أديب ميهوب في لوحاته وتطلعاته.. البورتريــــــــه والمــــــــــرأة وحدائـــــــــــق الزهــــــــور..
منذ بداية انطلاقته الفنية طرح الفنان التشكيلي أديب ميهوب، وبشيء من الجدية مسألة الحفاظ على المشاهد الواقعية, ولقد أبرز موهبة لافتة في تجسيد الوجوه والمرأة والطبيعة والزهور، ضمن رؤية واقعية تعتمد على لمسات اللون الماهرة والواثقة. حيث نرى في لوحاته, قدرة فائقة في تجسيد المرأة في جلستها المطلة على الطبيعة الربيعية، وهو يصل إلى لوحات واقعية لا تتخلى عن حيويتها، بل تذهب إلى صياغة خاصة به، فيها شيء من العفوية أحياناً، رغم اهتمامه بالدقة والنمنمة التفصيلية في أحيان أخرى.
واقعية سحرية
هكذا يمكننا أن نشعر بشيء من الإحساس اللوني الضروري، لتزخيم التعبير الواقعي، من خلال تحميل اللمسات اللونية شحنات داخلية، تجعل الحوار البصري أكثر حيوية وحوارية، مع نبض الإحساس الداخلي. وأعماله تجمعها سمة واحدة، هي المتانة أوالتقنية العالية، وهذا يجعله يتعامل مع المادة اللونية الزيتية بمهارة وعقلانية, وهذا يعني أن لوحاته تنحاز نحو إيجاد صياغة إيقاعات الوجوه، والأجساد والعناصر الأخرى، التي تظهر كصدى لتأملات تكاوين الواقعية الجديدة أوالواقعية السحرية.
وهذا ما نجده بوضوح في تنويعات أعماله، التي لم تكن إلا ردة فعل عفوية للحفاظ على الأسس الصحيحة في الرسم الواقعي, والمجاهرة بالقول: إنه فنان موهوب. يتفاعل مع إيقاعات الطبيعة والزهور والبنى المعمارية, بلمسات متقنة وقوية تحمل مواصفات العطاء الابداعي. فنحن هنا أمام اللوحة المفتوحة على الموديل الحي، الذي يؤكد متانة الرسم وقوة اللمسة الماهرة الواثقة، بحيث يمكننا أن نشهد بوضوح تام تجليات التصوير والرسم والتلوين في إطار الواقعية القصوى، ونتأمل مواضيع الوجوه والمرأة والطبيعة المشرقة بالزهور والجمال.
تشكيل بانورامي
وعلى الرغم من افتتانه بتقنيات الرسم الواقعي الدقيق, وهذا ما نلاحظه في اهتمامه الواضح بإظهار تشريحاً صحيحاً للعناصر الإنسانية والوجوه، فإنه يعطي موضوعاته، خصوصية اسلوبية، ولقد أنجز مؤخراً لوحة بانورامية، عبرت بصدق مطلق، عن عشقه المزمن لأشهر عباقرة الموسيقا والغناء العرب الأفذاذ في القرن العشرين، كل ذلك بصياغة واقعية بانورامية حديثة, وليست تسجيلية، حققت عناصر الشبه بصورة كاملة، وأكدت قدرة الفنان أديب ميهوب العالية, على ملاحقة أدق التفاصيل والتعابير المعبرة عن حالات نفسية، فاللوحة لا تتوقف عند الملامح الخارجية فقط, وإنما تتجاوزها، وتكشف الحالة الداخلية، والمشاعر الذاتية العميقة، التي تعيشها كل شخصية, وهي تعبر خير تعبير عن تقديره الراقي للإبداع والمبدعين، ولعباقرة النغم الأفذاذ، المستمرين في عمق أيامنا وليالينا, والخالدين حتى نهاية التاريخ.
أديب ميهوب مهندس الكترون، وجد نفسه في الرسم، وهو يجسد العناصر بمنطق الفنان, باحثاً عن أناقة الشكل وتجليات التكوين المنضبط بأصول وقيود وقواعد، في خطوات التعبير عن إيقاعات الحركة اللونية العفوية، والوصول في نهاية الأمر، إلى معطيات اللوحة القادرة على الإدهاش في المظهرين التكويني والتلويني.
