اللغـة العربيـة في يومهـا.. بين التمجيد والتزهيـد

اعتمد مطلع آذار من كل عام يوماً للغة العربية في الوطن العربي, إلى جانب اليوم العالمي للغة العربية في الأمم المتحدة في الثامن عشر من شهر كانون الثاني.
ويتناول المهتمون بالعربية من لغويين وإعلاميين ومحبين في هاتين المناسبتين قضايا اللغة وتدور مداولاتهم غالباً في منحيين.
الأول: تمجيد اللغة والمبالغة في تبيان خصائصها ومزاياها وعبقريتها, حتى ليظن القارىء أنها فوق لغات البشر قاطبة, وهذا غلو لايؤيده الواقع, وذلك أنه لاتخلو لغة حية ذائعة من مزايا وعبقرية, وفي لغتنا العربية من المزايا وعوامل القوة مالا يحوجها إلى من ينصرها بالأوهام والمبالغات, فحبذا الاقتصاد في هذا المنحى والاقتصار على مايتطلبه البحث اللغوي الموضوعي.
الثاني: المبالغة والمغالاة في تضخيم مشكلات العربية في الوقت الراهن وهو منحى أخطر بكثير من سابقه في نظرنا.
فثمة من يبالغ في توصيف ضعف الأداء اللغوي عند الكاتبين أو الكتاب والأدباء, أو عند الإعلاميين والمعلمين.. وتراهم يطنبون في ذلك بحجة الواقعية والعقلانية, حتى إنه ليوهم السامع أو القارىء بأن هذه اللغة لاتكاد تفهم أو تمكن مستعمليها من التعبير عن معظم حاجاتهم التواصلية.
ومنهم من ينعى لغة الإعلام, وكأنها عاجزة عن إيصال خبر أو معلومة على وجهه الصحيح.
ومنهم من يتباكى على حال المصطلح العربي, فهذا يصفه بالتعددية والفوضى, وذاك ينعته بعدم الدقة أو الغرابة, والحوشية, وذلك يحكم عليه بالتخلف والقصور.. كلام يلقى بحق وبغير حق.
ومنهم من يضيق صدراً ببعض خلافات الكتابة الإملائية, كأن تكتب همزة(مسؤول) على الواو في الشام, وعلى نبرة في مصر, وكأن تكتب همزة(هيئة) على نبرة في سورية ومصر, وعلى ألف في العراق.
أن تكتب كلمة (توءم) بهمزة على الألف, أو بهمزة على السطر…
ويجعلون من مثل هذه الخلافات الإملائية التي لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة قصة ورواية يتناقلها الركبان وتحدى بها القوافل!!
ومنهم من يضخم من حجم الكلمات الأجنبية الشائعة في العربية حتى لتقدر أنها ستكتسح العربية كلها في عقد من الزمان.
ومنهم من يحمل الدين مسؤولية ضعف بعض التراجمة وترجماتهم إلى العربية حتى ليكاد يوهم بعضهم أن الدين لغة انعزالية متقوقعة على زمن ماض, وأنها غير قابلة لتحقيق التواصل مع غيرها من اللغات ومنهم ومنهم…
إن من يستمع إلى هذه الأقوال يكاد يظن أن اللغة العربية في غرفة العمليات أو في غرفة العناية المشددة, وأن الناس خارجها يدعون لها بحسن الختام !! حتى إن بعض اللغويين المحبطين لايخفون مثل تلك المشاعر.
ولاشك في أن بعض هؤلاء المتداولين يصدر عن غيرة على العربية وحب لها كما لاشك في أن بعضهم يصدر عن غيرة على اللغة العربية وكره لها.
وإلى هذا الفريق الثاني نقول خففوا من غلوائكم وغلوكم: فضعف الأداء اللغوي ليس مقصوراً على العربية, بل إن معظم لغات العالم بما فيها اللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية والروسية تعاني من مثل ماتعاني لغتنا وإن بدرجات متفاوتة, ويندر أن نجد أمة لم تؤلف لجاناً متخصصة لعلاج ذلك الضعف، وللنهوض بلغتها وحمايتها، حتى إنها لتسن القوانين الملزمة في هذا الميدان، وما قانون (تويون) الفرنسي ببعيد.
وأما عن ضعف لغة الإعلام, فإننا نحيل إلى دراسة في إيطاليا كشفت أن التلفزيون الإيطالي يرتكب غلطة لغوية في كل عشر دقائق!! وإلى الماضويين الذين يفتنون بما في لغة الإعلام أقول: اقرؤوا مقالة لكتاب بداية عصر النهضة وقارنوها بلغة إعلاميينا المعاصرين, وسوف تكتشوفون أن لغة إعلاميينا بخير.
وأما من يضيق صدراً بخلاف الرسم الإملائي في بعض البلاد العربية فنقول: مايغير الخلاف في هذا الرسم الذي لايجاوز (2%) من قواعده بالقياس إلى التوافق الذي يقارب (98%) منها ومثل هذا الخلاف واقع في كل لغات العالم، علماً بأن المؤسسات اللغوية العربية متوافقة على الرسم الإملائي, وإن مانجده من خلاف مرده إلى عادة كتابية مألوفة لاغير، تجهد المؤسسات اللغوية في اقصائها.
– وأما من يهولون من دخول الكلمات الأجنبية إلى لغتنا، فلعلهم يتجاهلون أن مامن لغة إلا وتشكو من مثل هذه الحالة, ألم يكتب أحد كبار مثقفي فرنسا كتاباً بعنوان(هل تتكلم الفرنسية الانكليزي ويسمها «الفرانكلية»؟ أي إن الفرنسيين يشكون على قوة لغتهم من كثرة الكلم الدخيل في لغتهم، ومن المعروف أن نحو 40% من مفردات اللغة الفارسية المعاصرة هي من العربية وأن نحو 20% من اللغة التركية المعاصرة هي من العربية والقوم يحاولون استعادة النقاء اللغوي الى ألسنتهم وهذا حقهم ونحن نقوم بذلك أيضاً، فقد أنجز مجمع اللغة العربية بدمشق معجماً سماه معجم المقابلات العربية للكلمات الأجنبية الشائعة وسوف يطبع قريباً وسوف يكتشف القارىء أن تلك الكلمات لا تتجاوز ألف كلمة كلها من ألفاظ الحياة اليومية المتداولة. ونحن وإن كنا لا نستهين بهذا العدد إلا أنه لا يخيفنا كثيراً بالقياس إلى بحر العربية الزاخر وسبق أن دخلت إلى اللغة العربية كلمات فارسية وراجت حتى أن بعض العجميين كان يشرح الكلمة العربية أحياناً بكلمة فارسية ثم ذهبت الكلمة الفارسية وبقيت الكلمة العربية وهذا من طبائع اللغات.
وأما عن تعدد المصطلح العلمي العربي فلعل خير من يفند المعاجم حوله الدكتور عدنان الحموي عالم الرياضيات وخريج الجامعات الفرنسية ورئيس تحرير مجلة العلوم النسخة العربية لمجلة ساينتفيك أمريكان إذ قال: إن التعدد المصطلحي موجود في جميع اللغات وضرب أمثلة كثيرة على ذلك من مصطلحات اللغة الانكليزية نفسها.

