الثورة – تحقيق هيثم قصيبة:
بعد التفاؤل والارتياح والاستبشار بسيطرة فرق الدفاع المدني والإطفاء على موجة الحرائق التي التهمت آلاف الهكتارات من ريف اللاذقية الشمالي، إلا أنه سرعان ما عادت موجة الحرائق من جديد، إذ اندلعت بمواقع ومحاور عديدة، من محور كسب باتجاه النبعين والشجرة، إلى محور بيت ياشوط والقرى المجاورة، الممتدة نحو الحدود الإدارية لمحافظة حماة، ومحور منطقة الحفة وغابات قرية دير ماما، وأيضاً محور جبل الأكراد بقرية كفرتة وقرية بروما.
استنفار الدفاع المدني
فور اندلاع هذه الحرائق تحركت فرق الدفاع المدني وأفواج الإطفاء، واستنفرت بجاهزية تامة للتصدي لها، وقد شارك في عمليات الإخماد خمسون فريق إطفاء مدعومة بالطائرات المروحية، وجميع الآليات الثقيلة التي قامت بفتح خطوط النار والطرقات لتسهيل عمل الفرق الميدانية، وقطع الطريق على تمدد النيران.
كما وصلت مؤازرة للفرق من كل المحافظات، وعانت أفواج الإطفاء من صعوبات عديدة، وهي تقوم بمهامها، كصعوبة التضاريس الجبلية الوعرة ووجود ألغام من مخلفات الحرب، إضافة إلى الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة والرطوبة العالية والرياح المتقلبة، وتمكنت الفرق، بعد جهود استمرت خمسة أيام، من إخماد الحرائق في جميع المحاور والمواقع، وصولاً إلى مرحلة التبريد.
تكاتف الأهالي
في الوقت ذاته انبرى أهالي القرى المجاورة لمواقع الغابات التي اشتعلت فيها النيران لدعم ومؤازرة أفواج الإطفاء وفرق الدفاع المدني لإخماد النيران المشتعلة، وقدمت وسائل وصفحات التواصل الاجتماعي والمواقع والمنصات فيديوهات ومشاهدات وصوراً حية رائعة في تعبيرها عن تعاضد الأهالي واندفاعهم وتكاتفهم للتصدي للحرائق.
رئيس بلدية عين الحيات رامز عيسى قال لصحيفة الثورة: إن اشتداد قوة النيران وتمددها بغابات ومواقع عديدة من قرى ريف جبلة، دفعنا إلى أن نوجه النداء إلى الأهالي ليشاركوا فرق الدفاع في عملية الإطفاء، واستجابوا بسرعة فائقة، يحملون أدوات بسيطة (رفش- قزمة- منشار- غصن شجرة- مضخة يدوية- عبوة ماء).. كان الجميع فريقاً واحداً منسجماً، وخرجوا من بيوتهم بحماس منقطع النظير للمشاركة في عملية الإطفاء.
وأكد أن مشاهد مشاركتهم تدل على روح وطنية، وحب كبير لتراب الوطن، مشيراً إلى أنه تم اختيار ساحة بقرية “العامود” لتكون مركز تجمع ونقطة انطلاق إلى مواقع الحرائق، ويذهب الأهالي كمجموعات مؤلفة من شباب ونساء وأطفال ورجال كبار في السن، ويسلكون الطرق الوعرة في أوج ارتفاع حرارة الشمس اللاهبة، وهمهم وهدفهم هو المشاركة في إخماد النيران المشتعلة.
وأكد عيسى أنه يتم التنسيق بين المجموعات التي تعمل بشكل منظم، فكل عدة ساعات تذهب مجموعات إلى المواقع وترتاح مجموعات أخرى، وهذه المجموعات يتم تحركها ونقلها من خلال سيارات مساهِمة من بعض المشاركين الذي ينقلونهم إلى مواقع بعيدة تشتعل فيها النار، وكذلك من خلال دراجات نارية وغالباً ما تسير المجموعات مشياً على الأقدام وسط الطرق الترابية الوعرة، متحملة مشاق الطريق وصعوبة المسير، وخاصة أن أغلب المواقع المشتعلة فيها النيران تفتقر إلى الطرق الحراجية وخطوط النار.
“الثورة” التقت بعض الأشخاص ممن شاركوا في إطفاء الحرائق..الدكتور علاء محمد قال: عندما اجتاحت الحرائق جبالنا وغاباتنا الخضراء، قمنا على قلب رجل واحد، وخرجنا من كل بيت في ريفنا الجبلي الجميل لنشارك في إطفاء النيران، لافتاً إلى أن شباباً، في عمر الزهور، انتشروا في الجبال متمحلين درجات الحرارة العالية وألسنة اللهب والطرق الوعرة، وقرروا أن يصمدوا في مواقعهم حتى يتمكنوا من إخماد النيران.
أما الشاب علاء عباس فقال: إنه شارك مع مجموعة من رفاقه في إطفاء بؤر عدة مشتعلة من خلال معداتهم المتمثلة بأغصان الشجر، مضيفاً: تعرضت للحرق بأصابعي، لكنني تابعت عملية الإخماد.
وأوضح الشاب سمير عيسى أنه كان ينقل الشباب بسيارته إلى مواقع الحرائق، وكشف الشاب علي زيود أنه كان ينقل عبوات مياه الشرب للمتطوعين على دراجته النارية، في حالة من أجمل حالات التلاحم الوطني.
الشاب دريد حماد أوضح وزملاؤه أنهم تجمعوا في ساحة القرية، وذهبوا بأعداد كبيرة ليشاركوا في إطفاء النيران المشتعلة في غابات بيت ياشوط، وتحملوا وعورة التضاريس والطرق الترابية، وكل شاب منهم شارك بوسيلته الخاصة، فمنهم من حمل رفشاً، وآخر مضخة مياه، والبعض اعتمد على أغصان الشجر، مؤكداً أن تقاطر الأهالي من كل القرى لمساعدة فرق الدفاع المدني في السيطرة على الحرائق، يعبر عن روح وطنية حقيقية.
حماد أكد تعرض أكثر من شاب إلى إصابات بحروق في أمان مختلفة من أجسادهم، ومع ذلك لم يتركوا مواقعهم حتى إخماد النيران.
جمعيات ومبادرات تطوعية
سعت مؤسسات وجمعيات خيرية كثيرة لتقديم الإغاثة للقرى المتضررة، والعون لفرق الدفاع والمتطوعين كاستجابة فورية طارئة، ومنها مؤسسة وجمعية “طوق الياسمين الخيرية” التي قدمت حملات إغاثية.
رئيس الجمعية ياسمين علاوي، أوضحت أن المؤسسة قدمت الدعم عبر التشارك مع المجتمع الأهلي والمحلي، وكثفت جهودها الإغاثية لدعم رجال الاطفاء وفرق الدفاع المدني الأبطال الذين يخاطرون بأرواحهم لحماية الأرواح والممتلكات.
وأشارت إلى أن المؤسسة قدمت المساعدات، من وجبات سريعة وتوزيع عبوات المياه في ظل درجات الحرارة المرتفعة، وتوفير الكمامات لحمايتهم من الأبخرة والدخان.
ومن الجمعيات التطوعية التي قدمت المساعدات الإغاثية من طعام ومياه جمعية “كن بلسماً”.. وأيضاً مبادرة شباب بيت ياشوط والقرى المجاورة من ريف جبلة الذين انتظموا، وشاركوا بأدوات بسيطة وعزيمة صلبة وسهروا الليالي في مراقبة الجمر والنار كي يحموا أرزاق الأهالي. هؤلاء الشباب بمبادرتهم حولوا التراب دروعاً ومجارفهم ورفوشهم أدوات للدفاع عن الأرض والأشجار والرزق والإنسان. وتقدمت جمعية “بسمة أمل” بتقديم خدمة الفحوصات الطبية والمخبرية المجانية للمتضررين المتطوعين في خطوط المواجهة الأمامية مع الحرائق. وأيضاً تطوع المئات من الشباب من قرى كثيرة بعيدة عن مواقع الحرائق كالحويز والشراشير وغيرها، كما تطوع شباب من مدينة اللاذقية وجبلة والحفة والقرداحة وكسب، وشاركوا بتقديم المواد الإغاثية والمياه والطعام لكل أهالي القرى المتضررة من تمدد الحرائق.
عمل متواصل
وحول دور الدفاع المدني وجهوده للسيطرة على الحرائق، أكد مدير الدفاع المدني في محافظة اللاذقية عبد الكافي كيال، أنه بعد عمل متواصل دام أكثر من ستة أيام تمكنت فرق الدفاع المدني والإطفاء ومديرية الحراج، وبمساندة الأهالي من إخماد كلي لمواقع الحرائق بجميع المحاور، وتم تبريدها.
وأشار إلى أن توسع النيران في منطقة الحفة وتمددها إلى بلدات وقرى عين الكروم، وعين التينة، ودير ماما، واندلاع حرائق أخرى في محور كسب النبعين، والبدروسية، ومفرق تشالما في قرية السمرا، تطلب أن نستقدم مؤازرة وزيادة في عدد أفواج الإطفاء. وأوضح أن أكثر من 250 رجل إطفاء، وخمسين آلية ثقيلة عملت على مدار أيام متواصلة لإخماد النيران.
شكر وعرفان
محافظ اللاذقية الذي كان يتجول ميدانياً وينتقل من موقع إلى آخر من مواقع الحرائق لتعزيز الروح المعنوية للفرق ورجال الإطفاء، تقدم عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك بكلمة شكر وعرفان للأهالي الذين اندفعوا بالمئات لمشاركة رجال الإطفاء والدفاع المدني والحراج.. مؤكداً أن لمشاركة الأهالي من كل القرى، دوراً حاسماً في إخماد الحرائق في جبال الشعرة.
ولفت إلى أنهم ساهموا بجهودهم الكبيرة بمنع امتداد النيران ومنع وقوع الكارثة البيئية والإنسانية.. وأن وقوفهم إلى جانب فرق الدفاع والإطفاء لم يكن مجرد مساعدة، بل كان مثالاً حياً وحقيقياً لتوحيد الجهود المشتركة والاندفاع الحماسي من المواطنين، عبّر بكل وضوح عن حب الناس لوطنهم وسعيهم بكل حماس لمنع النار من التمدد والاقتراب من منازلهم..
وأكد أن العمل بروح الفريق الواحد في مواجهة الخطر أثبت أن التكاتف بين المواطنين ورجال الإطفاء هو السلاح الأمضى لمواجهة الكوارث، فشكراً لكم من القلب على كل قطرة عرق بذلتموها وعلى كل خطوة تقدمتم بها لإنقاذ أرضنا وغاباتنا.