الثورة – سمر حمامة:
تشهد أسواق دمشق في الآونة الأخيرة موجة جديدة من الغلاء طالت الخضار والفواكه، ما أثار استياء واسعاً لدى المواطنين الذين باتوا يجدون أنفسهم أمام معادلة صعبة، إما تقليص ما يوضع على موائدهم اليومية، أو تجاوز قدرتهم الشرائية في ظل دخول محدودة لا تكاد تغطي الأساسيات.
في جولة ميدانية على سوق النور الشعبي في منطقة التضامن، بدا المشهد جلياً، أكوام من الخضار والفواكه معروضة على البسطات، ألوان جذّابة للعين، لكن الأسعار المكتوبة على اللوحات الصغيرة المثبتة فوقها كانت كفيلة بصدّ الكثير من المتسوقين، وبين من يكتفي بالسؤال عن السعر ويمضي، ومن يحاول المساومة لتخفيض بضع مئات، ومن يشتري بالكيلو إلا أنّه يغادر بنصفه أو ربعه، يتضح حجم الأزمة التي يعيشها المواطن السوري العادي.
الغلاء هو القاسم المشترك
خلال الجولة، سُجِّلت أسعار متباينة بين صنف وآخر، إلا أنّ الجامع بينها جميعاً هو الارتفاع الملحوظ بالمقارنة خلال الشهر السابق. فقد وصل سعر الليمون الحامض إلى 20 ألف ليرة للكيلوغرام، فيما ارتفع سعر ورق العنب الفرنسي إلى 30 ألفاً، أما الفليفلة الحمراء فبِيعت بخمسة آلاف، والعنب بـ 12 ألفاً، بينما حُدِّد سعر البطيخ عند 2000 ليرة للكيلوغرام الواحد. ولم يكن حال الخضار الورقية أفضل، إذ بلغ سعر الملوخية 15 ألفاً، والبصل 3000 والبطاطا المالحة 4000، في حين سجّل الخيار ارتفاعاً كبيراً ليصل إلى 10 آلاف، والتين 15 ألفاً، بينما تراوح سعر التفاح بين 12 ألفاً للنوع الأول و7500 للنوع الثاني، أما الدراق فسُعِّر بـ 10 آلاف. وفي صنف البقوليات الطازجة، وصلت الفاصولياء إلى 25 ألفاً للنوع الأول و12 ألفاً للنوع الثاني، بينما بيعت ربطة البقدونس بـ 1500 ليرة، والنعنع والبقلة بألف ليرة للربطة الواحدة. أما الخس فتراوح سعره بين 2000 و3000 ليرة، في حين سجلت البامية 10 آلاف.
بين الاستياء والعجز
المواطنون الذين التقيناهم عبّروا لـ”الثورة” عن ضيقهم من هذا الغلاء الذي يرونه “غير منطقي” و”فوق طاقتهم”.
أحد المتسوقين- أبو أحمد، قال بحسرة: “كنا نعتبر الخضار أساس المائدة اليومية، اليوم أصبحت بعض الأصناف مثل الملوخية والفاصولياء من الكماليات التي لا نستطيع شراءها إلا نادراً.”سيدة خمسينية، فضلت عدم ذكر اسمها، كانت تشتري بضع حبات من الخيار علّقت قائلة: “أصبحنا نشتري بالحبة لا بالكيلو، كنا في الماضي نملأ سلة الفواكه للأطفال، الآن نكتفي بثلاث حبات تفاح أو بضع حبات دراق. “الشاب وسيم. ك، من سكان المنطقة، أوضح أن دخله الشهري لا يكفي سوى لتأمين الحاجات الأساسية من خبز وأرز وزيت، مضيفاً: “الخضار والفواكه صارت رفاهية، الراتب ينتهي في أول أسبوع، وبعدها نعيش على الحد الأدنى.”
الباعة يبررون
من جانب آخر، بعض الباعة في السوق حاولوا تبرير الأسعار المرتفعة بارتفاع تكاليف النقل والمحروقات، إلى جانب قلة المعروض في بعض الأصناف الموسمية، أحد الباعة، طلب عدم ذكر اسمه، قال: “نحن لسنا السبب، نحن نشتري الغالي من سوق الهال ونبيعه بسعر يغطي التكاليف، إذا انخفض سعر الجملة، حتماً سينخفض عندنا.
“لكن المواطنين لا يبدون مقتنعين بهذه التبريرات، معتبرين أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الرقابة وضعف القدرة الشرائية مقارنة بالتصاعد اليومي للأسعار.
ارتفاع أسعار الخضار والفواكه لا يقتصر على الجانب الاستهلاكي فقط، بل يترك آثاراً صحية واجتماعية واضحة. فحرمان العائلات من تناول هذه الأصناف بشكل متوازن قد يؤدي إلى مشاكل غذائية ونقص في الفيتامينات الأساسية، خاصة لدى الأطفال. كما أنّ الضغط النفسي الناتج عن عدم القدرة على تلبية أبسط متطلبات الأسرة يفاقم الشعور بالإحباط والعجز.
ويرى بعض المتابعين للشأن الاقتصادي أنّ الأزمة الحالية تعكس خللاً أعمق في البنية الاقتصادية، إذ لا تتناسب الأجور مع تكاليف المعيشة. فبينما يراوح متوسط دخل الفرد عند مستويات منخفضة، تتضاعف أسعار السلع بشكل غير مسبوق.
في المحصلة، تبقى مشاهد الأسواق الشعبية في دمشق صورة مصغرة عن معاناة يعيشها المواطن السوري يومياً.. أكوام الخضار والفواكه مكدّسة على البسطات، لكن أيدي المتسوقين لا تمتد إليها إلا على استحياء، وبين من يشتري بالقليل، ومن يكتفي بالنظر، ومن يغادر خالي الوفاض، يتجلى المشهد الاقتصادي القاسي.
ويبقى السؤال الملحّ: إلى متى سيظل المواطن أسير دوامة الأسعار، وهل هناك من حلول فعلية توقف هذا النزيف المتصاعد وتعيد للخضار والفواكه مكانتها كغذاء يومي أساسي لا رفاهية صعبة المنال؟