تتميز الشخصيات الأسطورية التاريخية ببعدها الإنساني، مؤثرة بالفكر العربي على مر الأزمنة، وهذا ما عكسته بنية الحياة في العصر العباسي على مستوى الفن والأدب، ما أدى إلى تشكيل رؤية جمالية وظفها الخطاب الشعري العربي توظيفاً ناجحاً.
كتاب جديد صدر عن دار العرّاب للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق تحت عنوان (المنحى الأسطوري في الشعر العباسي) للكاتبة ريما إسماعيل دياب الذي حاولت من خلاله إبراز المكون الرمزي الأسطوري في الشعر العباسي بمعناه الفني.
فالكتاب لا يعنى بتاريخ الأسطورة، إلا من حيث الإطار العام أو السياق الذي يمثل مرجعية الصورة الرمزية فحسب، والكاتبة د. ريما الدياب بينت أن أهم البواعث التي دعت الشعراء إلى توظيف الأساطير في أشعارهم تمثلت بالباعث الثقافي الذي اتضح في تأثير الشعراء بالثقافات الأجنبية آنذاك، ولا سيما الفارسية التي رفدت الشعر العباسي بكثير من المعاني الأسطورية المتصلة بالشخصيات والعقائد والأفكارعامة، والباعث السياسي المتصل بالظروف التي دعت بعض الشعراء إلى التعبير عن بعض الأحداث تعبيراً رمزياً، فلم يستطيعوا البوح بأفكارهم بصورة مباشرة بدافع الخوف، ولم يجدوا وسيلة للبوح عنها سوى التعلق بالرموز والأساطير.
وتوقفت الكاتبة مطولاً عند الزمان الأسطوري كما يتبدى في الشعر العباسي، وبينت أنه يبتعد عن الزمان التاريخي بمستوياته ذات المعالم الواضحة، ألا وهي الماضي والحاضر والمستقبل، التي تنتظم في نسق متتابع، فالزمن الأسطوري هو زمن مقهور إذ يسحق المسافات والأبعاد، والغريب أنه ذات حركة تاريخية، أي ذات حاضر وماض ومستقبل، لكنه لا يعترف بالحواجز، ويوجد بين الماضي والحاضر والمستقبل، فهو زمن غير أصلي، تتابع أحداثه بشكل غير محدد، فلا يوجد تسلسل منطقي للأحداث, ومن هنا ارتبط الزمان الأسطوري بهالة من الغموض.
الرموز الأسطورية في الشعر العباسي تمثل قرارة الشعر وعمقه الفكري و لهذا ركزت الكاتبة على دراسة الأسطورة في بعدها الرمزي التي توافق إلى حد بعيد حقيقة الشعر العباسي الذي نهض نموذجاً حضارياً منصهراً في بوتقة ثقافة عميقة تناهت إلى الشعراء العباسيين فتصرفوا فيها تصرف العارف الخبير.
للمرأة حضور لافت في الصور الأسطورية، فبعد أن كانت رمزاً للجمال والحسن غدت في العصر العباسي رمزاً للبشاعة والقبح والشناعة، إذ قرنها نفر من الشعراء بصور الحيوانات الأسطورية القبيحة كالغول الذي يهلك الإنسان، والشيطان الذي هو رمز للشر والأذى، ومن هنا تحولت المرأة إلى كائن غريب الصورة، والطبع، ومن هنا باتت رمزاً أسطورياً بصورتها الغريبة التي لم نشهدها في العصور الماضية.
فالعباسيون أمتاز شعرهم بالحكايا الأسطورية ورثاء الأثار، ووصف الممالك الزائلة، وقد امتازت معانيهم بالرموز العميقة الموحية التي تشف ولا تظهر بشكل مكثف ما فيها، وخلاصة القول إن الاسطورة التي تناثرت في الشعر العباشي كانت رمزاً جمالياً لابد منه، جذوره عربية وبعضها من تلاقح الثقافات التي انصهرت في بوتقة الحضارة العربية، الكتاب دراسة نقدية مهمة تقدم قراءة جديدة قادرة على أن تؤسس لفكرة مغايرة عن النقد الذي نراه.
علاء الدين محمد
التاريخ: الثلاثاء 5-2-2019
رقم العدد : 16902