رأي… ‎رانيا كرباج بين التشكيل والشعر..‎المحبة والقداسة في مواجهة الدمار..

 

إلى أي مدى تتداخل الرؤى الشعرية والطروحات التشكيلية في لوحات الفنانة التشكيلية والشاعرة رانيا كرباج التي قدمتها مؤخراً في صالة مرسم فاتح المدرس (25 لوحة بقياسات مختلفة ).. تساؤلات تطرح نفسها في سياق استعراض مسيرتها الفنية، المتجهة نحو إضفاء المزيد من الروحانية والحس الأيقوني، على أجواء لوحاتها المرسومة بالزيت والمطعمة بالورق المذهب.
وبداية نقول أن العلاقة مستمرة ومتواصلة، ولم تنقطع بين عوالمها الفنية التشكيلية،وبين قصائدها النثرية، ويتعزز هذا الشعور حين نعلم أنها أقامت عشرة معارض فردية، وأصدرت خمس مجموعات شعرية، ومنذ البداية عملت على توءمة الشعر بالفن التشكيلي، من خلال طرح نفس الأفكار والعلاقات الوجدانية والإنسانية، وبرؤى واضحة لا تحتمل التأويل والتنظير والإفتعال.‏
هالات مذهبة
ولقد كانت ولا تزال تجسد الوجوه بعيونها الواسعة أو بإغماض العينين لفتيات وأطفال (منفردين أو مجتمعين) في حين تبدو الهالة المذهبة المحيطة بالوجوه مستوحاة من فن الايقونة، وتأخذنا أحياناً إلى شاعرية بصرية تضفيها تقنية وضع المادة اللونية على سطح اللوحة، وفي بعض لوحاتها تجعل المرأة مجنحة, كأنها منطلقة الى السماء، وهذا يساهم في تكثيف الحس الروحاني في فضاء السطح التصويري.

