عندما تم تشييع نزار قباني خرجت دمشق كلها في وداعه واستحوذت برامج التلفزيون والدراما لتصنع حدثا في تلك اللحظة, كذلك الأمر عندما شيع الشاعر محمد الماغوط حيث فوجئت؟ وانا ابنة بلد الماغوط؟ بخلوشوارع سلمية من البشر وتجمعها في المكان الذي سيودع فيه كل هؤلاء تلك القامة, ولم يكن ذلك الشارع يتسع فوقف الناس على سطوح المنازل مودعين قامة لم يكن الجميع يعرفها الا من خلال الاعلام والكتب.
عبد السلام العجيلي الذي أوصى بجنازة بسيطة وسريعة ودون إجراءات رسمية لم يجب أهل الرقة على وصية الراحل وخرجوا مودعين, فهل سيشكل وداع هذه القامات آخرالوداعات الأدبية؟ وكيف يمكن للحرب أن تلغي جيشان الحزن والحب على فقيد كان يمثل وطنا؟
نعم: الحرب ألغت باطن الأمر وظاهره ولم يعد يحتفي الناس بالأديب أو الشاعر بتلك الطاقة العجيبة التي ملكها الناس قبل الحرب.
الحرب أزهقت أرواح الناس وكان موت حنا مينا أكثر الأمثلة على برودة الوداع كما برودة الموت.
لماذا؟؟ هل لأن المشاعر البشرية اختلطت بما يسمى مع أو ضد ولم تعد الناس تميز أن هذا الأديب أو ذاك هو نفسه من كان يمثل وطنا ولايمثل فئة؟هل لأن الناس نسيت أن الذي نشرلم يعد مسؤولاعما نشر وأن ماكتبه لم يعد ملكا له بل صار ملكا لذاكرة جمعية شكلت حالة انعطاف حضارية تمثلت بأن هذا الوطن يحتفي ويشيع أدباء وليست كل الأوطان تقيم وزنا لرحيل ادبائها؟
واذا كان رمي المسؤولية على الأمة وتخاذلها لصناعة الأقزام في أوطانها فذلك أمر لايؤدي الى الخلاص وما كتبه أدونيس مرة في قصيدة الجثة يفضح لكن دون حل, عندما قال: في مقلب القمامة.. رأيت جثة لها ملامح الأعراب.. تجمعت من حولها النسور والذئاب.. وفوقها علامة تقول هذه الجثة كانت تسمى كرامة..
أم سنظل على تذكر جبران خليل جبران في قصته النبي وويلاته من أمة زاخرة بالمعتقدات خالية من الايمان وهو الذي يقول: «ما أولاكم أن ترثوا أمة تلبس أردية لاتنسجها وتأكل خبزا لاتحصده وقال: ما أولاكم أن ترثوا لأمة تهتف للباغي هتافها للبطل ويبهرها الغازي فتعده الوهاب الجواد..».
كثيرة هي القصائد التي هجت العرب في أمتهم لكن أكثر مابات يهم العالم اليوم هو أوطانهم فليكن خلاصنا في وطننا الذي أرهقته الحرب لثمان سنوات دون أن تنتهي ولنستعيد مكانة أدبائنا في ذاكرتنا نحييها, ونستعد للقادم من شعراء وأدباء خرجوا للتو من ساحة القتال لبناء فكر جديد قائم على أعمدة من الانسانية والحضارة التي لاتموت بموت نزار والماغوط والعجيلي.
أيدا المولي
التاريخ: الاثنين 25-2-2019
رقم العدد : 16917
السابق
التالي