فهو يؤمن بالفن الواقعي الحديث وبالتجسيد الشكلي الذي يثيره الإحساس، فالأشكال الإنسانية المبسطة أعطته المزيد من التأملات في إعادة صياغة المشهد الواقعي، الآتي من الإيقاع اللوني الهاديء، والمعبر عن البريق اللوني المحلي، القادم من رؤية مساحات الورود والزهور، بحيث تظهر مجمل لوحاته بمثابة صياغات واقعية حديثة مستمدة من إيقاعات الطبيعة المحلية وحركة الغيوم والمرأة والوجوه.
وخطة سير العمل العام للوحته المأخوذة بنبض إيقاعات الألوان المحلية، تتخذ شكلها الإيجابي بإيجاد مناخات بصرية جديدة أكثر تماسكاً مع معطيات الواقع والمناخ والطبيعة, وهكذا يترك الريشة تساير تجليات أو تداعيات الأحاسيس لاقتناص اللحظات والمشاعر الداخلية، فالصدق الفني والإحساس في العمل الإبداعي يلغي الرتابة حتى في الموضوع الواحد.
بين الهندسة والفن
ولقد ترك اختصاصه في الهندسة الإلكترونية أثره الواضح على أسلوبه الفني، حيث علمه الدقة والجلد والصبر الطويل في خطوات تنفيذ لوحاته. وكل ذلك ضمن هواجس الشغف العفوي بالألوان الرومانسية أو الشغف بمحاورة الموضوع أو المشهد بمناخ لوني خاص وشاعري أحياناً, فهو فنان واقعي حديث يرسم تفاصيل الواقع وتدرجات الظل والنور والأضواء الباهرة والإحساس بالواقع، فالتجربة الواقعية تدفعه دائماً نحو اتباع أصول فن الرسم وإيجاد مصادر الدراسة المعمقة لتجارب تهمه ويعتبرها نقطة انطلاق لصياغة لوحة تجمع ما بين اتجاهين تقليدي وحديث. هكذا نجده يستخدم الأسلوب الواقعي الحديث, وبذلك فهو يتجاوز بعض الأسس التقليدية للوحة الواقعية، ويحافظ على بعض الأسس الأخرى.
ويكفي أن نشاهد لوحة واحدة فقط له، حتى ندرك أنه فنان متمكن يرتكز على موهبة بالدرجة الأولى، وليس على إغراءات تقنية وتسجيلية.. وهو يعيد صياغة المنظر الطبيعي والإنساني من خلال تسجيل إيقاعات النغم اللوني، الذي يطل على المساحة البيضاء كمؤلفات موسيقية بصرية حميمية, حيث يركز على مفردات النغم لتسجيل اللحن البصري، الذي يحكي جمالية امتداد اللون الشاعري لفسحة الطبيعة والورود والزهور، ويجعلنا نتنفس أوكسجين الفرح الذي يعني في النهاية الحياة والخصوصية والتفرد.
إن الدهشة التي تصيبنا أثناء رؤية لوحاته تنبع من تلك المهارة التي تتمتع بها أعماله، فهو يبرز موهبة لافتة في السيطرة على تفاصيل وملامح متزايدة الصعوبة، وتتمثل في معالجة ملامح الوجه وتعابيرالعيون والعناصر الأخرى، بمزيد من الحيوية والبراعة والاتقان.
وأديب ميهوب من الفنانين الذين أدمنوا العمل الدائم والمتواصل في هدوء وصمت, فهو لا يحب الإدعاء، والظهور الاستعراضي، وإنما يعمل بشكل دائم ومتواصل, ويقضي ساعات طويلة في إنجاز اللوحة، التي تترك في العين والقلب فسحة إعجاب ودهشة، تجعلها قادرة على البقاء والديمومة والاستمرار.
facebook.com adib.makhzoum
أديب مخزوم
التاريخ: الاثنين 14-1-2019
الرقم: 16884