وركزت في لوحة كبيرة على تكثيف العناصرالإنسانية العارية في فسحة الفضاء أو فوق الغيوم، وبطريقة تجعلنا نقف أمام لوحة « جبرانية « بامتياز، جسدتها عن غير قصد. وتتجه في خلفيات لوحاتها لإبراز حالات الهدوء والشاعرية مبتعدة عن الضربات والحركات اللونية العفوية المنفعلة، وتظهر حركات بعض الوجوه والشخوص عبر مناخية خيالية ورمزية، كونها مولفة في اللوحة بطريقة ليست واقعية، رغم أننا نستطيع أن نأخذ مقاطع واقعية من كل لوحاتها، وبذلك تنفلت من أسر الواقع أحياناً، رغم أنها تنطلق منه، وتعتمد أحيانا،على موديلات حية على حد قولها وخاصة بناتها، لدرجة أنني أعتقدت للوهلة الأولى، أنها في بعض لوحاتها تعيد رسم نفسها بطريقتها الخاصة أو ترمز إلى حالتها الذاتية.
وفي نساء وفتيات وأطفال وشخوص لوحاتها (العائلة مثلاً) تبدو مرتبطة بحالات الصفاء الروحاني، الذي يشكل المظهر الرئيسي للتعبيرية المشرقية، ولهذا لا يمكن الحديث عن تجربتها التشكيلية دون الإشارة إلى ارتباط لوحاتها بالزمن الصوفي، وبالتعبيرية الأيقونية بشكل عام.
معاناة التهجير
‎وفي مجموعاتها الشعرية التي أهدتني منها مجموعتين (السماء هنا, وأين أنت) تكشف رانيا عن علاقتها الوطيدة بالقصيدة النثرية, وفيهما تعمل على ايجاد حالة من الموازنة والمواءمة بين ماتقدمه في أعمالها التشكيلية وكتاباتها، على الأقل في وضوح الصور وبعدها عن الغموض وعن منزلقات الوقوع في هاوية ودهاليزالتأويل ومتاهات التنظير.‏
‎هكذا تجاهر بطروحاتها الواقعية وصولاً إلى الرؤى التعبيرية والحلمية والخيالية.‏‏ فرغم اقترابها من الإشارات الواقعية المباشرة, إلا أن ذلك لم يمنعها من الدخول في جوهر الحالة الرمزية، وفي تخيلات الصورة الحلمية، وهي تروي حكاياتها الوجدانية والرومانسية في لوحاتها وكتاباتها معاً. كأنها من خلال هذه الوجوه والكتابات الشعرية، لا تريد تأمل الواقع اللاإنساني المتأزم المفتوح على كوارث الحروب وويلاتها.‏‏ رغم أنها من خلال هذه الوجوه والكتابات, وعناصر المحبة والقداسة تتصدى لأزمنة الحروب وأهوالها, هي التي عاشت مع أسرتها ولا تزال تعيش معاناة ومرارة التهجير من منزلها في مدينة حلب, فالصفاء والأمل المرتسم على الوجوه هنا قادر على إخراجنا من إطار الحزن والقلق، الذي يسكن الداخل ويظهر في ملامح الوجوه وتعابير العيون, فهي رغم مأساوية المرحلة لم تقع في سكونية البعد المتلاشي في الفراغ واليأس والعدم, وإنما تصل بالجوهر الإنساني إلى ضفاف الحالة المستمدة من دلالات الأمل بالقدرة على النهوض كطائر الفينيق من بين الرماد.
‎أجواء تفاؤلية
‎فهي في لوحاتها وكتاباتها تشير الى إمكانية التفاؤل، رغم فجائعية الواقع، ورموز الأمل والمحبة تبرز هنا كاصداء شعرية رومانسية، من دون ان تذهب الى ذاتية جانحة.‏ انها دعوة لتحرير الذاكرة من تأثيرات الألوان الرمادية والقاتمة وإعلان ما يمكن تسميته بالأجواء التفاؤلية بعودة الحياة إلى الأمكنة المهجرة، وعودة الإخضرار إلى الأغصان العارية وإلى الأرض اليباب.‏ بهذه الرومانسيات الهادئة المتأثرة بالحنين الى الرومانطيقية الرقيقة والمرهفة، والجانحة احياناً اخرى الى الإيقاعات العصرية المشحونة بانفعالات وجدانية نابضة بالحركة والحيوية، تواجه مرحلة السواد الكلي والمطلق عبر الانتقال من صورة الى اخرى، في خطوات الوصول الى الفاصل البليغ والصمت المعبر البعيد كل البعد عن إشكاليات الغموض والأداء الاستعراضي, لوحات وأشعار تجعل المكان ينضح بالرومانسية والإلفة والمحبة والروحانية، وهي ترى هذه العناصر من خلال وجه امرأة أو فتاة أو طفلة أو رجل, ومن خلال تفرعات اللون الدهبي إلى أغصان, وعناصر زخرفية أحياناً, ومن خلال الجمع مابين الرؤية الواقعية والمخيلة الفنية, تركز لإبراز الدقة الواقعية في ملامح الوجوه وحركة الأطراف وغيرها. ‏‏‏ولقد آثرت دخول عالم الشعر من باب القصيدة العازفة على أوتار المشاعر، والجانحة نحو قطف إيماءات رموز وعناصر الأشياء المرئية بالإحساس لمضاعفة التأثير الوجداني الحامل حنين انفلات وانعتاق من دلالات التعبير المأساوي، وإثارة تساؤلات صوفية متجذرة في رموز علاقة الموت بالولادة الجديدة. ‏‏‏‏ ‏
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum

 

التاريخ: الأثنين 1-4-2019
رقم العدد : 16945

آخر الأخبار
بقيمة 2.9مليون دولار.. اUNDP توقع اتفاقية مع 4 بنوك للتمويل الأصغر في سوريا حمص.. حملة شفاء مستمرة في تقديم خدماتها الطبية د. خلوف: نعاني نقصاً في الاختصاصات والأجهزة الطبية ا... إزالة مخالفات مياه في جبلة وصيانة محطات الضخ  الألغام تهدد عمال الإعمار والمدنيين في سوريا شهادة مروعة توثق إجرام النظام الأسدي  " حفار القبور " :  وحشية يفوق استيعابها طاقة البشر  تفقد واقع واحتياجات محطات المياه بريف دير الزور الشرقي درعا.. إنارة طرقات بالطاقة الشمسية اللاذقية.. تأهيل شبكات كهرباء وتركيب محولات تفعيل خدمة التنظير في مستشفى طرطوس الوطني طرطوس.. صيانة وإزالة إشغالات مخالفة ومتابعة الخدمات بيان خاص لحفظ الأمن في بصرى الشام سفير فلسطين لدى سوريا: عباس يزور دمشق غدا ويلتقي الشرع تأهيل المستشفى الجامعي في حماة درعا.. مكافحة حشرة "السونة" حمص.. تعزيز دور لجان الأحياء في خدمة أحيائهم "فني صيانة" يوفر 10 ملايين ليرة على مستشفى جاسم الوطني جاهزية صحة القنيطرة لحملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تزعزع الاستقرار الإقليمي الجنائية الدولية" تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو قبول طلبات التقدم إلى مفاضلة خريجي الكليات الطبية