فراس علاوي
لحظات تحول تاريخية تشهدها سوريا اليوم بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، هذا التحول كان نتيجة طبيعية لنضال الشعب السوري عبر 14 عاماً خاض خلاله حرباً على الصعد كافة، أورثت دماراً واسعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، إذ نتج عن هذا الدمار تحول سوريا إلى دولة هشة، في ظل هذه التغيرات كان هناك دور بارز للمملكة العربية السعودية كفاعل إقليمي رئيسي في هذا السياق، إذ لعبت دوراً محورياً في دعم التغيير السياسي، وتعزيز استقرار الحكومة السورية الانتقالية، والمساهمة في رفع العقوبات الدولية عن البلاد.
يعكس هذا الدور رؤية استراتيجية سعودية تهدف إلى إعادة إدماج سوريا في النظام الإقليمي العربي، وتعزيز الاستقرار في المنطقة، مع التركيز على دعم اقتصادي وسياسي يضمن بناء دولة سورية مستقرة ومزدهرة.
دور السعودية في إسقاط النظام السوري
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتخذت المملكة موقفاً واضحاً تراوح بين الوقوف بشكل واضح وصريح ضد نظام الأسد، حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية معه، ودعمت المعارضة السياسية والمسلحة في مراحل مبكرة من النزاع، وذلك من خلال توفير التمويل والأسلحة لفصائل مثل الجيش الحر، بالإضافة إلى الدعم السياسي عبر منصات دولية.
كانت هذه السياسة جزءاً من صراع إقليمي أوسع، هدفت من خلاله الرياض إلى مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، التي كانت تُعد ركيزة أساسية لـ”محور المقاومة” المدعوم من طهران.
وقد أسهمت الجهود السعودية، بالتنسيق مع دول مثل قطر وتركيا، في خلق ضغوط سياسية وعسكرية ساهمت في النهاية في إضعاف النظام وصولاً إلى سقوطه في ديسمبر 2024، كان من ضمن هذه المحاولات عمل السعودية على استيعاب نظام الأسد وتغيير سياساته تجاه المعارضة والمنطقة والضغط عليه لتفكيك تحالفه مع إيران وبالتالي إضعافه داخلياً وإقليمياً ليكون قابلاً للتغيير لاحقاً.
دعم الحكومة السورية الانتقالية
بعد سقوط النظام، تحركت السعودية بسرعة لدعم الحكومة الانتقالية برئاسة الرئيس أحمد الشرع.
وتجلى هذا الدعم في زيارة وفد سوري رفيع المستوى بقيادة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى الرياض في يناير 2025، والتي عكست رغبة البلدين في فتح صفحة جديدة من التعاون.
أكدت المملكة، من خلال تصريحات وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، التزامها بدعم سوريا سياسياً واقتصادياً، مع التركيز على إعادة الإعمار وتعزيز الاستقرار.
كما أعلنت السعودية، بالتعاون مع قطر، عن تقديم دعم مالي مشترك للعاملين في القطاع العام السوري، إلى جانب إرسال مساعدات غذائية وطبية عبر البر والجو.
هذه الخطوات تعكس نهجاً سعودياً يهدف إلى تثبيت شرعية الحكومة الجديدة، وتخفيف معاناة الشعب السوري بعد سنوات من الحرب والعزلة.
الدور السعودي في رفع العقوبات الأميركية
ربما كان أبرز إنجاز للدبلوماسية السعودية بما يخص سوريا هو دورها المحوري في إقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على سوريا.
في 13 مايو 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مشاركته في منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي في الرياض، رفع جميع العقوبات عن الحكومة الانتقالية السورية، وذلك بناءً على طلب مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
هذا القرار، الذي وُصف بأنه “نقطة تحول محورية”، يُعد خطوة غير مسبوقة، إذ كانت العقوبات الأميركية، وخاصة قانون قيصر لعام 2019، قد شكلت حاجزاً كبيراً أمام التعافي الاقتصادي السوري.
وقد جاء هذا الإنجاز في سياق جهود سعودية مكثفة لتخفيف العزلة الدولية عن سوريا، حيث استضافت الرياض محادثات دولية في يناير 2025 دعت خلالها إلى تخفيف العقوبات لدعم إعادة الإعمار.
كما ساهمت المملكة في حشد دعم إقليمي ودولي، بما في ذلك تأييد الاتحاد الأوروبي الذي أعلن في فبراير 2025 رفع عقوباته جزئياً عن قطاعات حيوية مثل الطاقة والنقل والخدمات المصرفية.
هذه الجهود عززت من شرعية الحكومة السورية الجديدة، وساهمت في خلق بيئة مواتية لجذب الاستثمارات، خاصة من دول الخليج، التي ترى في سوريا فرصاً استثمارية واعدة في قطاعات البنية التحتية والنفط والزراعة.
الأبعاد الاستراتيجية للدور السعودي
يحمل الدور السعودي في سوريا أبعاداً استراتيجية تتجاوز الدعم السياسي والاقتصادي.
أولاً، يعكس هذا الدور رغبة المملكة في استعادة زمام المبادرة الإقليمية، خاصة في مواجهة النفوذ الإيراني الذي تراجع بشكل كبير بسقوط نظام الأسد.
ثانياً، تسعى السعودية إلى تعزيز الاستقرار في سوريا كجزء من رؤيتها لمنطقة عربية متماسكة، بعيدة عن الفوضى والصراعات التي قد تهدد الأمن القومي لدول الخليج.
ثالثاً، يشكل دعم الحكومة السورية الجديدة خطوة نحو إعادة إدماج سوريا في جامعة الدول العربية، ما يعزز من الوحدة العربية في مواجهة التحديات الإقليمية.
التحديات والتطلعات
على الرغم من هذه الإنجازات، تواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديات هائلة، منها إعادة بناء اقتصاد منهار، وتجاوز الانقسامات الاجتماعية والسياسية، يشكّل عقبة أمام تحقيق الاستقرار الشامل. ومع ذلك، فإن الدعم السعودي، بما يتضمنه من استثمارات محتملة وتنسيق إقليمي، يوفرفرصة حقيقية لتجاوزهذه التحديات، بالتزامن مع تبني الحكومة السورية إصلاحات شاملة تحمي حقوق جميع مكونات الشعب السوري.
يمثل الدورالسعودي في سوريا نموذجاً للدبلوماسية النشطة التي تجمع بين القوة الناعمة والتأثير الإقليمي.
من خلال دعمها لإسقاط نظام الأسد، وتعزيز شرعية الحكومة الانتقالية، والمساهمة في رفع العقوبات الدولية، حيث تؤكد المملكة التزامها بإعادة صياغة مستقبل سوريا كدولة مستقرة ومزدهرة.
هذا الدورلا يخدم مصالح الشعب السوري فحسب، بل يعزز من مكانة السعودية كقائد إقليمي يسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.
ومع استمرار التحديات، يبقى الأمل معقوداً على أن يترجم هذا الدعم إلى واقع ملموس يحقق تطلعات السوريين في العيش بكرامة وحرية.