الخريجون الأوائل من الجامعات  للتعيين المباشر في المدارس  

الثورة – لينا شلهوب: 

لطالما كان التعليم في سوريا مدار نقاش واسع في الأوساط الرسمية والشعبية، بوصفه الركيزة الأساسية لبناء الأجيال ومواجهة التحديات التي فرضتها السنوات الماضية، وفي ظل أزمات متراكمة، من نقص الكوادر التعليمية إلى تراجع جودة المخرجات، يبرز قرار وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كخطوة نوعية قد تعيد للتعليم ألقه المفقود.

القرار المتمثّل بإصدار التعليمات التنفيذية للقانون رقم /35/ لعام 2024، والذي يقضي باستقطاب الخريجين الأوائل من الجامعات السورية للتعيين المباشر في المدارس، ليس مجرد إجراء إداري، بل مشروع إصلاحي يسطر ملامح جديدة لمستقبل العملية التربوية.

يرسم مساراً جديداً

وزارة التربية والتعليم، أكدت أن الهدف من القرار هو رفع سوية التعليم، وتعزيز ثقافة التميز الأكاديمي، عبر استقطاب النُخبة من الطلبة الأوائل، إذ تضمن البيان مجموعة من التعليمات التنفيذية التي ستسمح بتعيين هؤلاء الخريجين في اختصاصات محددة، مع إمكانية التوسع وفق الحاجة، بما يسهم في سد النقص الحاصل في المدارس، خاصة في المناطق الأشد حاجة.

كما شددت التعليمات على أن هذه الخطوة ستحدث نقلة نوعية في العملية التعليمية، وتعزز دور المعلم كركيزة أساسية في التنمية الوطنية اعتباراً من بداية العام الدراسي القادم، مؤكدة أن تحسين وضع المعلم سيبقى على رأس أولويات الوزارة عبر إجراءات تشريعية وتنظيمية إضافية.

منذ سنوات، واجهت المنظومة التعليمية تحديات متفاقمة، تمثّلت بنقص حاد في المعلمين، وتفاوت كبير في جودة التعليم بين المناطق، إضافة إلى ضعف الحافز لدى الكوادر، وغياب الصلة بين التفوق الجامعي وفرص العمل، هذه التحديات دفعت بالكثير من الخريجين المتفوقين إلى البحث عن فرص خارج البلاد، أو القبول بوظائف بعيدة عن اختصاصاتهم.

وبحسب خبراء، فإن القرار الجديد يأتي كرد عملي على هذه التحديات، إذ يربط بين التفوق الأكاديمي والحصول على فرصة عمل مضمونة، ما يعيد الثقة بالعملية التعليمية ويحفّز الطلبة على الجد والاجتهاد.

مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم أوضح أن الغاية ليست مجرد ملء الشواغر، بل تحسين نوعية الكادر التعليمي، مضيفاً: نحن لا نبحث عن العدد فقط، بل عن الكفاءة، و وجود خريجين أوائل في المدارس سيغيّر من مستوى التعليم ويعزز ثقة الأهالي بالمؤسسات التربوية.

من جانبها، أكدت وزارة التعليم العالي أن القرار يعكس وعياً بأهمية استثمار الطاقات الشابة داخل الوطن، وقال أحد مسؤوليها: الخريجون الأوائل هم النخبة التي لا يجوز خسارتها، كما أنه بفضل هذا القرار، لن يكون التفوّق مجرد شهادة، بل فرصة عملية لخدمة المجتمع.

يرى خبراء تربويون أن القرار سيعيد الاعتبار لقيمة التميز الأكاديمي، لكنه يحتاج إلى إجراءات مرافقة، الأستاذة ثناء أبو فخر، خبير في السياسات التربوية، قالت: الطلاب المتفوقون يملكون أساساً علمياً قوياً، لكن دخول الصفوف يحتاج إلى تدريب عملي وتأهيل بيداغوجي حتى يتمكنوا من نقل المعرفة بفعالية.