التاريخ: الخميس 7-3-2019
الرقم: 16926

آخر الأخبار
السيطرة الكاملة على حريق "شير صحاب" رغم الألغام ومخلفات الحرب    بين النار والتضاريس... رجال الدفاع المدني يخوضون معركتهم بصمت وقلوبهم على الغابة    تيزيني: غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة كانت تعمل كصناديق بريد      تعزيز التعاون في تأهيل السائقين مع الإمارات بورشة عمل افتراضية     الإبداع السوري .. في"فعالية أمل" ريف اللاذقية الشمالي يشتعل مجدداً وسط صعوبات متزايدة وزير الطاقة: معرض سوريا الدولي للبترول منصة لتعزيز التعاون وتبادل الرؤى بطولات الدفاع المدني .. نضال لا يعرف التراجع في وجه الكوارث والنيران  وزير الطاقة يفتتح "سيربترو 2025"  وزير الطوارئ يتفقد مواقع الحرائق ويشيد بجهود الفرق الميدانية   500 سلة إغاثية لمتضرري الحرائق باللاذقية  السويداء على فوهة البندقية.. سلاح بلا رقيب ومجتمع في خطر  دمشق وأبو ظبي  .. مسار ناضج من التعاون الثنائي الحرائق تتمدد نحو محمية غابات الفرنلق.. وفرق الإطفاء تبذل جهوداً جبارة لإخمادها امتحانات البكالوريا بين فخ التوقعات والاجتهاد الحقيقي "لمسة شفا" تقدّم خدماتها الصحية والأدوية مجاناً بدرعا مشاريع خدمية بالقنيطرة لرفع كفاءة شبكة الطرق تطويرالمهارات الإدارية وتعزيز الأداء المهني بعد تدخل أردني وتركي..الأمم المتحدة تدعو لدعم دولي عاجل لإخماد حرائق اللاذقية متابعة التحضيرات النهائية لانطلاق امتحانات "الثانوية" في ريف دمشق