المفعم فخامة

بقدر ما أحزنني نعي الدكتور سعد الدين كليب الراحل الكبير وليد إخلاصي، بقدر ما استوقفتني الصورة التي أرفقها بنعيه، وأنا الحظ ذلك البعد الشاسع بينها وبين صورة وليد إخلاصي الراسخة في ذاكرتي منذ حظيت بلقاء التعارف، مطلع التسعينات، وحتى لقائنا الأخير قبل سنوات صارت بعيدة. لقد غيّر الزمان كثيراً ذلك الوجه المفعم بالحيوية، لكن الزمان كان أعجز عن الانتقاص من فخامة حضور صاحبه، وعذوبة ابتسامته الرضية الجميلة المحبة الواثقة.

لا أضيف شيئاً على ما يعرفه المهتمون، وما كتبوه في رثاء الراحل النادر، فقد نظم الشعر وألف الرواية والقصة القصيرة وكتب الدراسة والمقالة، واهتم بالفن التشكيلي، وكانت له فيه مساهمات نقدّية هامة، إلا أن معظمها قد وردت في لقاءات إذاعية وتلفزيونية، فلم تعد في متناولنا للأسف الشديد. غير أن صفة الكاتب المسرحي بقيت الصفة الأكثر التصاقاً بوليد إخلاصي، مع أن عدد مؤلفاته المسرحية لم يبلغ نصف عدد مؤلفاته المنشورة. نصوصه المسرحية اتسمت بأفقها الرحب، وروح التجديد والتجريب فيها، وبحثها عن أشكال مسرحية جديدة. وقد لقيت دوماً التقدير الكبير من المسرحيين الكبار داخل سورية وعلى امتداد الوطن العربي، ومع ذلك لم يلق هذا التقدير ما يوازيه – عدداً – من عروض على خشبة المسرح. ولعلّ آخرها عرض (حدث في يوم المسرح) الذي قدّمه المهند حيدر في مسرح القباني بدمشق أواخر عام 2014، وهو واحد من ستة نصوص لوليد إخلاصي تنتمي لما يوصف بالمسرح داخل المسرح: (الصراط 1975، حدث يوم المسرح 1979- سهرة ديمقراطية 1979- السماح على إيقاع الجيرك 1983- عجباً إنهم يتفرجون 1986- مَن يقتل الأرملة؟ 1987)، وهي جميعاً تسعى لإشراك الجمهور بالعرض، وكشف اللعبة المسرحية أمامه مسلّطة الضوء على ما يدور في كواليس المسرح. و(حدث في يوم المسرح) نصٌ مكتوب لعرض الممثل الواحد (مونودراما)، وقد عمد المخرج إلى إضافة شخصية ثانية ليمنح العرض المزيد من الحيوية والإمتاع، ويعمق حجم المفارقة فيه من خلال الحوارات التي تدور بين عامل المسرح الموهوم بأهميته المسرحية، وبين المرأة التي اتخذت من المسرح المهجور بيتاً لها. بما يشاكس زمننا وأحلامنا المسرحية. مسلطاً الضوء، مرة إضافية، على قدرة الكاتب المخضرم على استشراف المستقبل، وربما استمرار الحالة التي كتب من وحيها نصّه قبل نحو نصف قرن.

كان للراحل الكبير إطلالات واسعة عبر نوافذ الصحافة، ولا حاجة للقول :إن تلك الإطلالات كانت مترعة بالمعرفة والرؤى الثقافية العميقة العارفة، وهي – بطبيعة حال صاحبها – نقيضٌ حقيقي لتلك الكتابات الطحالبية الصفراء التي يبحث أتباعها عن الخطأ – أو يختلقونه غالباً – فيما الخطأ – كلّه – يفوح منهم. ففي مطلع التسعينات، وأثناء انعقاد مهرجان المسرح الخليجي في (أبو ظبي) قدّمت فرقة خليجية عرضاً مسرحياً عن نص لوليد إخلاصي أثار حواراً واسعاً، ونال تقديراً رحباً من كبار المسرحيين العرب، ضيوف المهرجان، الذين أكثروا من الثناء على النص وكاتبه، وعلى اختيار الفرقة المسرحية له، غير أن مفاجأة من العيار الوضيع كان بانتظارهم جميعاً، ففي مواجه باب القاعة التي جرى فيها مناقشة العرض وقف صحفي سوري صغير مقيم هناك – مع ضحالته وأناقته المتكلفة ونظارته الشمسية في غير مكانها و(غليونه) الذي لا يشبه غليون وليد إخلاصي- ليدعي بصوت استعراضي مسموع أن نص المسرحية مسروق من قصة قصيرة لأديب سوري آخر. استفز غروره – غير المبرر- بعض الحضور، فحاولوا إفهامه الفارق بين نص مسرحي و قصة قصيرة، خاصة أن النص المسرحي يحمل مقولة مغايرة كلياً للقصة القصيرة، وأنه، بكلّ الأحوال، قد كتب قبلها بسنوات، لكن الصحفي الأصفر لم يكن ليفتح أذنيه أو عقله، فسارع إلى نشر (اكتشافه الصحفي الأرعن) مفاجئاً به صباح اليوم التالي حضور المهرجان الذين تجول بينهم كطاووس أخرق، غير مبالٍ بمشاعر الازدراء التي أحاطه بها العارفون، مستمتعاً بما ناله من اهتمام أشباهه.

تذكرت الحكاية في زحمة ما نشر عن كاتبنا الكبير. وحاولت بكلّ الجهد تذكر اسم الصحفي، فلم أستطع. لكن اسم وليد إخلاصي لن ينسى أبداً.

إضاءات -سعد القاسم

 

آخر الأخبار
"تجارة ريف دمشق" تسعى لتعزيز تنافسية قطاع الأدوات الكهربائية آليات تسجيل وشروط قبول محدّثة في امتحانات الشهادة الثانوية العامة  سوريا توقّع مذكرة تفاهم مع "اللجنة الدولية" في لاهاي  إجراء غير مسبوق.. "القرض الحسن" مشروع حكومي لدعم وتمويل زراعة القمح ملتقى سوري أردني لتكنولوجيا المعلومات في دمشق الوزير المصطفى يبحث مع السفير السعودي تطوير التعاون الإعلامي اجتماع سوري أردني لبناني مرتقب في عمّان لبحث الربط الكهربائي القطع الجائر للأشجار.. نزيف بيئي يهدد التوازن الطبيعي سوريا على طريق النمو.. مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي العلاقات السورية – الصينية.. من حرير القوافل إلى دبلوماسية الإعمار بين الرواية الرسمية والسرديات المضللة.. قراءة في زيارة الوزير الشيباني إلى الصين حملات مستمرة لإزالة البسطات في شوارع حلب وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب مدرسة أبي بكر الرازي بحلب تعود لتصنع المستقبل بلا ترخيص .. ضبط 3 صيدليات مخالفة بالقنيطرة المعارض.. جسر لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنصة لترويج المنتج الوطني المضادات الحيوية ومخاطر الاستخدام العشوائي لها انطلاقة جديدة لمرفأ طرطوس.. موانئ دبي العالمية تبدأ التشغيل سوريا والتعافي السياسي.. كيف يرسم الرئيس الشرع ملامح السياسة السورية الجديدة؟ هل تسهم في تحسين الإنتاجية..؟ 75 مليون دولار "قروض حسنة" لدعم مزارعي القمح