توثيق الذاكرة الإبداعية

 

بالتوازي مع التجارب الفردية التشكيلية السورية الأولى التي بدأت مطلع القرن العشرين، أسست في دمشق عام 1940 أول رابطة تشكيلية أقامت معرضاً جماعياً فنياً في كلية الحقوق، ومن ثم تعددت الجمعيات التي تهتم بالفن التشكيلي بعد الاستقلال، وتجلى أول مظهر من مظاهر رعاية الدولة للحياة التشكيلية بإقامة أول معرض سنوي عام 1950، وزعت فيه جوائز لأفضل المشاركين، ثم صار تقليداً سنوياً. وتاريخاً وثائقياً للمشهد التشكيلي السوري على امتداد نحو سبعين سنة واستبدلت الجوائز مع نهاية الخمسينات باقتناء أعمال الفنانين المشاركين. وقد أدى حدثان مهمان دوراً كبيراً في الحياة التشكيلية السورية إثر قيام دولة الوحدة بين سورية ومصر عام 1958، الأول إحداث وزارة الثقافة التي أوكل إليها مهمة رعاية الحياة التشكيلية عبر تأسيس مراكز الفنون التشكيلية والتطبيقية، ودعم الفنانين باقتناء أعمالهم، وإقامة المعارض. والثاني إحداث كلية الفنون الجميلة، التي خرَّجت في العقود التالية مجموعة متميزة الفنانين كونّوا العمود الفقري للحياة التشكيلية السورية. وقد منح هذان الحدثان الفن التشكيلي السوري اعترافاً اجتماعياً بمكانته وأهميته، بلغ مداه الأعلى بعد السبعينيات بحصول عدد من التشكيليين السوريين على أوسمة الاستحقاق السورية هم محمود جلال وسعيد تحسين ونصير شورى وفاتح المدرس ونذير نبعه، وإقامة المعرض السنوي تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية.
تميزت العقود الأخيرة من القرن العشرين بتنامي الدعم الرسمي للحياة التشكيلية بافتتاح صالات للعرض، وزيادة حجم اقتناء الأعمال الفنية لمصلحة متحف الفن الحديث المزمع إنشاؤه، ولصالح القصور الرئاسية الحديثة، كما تم في المرحلة ذاتها دخول الجهات الخاصة على نحو واسع في هذا المجال، ولا سيما بافتتاح صالات العرض التي كان لها دور مؤثر في تنشيط الحياة التشكيلية. وإحداث بينالي المحبة في اللاذقية، ومعرض الشباب في دمشق إلى جانب العديد من ملتقيات النحت في دمشق وحلب واللاذقية. وفي السنوات السبع الأخيرة حصل أربعة فنانين تشكيليين على جائزة الدولة التشجيعية، هم: ناظم الجعفري والياس زيات وليلى نصير وأسماء فيومي. وتتسم الحياة التشكيلية السورية بالغنى في التجارب والاتجاهات، وكان ذلك نتيجة سببين أساسيين، أولهما أن الدولة السورية لم تتبنَ اتجاهاً تشكيلياً بذاته، أو تشجع اتجاهاً دون سواه. وثانيهما تعدد الحواضر التي درس فيها التشكيليون السوريون، واتساع صلتهم مع التجارب الفنية في أنحاء العالم، وميل الفنان السوري للبحث والتجريب والتجديد، واستلهام التراث الإبداعي الثري لحضاراته، وحضارات شعوب العالم.
مع البدايات المبكرة للفن التشكيلي السوري المعاصر ظهرت أولى المحاولات في الكتابة عنه، ورغم أن الكثير من هذه المحاولات قد غلب عليها الطابع الأدبي لكون من تصدّى لها هم من الأدباء والكتّاب، فإنها بقيت بكل الأحوال الأساس الذي قامت عليه الكتابات اللاحقة، إضافة إلى أنها قدمت مساهمة مهمة جداً في مجال تعريف الجمهور بالفن التشكيلي، وخاصة أن الجمعيات التي رعّت الفن التشكيلي ضمّت إلى جانب التشكيليين، الكتّاب والشعراء والموسيقيين وسواهم. وقد عبّرت المناخات الجديدة، عن التوق إلى بناء الثقافة الوطنية، وتمهيد الطريق للتطور والتقدم، الذي تبنته دولة الوحدة. ويمكن اعتبار تجربة د. عفيف البهنسي أول محاولة لتوثيق الفن التشكيلي السوري المعاصر، ففي عام 1960 أصدرت له وزارة الثقافة والإرشاد القومي للإقليم السوري كتاباً يعد – رغم صغر حجمه- مرجعاً وثائقياً مهماً، ومحاولة مبكرة لتأريخ الفن التشكيلي المعاصر في سورية، فالكتاب الذي حمل عنوان (الفنون التشكيلية في الإقليم السوري 1900 ـ 1960) مثّل إحدى أولى المحاولات (إن لم نقل المحاولة الأولى) لتوثيق الفن التشكيلي السوري على أساس تصنيف المدارس والاتجاهات والتيارات الفنية، وهو إلى جانب ذلك كان أشبه بدليل توثيقي للمعرض السنوي الذي أقيم للمرة الأولى عام 1950 حيث تضمن جداول تفصيلية بأسماء الفنانين المشاركين بالدورات العشر للمعرض التي أقيمت إلى حين صدور الكتاب، وصوراً لبعض أهم المشاركين وأعمالهم مع تعريف بهم وباتجاهاتهم.
كان هذا الكتاب باكورة سلسلة من الكتب التي عنيت بتعريف القارئ العربي بتاريخ الفن، في سورية أولاً، ثم في العالم وخاصة في أوربا حيث تأثر التشكيليون السوريون بالتجارب والاتجاهات التي ظهرت فيها، وفي مرحلة تالية بتجارب الفنانين العرب في بلدانهم العديدة، وعقد مقارنات بين أساليبهم واتجاهاتهم سواء التي تلتقي عند محاولات التأصيل والربط بالتراث، أو عند التأثر بالتيارات الفنية العالمية، وكان أمراً منطقياً أن يتجه الدكتور البهنسي بعد كتابه عن التشكيل السوري المعاصر إلى تسليط الضوء على اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة في البلاد العربية بتكليف من منظمة اليونسكو، ذلك أنه بتصنيف تجارب التشكيليين السوريين والعرب على أساس المدارس والاتجاهات والتيارات (كما ورد قبل قليل) وجد نفسه معنياً بالتعريف بمصادر الفن العالمي فكان أن أصدر في العام ذاته كتاب الفن عبر التاريخ، ثم كتاب قضايا الفن عام 1962، وفي عام 1962 أيضاً أصدر كتاب اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة، ليعود في عام 1964 ليصدر، وبعد ذلك بسنتين كتاب تاريخ الفن في العالم، ومن ثم وفي عام 1971 كتابه الأشهر تاريخ الفن والعمارة الذي ظل معتمداً ككتاب دراسي منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا في كثير من الكليات الجامعية والمعاهد الفنية. وللحديث تتمة..

سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 22-1-2019
الرقم: 16891

آخر الأخبار
تعاف جديد للقطاع الصحي بانطلاق تأهيل مستشفى معرة النعمان الوطني اجتماع تنسيقي لوضع اللمسات الأخيرة على المركز الوطني لمكافحة الألغام في سوريا جسور سوريا .. دمرها النظام المخلوع والفرنسيون سيؤهلونها  37 جسراً بأيدي " ماتيير " الفرنسية  الإرث الثقافي السوري العالمي يحتل ريادة  الحضارات إعادة رسم خريطة الإدارة المالية... قانون جديد قيد التشكل سمفونية رائعة الألحان.. سوريا من أغنى الدول بتداخل ثقافاتها تكريم رواد "الوفاء لحلب".. تكافل شعبي يعيد الحياة للمدينة محولة كهربائية جديدة لمركز العريضة في جبلة بسعة 2000 ك.ف.أ ملف العهد الشخصية على طاولة "المالية" و"الرقابة"… والحل قيد الإقرار تصريحات المعنيين .. ورواتب السوريين! تعافي حلب الاقتصادي يتسارع.. تعاون جديد بين غرفة التجارة وولاية مرعش الشيباني يبحث مع مبعوثة المملكة المتحدة تعزيز العمل المشترك دعم لليرة ... " المركزي" يلزم المصارف بإعادة مبالغ التأمين بالليرة السورية انحباس الأمطار يحرم فلاحي حلب من استثمار أراضيهم الجفاف يضرب سوريا .. نداء وطني لإنقاذ الزراعة والأمن الغذائي حملة  للتبرع ب 100 وحدة  دم أسبوعياً في حمص   "دقة الموجات فوق الصوتية في الحمل" بحلب  وحضور طبي كبير الهندسة الاجتماعية .. فن اختراق العقول بدل الأجهزة " نقل " حلب تعود بعد تأهيلها وشروط محددة  لمنح تراخيص العمل  تجربة يعيشونها لأول مرة ..  رابطة الجالية السورية في فرنسا تنتخب مجلس إدارتها