولية الاجتماعية كالحفاظ على المدرسة وممتلكاتها، وحماية البيئة في محيطها وفي الحي كله، تتعزز قيم التعاون والاهتمام بالشأن العام والانتماء، خلال سنوات الحرب وقبلها انتشرت بعض المبادرات المجتمعية للمجتمع المدني لأنشطة تطوعية وأعمال اغاثية، تعزز قيم التعاون والتمسك بوحدة المجتمع والحفاظ على سلامته.
لكنها غير كافية ولم تغط كل البلدات والمناطق، ما نريد الوصول إليه أنه لا خوف على قيم الأبناء، لكن الخوف من تركهم دون وقوف الأهل والمدرسة والمجتمع معهم بمواجهة تحديات فرضتها الحرب، ومن قبل التقدم التكنولوجي والانفتاح.
إن تخصيص الأهل المزيد من الوقت لأبنائهم، وفتح الحوار والمناقشة معهم فيما يخص شؤونهم وشؤون الأسرة ، ومشاركتهم بالأعمال المنزلية والأنشطة، وحماية التعليم من التراجع، وتشجيع مبادرات المجتمع المدني التي تؤمن مشاركة الأبناء، تزيد من تمكينهم لاكتساب قيم المواطنة والانتماء وتقيهم من قيم العنف واللامبالاة.
لينا ديوب
التاريخ: الاثنين 7-1-2019
الرقم: 16878