تتعدد تجارب الشعوب في مواجهة التحديات، لكنها بالمطلق تكون أكثر غنى حين تكون مفتوحة، وتزداد دروسها وعِبَرُها حين تكون متعددة الجبهات، خصوصاً في الحروب التي تشكل سياقاً تاريخياً تترتب على نتائجها إعادة تشكيل النظام العالمي، أو في الحد الأدنى تتوقف على معطياتها النظرة العالمية للعلاقات الدولية ومفاعيلها المستقبلية.
في الحروب الأربع التي حددتها كلمة السيد الرئيس بشار الأسد أمام المجالس المحلية، ثمة محتويات غير مسبوقة في التجربة، ومعطيات غير معهودة في التداعيات، ونماذج تصلح في نهاية المطاف للمحاججة على نطاق أوسع من السياقات التي تنتجها الحروب عادة، خصوصاً حين تكون من النوع التدميري التي تتعدد فيها أشكالها وتتفاوت شدتها وحدتها تبعاً لفصول المواجهة قريبها وبعيدها.
المقارنة هنا ليست في شكل الحروب التي تأخذ طابعاً تدميرياً فقط، ولا في اتساعها وتعدد جبهاتها فحسب، بل في النطاق الذي تمتزج فيه العسكرة بأدوات الضغط والحروب التقليدية بالنماذج المستحدثة من قبل منظومات العدوان.. ليصبح كل شيء أداة للحرب، لكن على الضفة الأخرى يصلح ليكون أكثر الأدوات فاعلية ونجاعة في مواجهة الحرب ذاتها ومقاومة آثارها ونتائجها، والقدرة على ضبط مسارها ووضع محددات إيقاعها تبعاً للظرف الناشئ، ووفقاً لتطور المواجهة.
في الظروف المماثلة التي كانت تشكل فيها الحرب أحد النماذج التقليدية.. كانت المعارك طريقاً يمكن تحديد مساره، لكن في ظل المعطيات القائمة أصبحت الحرب شكلاً غير متداول على مستويات المواجهة سواء ارتبط ذلك بدول العدوان التي تباهت بجمع أكثر من مائة وثلاثين دولة مع الإرهابيين والمرتزقة والقتلة من كل نوع وصنف، أم تعلق بأدوات العدوان، حيث يتحول الحصار الاقتصادي بوحشيته الرأسمالية ونفاقه الغربي إلى أخطر أدوات الحرب شراسة.
ويضاف إلى هذا وذاك ما ارتبط بتسخير التقنية ومفرزاتها بأدوات لا تقتصر على العامل الخارجي منشأ ودوراً ووظيفةً، بل تستمد أحد أوجه قوتها وتأثيرها من خلال العامل المحلي باعتباره قناة تسويق وترويج عن حسن نية أو بدونها، ليصل الأمر في نهاية المطاف إلى المواجهة مع نتائج الحرب وتفشي الظواهر المرضية المرتبطة بصنوف الحرب من فساد وترهل وتورّمات اجتماعية وبنيوية، بحيث تكون الجبهات مفتوحة والحروب من جذر واحد وأصل واحد، وإن تغيرت صورة الوكيل أو تبدل نموذج المرتزق والإرهابي، أو تعددت صور الأصيل.
في المعطى السياسي تبدو المحاكاة الواقعية شكلاً من أشكل المواجهة بين البحث عن السيادة في زمن تاهت فيه المفاهيم، وفي وقت تغيرت فيه معالم وأشكال التعاطي مع القانون والشرعية، لتصبح المنظمة الدولية جزءاً من نتاج الحرب ذاتها، لكنها في السياق العملي تأخذ أبعاداً أكثر حدة، وتصل حدوداً أكثر شراسة وأكثر تأثيراً في مسار العلاقات الدولية، وإعادة الاعتبار لمفاهيم كان يراد لها أن تتلاشى وتزول…!!
الحروب بصيغتها القائمة أو نماذجها المستقبلية مصيرها كما سبقها.. حالها في ذلك حال الظرف الضاغط الذي تبقى فيه الإرادة ومنتجاتها الحالة الأكثر تعبيرية في المواجهة، حيث في نهاية المطاف تُحدد المعالم وتضع المعايير وتضبط الإيقاع ليكون على مقاس وطني طالما كان جزءأ من التوصيف لمجمل المقاربات.. جديدها وقديمها.
a.ka667@yahoo.com
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الثلاثاء 19-2-2019
الرقم: 16913