الخريجون: التفوق أصبح له معنى

ردود فعل الخريجين جاءت إيجابية وطموحة، إذ اعتبروا القرار بمثابة تكريم لجهودهم، تقول دعاء شلهوب خريجة أوائل كلية التربية: أخيراً أشعر أن سنوات التعب والدراسة لم تذهب سدى، الآن أصبح التفوق مفتاحاً لمستقبل مضمون.

أما محمود البيطار من كلية العلوم، فيرى أن القرار سيشجع الشباب على البقاء في الوطن، لافتاً إلى أن كثيرين من الشبان كانوا يفكرون بالهجرة بعد التخرج، لكن بعد صدور هذا القرار، أتوقع عزوفهم عن الهجرة، كونه سيمنحنا أملاً في بناء حياتنا هنا.

أولياء الأمور بدورهم وجدوا في القرار فرصة لتحسين مستقبل أبنائهم، إذ تقول إحدى الأمهات: ما نريده ببساطة هو أن يعلّم أولادنا معلمون أكفاء يعرفون قيمة العلم، وإذا تحقق ذلك، سنكون قد خطونا خطوة كبيرة للأمام، ويعود الأمل أن بناء سوريا ليس مستحيلاً، انطلاقاً من بنائها تربوياً وتعليمياً.

الفرق واضح

قبل القرار، كان النقص في الكوادر واضحاً، خصوصاً في الأرياف، ما أجبر المدارس على الاستعانة بمعلمين غير مختصين، أو تكليف الموجودين بساعات إضافية مرهقة، أما الآن، فمن المتوقع أن تسد المدارس بخريجين أوائل مؤهلين علمياً، بما يضمن التوزيع العادل بين المحافظات، كما أن جودة التعليم التي تراجعت سابقاً نتيجة غياب الكفاءات، ستشهد تحسناً ملموساً مع دخول معلمين أكفاء قادرين على رفع مستوى الطلاب، إضافة إلى ذلك، فإن المعلم الذي تراجعت مكانته اجتماعياً واقتصادياً سيستعيد دوره بوصفه أساس العملية التنموية، خاصة مع الوعود بتحسين أوضاعه المعيشية.

أما الخريجون الأوائل الذين كانوا في السابق بلا فرص واضحة، أو مضطرين للهجرة، فقد أصبح التفوّق بالنسبة لهم جواز سفر إلى وظيفة مضمونة في قطاع التربية.

من خلال إجراء مقارنة بعد قراءة الفوارق، يتضح أن القرار سيؤدي– إذا طُبق بجدية ورافقته برامج داعمة– إلى تحسين نوعي في البنية التعليمية من حيث الكفاءة البشرية، والعدالة في توزيع الكوادر، كما سيعيد التوازن بين طموحات الخريجين واحتياجات المجتمع، مما يخلق حالة من الثقة المتبادلة بين المؤسسات التعليمية والطلاب وأولياء الأمور.

يرى عدد من المختصين التربويين ومنهم أماني فهد، أن اتخاذ مثل هذا القرار من شأنه أن يسد النقص في الكوادر التدريسية بسرعة، ويعمل على تحسين جودة التعليم، وزيادة التحصيل العلمي للطلاب، كذلك يسهم بتوفير فرص عمل مباشرة للخريجين الأوائل، مع تحقيق قدر من العدالة في توزيع المعلمين بين المحافظات.

لا يقتصر القرار على نتائجه المباشرة، كما يقول الأستاذ سامر العبد، بل يشكل نهضة تعليمية، ويتوقع أن يحمل آثاراً بعيدة المدى، منها: تعزيز مكانة التعليم كقيمة اجتماعية واقتصادية، وخلق حافز مستمر للتفوق الأكاديمي بين طلاب الجامعات، إضافة إلى ربط الجامعات بسوق العمل عبر مسار واضح ومحدد، فضلاً عن بناء جيل من المعلمين الشباب الذين يجمعون بين العلم والتجديد.

