الثورة – فؤاد مسعد:
يبدو أن الدراما السورية ستتصدر المشهد خلال المرحلة القادمة، وتأخذ مكانها الذي تستحق وبزخم كبير، لتكون منبراً مهماً في إيصال الصوت والصورة لكل العالم، خاصة أنها ترقى لمرتبة “سفير سوريا الدرامي” على الشاشات ومنصات العرض، وفي البيوت العربية.
المؤشر الأبرز الذي دلّ على ذلك، ما ذكره السيد الرئيس أحمد الشرع في كلمته حول قطاع الدراما السورية، حين قال:
“كل العمليات التي تتعلق بزيادة الإنتاج وتوفير أسواق لتصدير هذه المنتجات، هذا أيضاً يوفر لنا سيولة كبيرة جداً في الداخل، وخاصة في الأمور التي لها علاقة بالصناعة والزراعة، وكل عمليات الإنتاج، بما فيها الإنتاج الدرامي”، ما يعكس في أحد أوجهه عمق النظرة نحو الإنتاج الدرامي السوري، وما يحمله من أهمية استراتيجية.
رافعة ثقافية
مما لا شكّ فيه أن للدراما دوراً تمارسه ضمن المجتمع، من أولوياته تكريس الحالة التنويرية وتعزيز المفاهيم الثقافية والأخلاقية، وهنا أقتبس مما قاله مسؤول ملف الدراما مروان الحسين على صفحته في الفيسبوك، حين أكد أن الدراما “رافعة ثقافية واقتصادية وسياحية”، وقوله “إن الطريق ما زال طويلاً، لكننا اليوم نخطو بخطا واثقة على أرضٍ باتت تعترف بأهمية الثقافة في بناء الاقتصاد والهوية معاً”، ما يعني أن سوريا تسير بخطوات ثابتة وعينها على الريادة.
مما لا شكّ فيه أن حجم المسؤولية الملقاة على عاتق من يعملون ضمن ملف الدراما كبير جداً، إن كانت “وزارة الإعلام” أو “اللجنة الوطنية للدراما” أو “المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي”، إذ يقدمون جهوداً تبدو واضحة بشكل جلي، منذ الفترة التي سبقت شهر رمضان المبارك، وخلال عرض الأعمال في الموسم الدرامي الأخير، وإلى اليوم، والمثال الأحدث عن هذا الجهد حفل “سوريا في عيوننا” الذي أقيم مؤخراً في دار الأوبرا.
والأمل كبير أن يرقى الإنتاج الدرامي السوري في القادم من الأيام إلى مستوى الصناعة الدرامية كاملة الأركان، التي يتوازى فيها الجانب الإبداعي مع الجانب التجاري والربحي، سعياً إلى تكريس مشروع إبداعي درامي وطني، توضع له القوانين الناظمة والمشجعة التي تعدّ حافزاً للمنتجين وللمستثمرين، وفق شروط تضمن الجودة المتوخاة من مختلف النواحي، إلى جانب إفساح الطريق أمام الفنان الحقيقي والكاتب المميز والمخرج المبدع الخلّاق ليقدموا ما لديهم بحب وشغف.
عناصر قوة
تمتلك الدراما السورية عناصر قوة لم تأتِ من فراغ، تجعلها واحدة من أبرز الصناعات، فهي تحمل إرثاً حقيقياً عمل على بنائه مؤسسون ورواد مبدعون، بذلوا الكثير من الجهد والتعب والسهر ليشيّدوا بنيانها الضارب في جذوره عمق الأرض.
والمُتابع لمسيرة الإنتاج الدرامي التلفزيوني منذ انطلاق التلفزيون العربي السوري في بداية ستينيات القرن الماضي، يتلمس الجهد الحقيقي لإرساء أسس متينة يقوم عليها ذلك الإنتاج الذي تعرض للكثير من المصاعب والعراقيل خلال مسيرته، لكنه استمر وتطور، وكثيرة هي الأعمال التي قدمت منذ مرحلة “الأسود والأبيض” مشكّلة فيصلاً مهماً ونقطة علّام، فبقيت حاضرة في الوجدان والذاكرة الجمعية حتى اليوم، مقدمة وجبة دسمة على الصعيدين الفكري والفني.
وأذكر هنا “غيض من فيض”.. فمن منا ينسى صرخة الفنانة منى واصف “شخصية منيرة” التي أبكت الكثيرين في سباعية “أسعد الوراق” إخراج علاء الدين كوكش عام 1975، عن قصة “الله والفقر” لصدقي اسماعيل وحوار عبد العزيز هلال، وشخصية سلوى سعيد في “انتقام الزباء” عام 1974 إخراج غسان جبري وتأليف محمود دياب، وأغنية شارة مسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب” عام 1991، إخراج هيثم حقي وتأليف عبد النبي حجازي والتي يقول مطلعها “ولاد الأرض السمرا..”، ومن ينسى دموع خالد تاجا “ِشخصية أبو أحمد” عندما كان يأكل ويبكي بصمت، ملخصاً قهر وألم ومعاناة الكثيرين، في مسلسل “التغريبة الفلسطينية” إنتاج عام 2004، إخراج حاتم علي وتأليف وليد سيف.
ويضاف إلى ذلك العديد من شخصيات مسلسل “ضيعة ضايعة” عام 2008 إخراج الليث حجو وتأليف ممدوح حمادة.
فرصة ذهبية
اليوم هناك فرصة ذهبية لتخرج الدراما السورية نحو أفق أرحب وأوسع لتكون ملاصقة للناس، تحكي وجعهم وتوثق بإطار درامي مشوق لحظات إنسانية وحالات ومواقف ونضال، هناك بحر من الموضوعات والقضايا المهمة التي تشكل معين لا ينضب، وعلى صانعي الدراما أن يغرفوا منه مما يعزز الثقة بين عملهم والجمهور، ليكون العمل الدرامي التلفزيوني السوري حاضراً بقوة ومنافساً شرساً على المحطات، يُزاحم على الصدارة من دون مهادنة.
ومن الضرورة بمكان تكريس عادات وتقاليد وأعراف إنتاجية وفنية إبداعية تحكم العلاقات، محورها المصلحة العامة، تلك الأعراف والتقاليد التي من مهامها ترسيخ آليات عمل ووضع ضوابط لحماية المُنتج الدرامي السوري وحماية العاملين فيه.. مما لا شكّ فيه أن العمل كثير، ولكن الأمل كبير بالقادم من الأيام.