تحديات تلوح في الأفق

رغم التفاؤل الكبير، إلا أن التطبيق العملي قد يواجه جملة من العقبات، كما يشير الأستاذ معن بركات، التي من أبرزها: ضرورة تأهيل الخريجين الجدد عبر برامج تدريبية عملية قبل دخول الصفوف، مع الحاجة إلى حوافز مادية ومعنوية كافية لضمان استقرارهم في العمل، كذلك أهمية الرقابة على آلية التوزيع العادل للكوادر بين المناطق، وأيضاً تطوير البنية التحتية للمدارس بما يتناسب مع الكفاءات المستقدمة.

يبدو واضحاً أن القرار يمثل بداية لمسار طويل في عملية إصلاح التعليم. فإذا ما ترافق مع خطط استراتيجية شاملة تشمل تطوير المناهج، وتحسين بيئة العمل المدرسية، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية، فإن أثره سيكون عميقاً ومستداماً.

إنّ قرار استقطاب الخريجين الأوائل من الجامعات السورية للتعيين المباشر في وزارة التربية ليس مجرد إجراء إداري، بل هو تحول نوعي يرسم ملامح مرحلة جديدة عنوانها الاستثمار في الكفاءات العلمية، وإعادة الاعتبار لمكانة المعلم كركيزة أساسية في عملية التنمية الوطنية.

استقطاب الخريجين الأوائل إلى المدارس خطوة تحمل في طياتها رسالة واضحة، أن مستقبل سوريا يبدأ من الصف الدراسي، وأن المعلم سيبقى سيد العملية التربوية وصانع الأجيال، لذا فالقرار وحده لن يكون كافياً ما لم يرافقه دعم تشريعي وتنظيمي ومجتمعي، لكنه بالتأكيد يشكّل البداية الصحيحة لإعادة الاعتبار للتعليم والمعلم معاً.

آخر الأخبار
قطرة دم.. شريان حياة  الدفاع المدني يجسد أسمى معاني الإنسانية  وزير السياحة يشارك في مؤتمر “FMOVE”  التحول الرقمي في النقل: إجماع حكومي وخاص على مستقبل واعد  وزير النقل لـ"الثورة": "موف" منصة لتشبيك الأفكار الريادية وتحويلها لمشاريع      تنظيم شركات المعلوماتية السورية  ناشطو "أسطول الصمود" المحتجزين يبدؤون إضراباً جماعياً عن الطعام حوار مستفيض في اتحاد العمال لإصلاح قوانين العمل الحكومي مناقشات استراتيجية حول التمويل الزراعي في اجتماع المالية و"IFAD" الشرع يبحث مع باراك وكوبر دعم العملية السياسية وتعزيز الأمن والاستقرار العميد حمادة: استهداف "الأمن العام" بحلب يزعزع الاستقرار وينسف مصداقية "قسد" خطاب يبحث في الأردن تعزيز التعاون.. و وفد من "الداخلية" يشارك بمؤتمر في تونس حضور خافت يحتاج إلى إنصاف.. تحييد غير مقصود للنساء عن المشهد الانتخابي دعم جودة التعليم وتوزيع المنهاج الدراسي اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار بكل المحاور شمال وشمال شرقي سوريا تمثيل المرأة المحدود .. نظرة قاصرة حول عدم مقدرتها لاتخاذ قرارات سياسية "الإغاثة الإسلامية" في سوريا.. التحول إلى التعافي والتنمية المستدامة تراكم القمامة في مخيم جرمانا.. واستجابة من مديرية النظافة مستقبل النقل الرقمي في سوريا.. بين الطموح والتحديات المجتمعية بعد سنوات من التهجير.. عودة الحياة إلى مدرسة شهداء سراقب اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً