بدأت تتجمع عناصر أزمة مالية عالمية جديدة، لا نعرف متى ستنفجر لكنها ستنفجر وسيكون تأثيرها كبيراً على كل الكوكب، أما العوامل الرئيسة لهذه الأزمة فهي:
الارتفاع الحاد في الديون الخاصة للشركات من ناحية، ومن ناحية أخرى ظهور فقاعة المضاربة على أسعار الأصول المالية: بورصات الأوراق المالية وأسعار سندات الدين، وفي بعض الدول (مثل الولايات المتحدة والصين وغيرهما) ستظهر مرة أخرى في قطاع العقارات فكلا العاملين مترابطين بشكل وثيق. حتى الشركات التي تمتلك سيولة ضخمة مثل آبل Apple نجدها جداً مديونة لأنها تستفيد من أسعار الفائدة المنخفضة لتقرض غيرها من الأموال التي اقترضتها وليس لتستثمر إنتاجها وأيضاً لتستعيد مجدداً اسهمها من البورصة.
فقاعات المضاربة المذكورة سابقاً هي نتيجة السياسة التي تتبعها البنوك المركزية الكبرى (الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، البنك المركزي الأوروبي، بنك انكلترا، وبنك اليابان مثل فترة انفجار الفقاعة العقارية لسنة 1990) التي ضخّت آلاف المليارات من الدولارات، اليورو والين في البنوك الخاصة لتحافظ على ثباتها، كان يطلق على هذه السياسات بالتسهيلات النقدية. إن الموارد المالية التي تم استخدامها من جانب البنوك المركزية للحصول على الأصول المالية مثل: أسهم البورصة، سندات ديون الشركات، الأموال العامة والمنتجات الهيكلية… أدت إلى ظهور فقاعة المضاربة في سوق الأوراق المالية والسندات وفي القطاع العقاري، وأثقلت بالتالي جميع الشركات الكبرى بالديون.
سياسة البنوك المركزية هذه تعكس أن قرارات حكامها تحددها الفوائد القصيرة المدى للبنوك الخاصة الكبرى والشركات الرأسمالية الكبرى في القطاعات الأخرى لمنع الإفلاس المتسلسل وبالتالي تجنب خسائر المساهمين الرئيسيين…
وتتسم السياسة الرأسمالية هذه بإعادة استثمار القيمة الجديدة الصغيرة جداً، وتوزع القيمة الجديدة بشكل أرباح للمساهمين وبشكل إعادة شراء للأسهم، بشكل استثمارات مضاربة.
بالعودة إلى السياسة التي انتهجها محافظو البنوك المركزية لمكافحة الأزمة التي اندلعت في الـ 2007-2008 فقد أدت إلى زيادة عناصر الهشاشة: النسبة بين رأسمال الشركة والالتزامات التي تعهدت بها ضعيفة جداً، فمستوى هذه النسبة لا تكفي للتعامل مع الخسارة في القيمة التي قد تنجم عن انخفاض سعر البورصة وسوق السندات والأصول المالية الأخرى التي تحتفظ بها الشركة…
في نهاية كانون الأول 2018، حدث انهيار عظيم في سوق الأسهم في الولايات المتحدة، أصبح سوق العقارات هشاً حيث ارتفع سعر العقار بنسبة 50% منذ عام 2012.
يعتقد بعض الخبراء أننا قد نكون على مشارف أزمة عقارية جديدة حيث بدأ النشاط الاقتصادي بالتباطؤ مع التراجع في بيع البيوت.
تعتبر سياسة التيسير النقدي في أوروبا وخروجها عن الولايات المتحدة هي من عوامل الأزمة، في النصف الثاني من عام 2018 تراجعت قيمة أسهم البنوك الخاصة النظامية في الولايات المتحدة وأوروبا واستمرت في الانخفاض في الربع الأول من عام 2019، مع العلم أن البنوك المركزية تدعم البنوك الخاصة. بمجرد أن تأخذ الأزمة منعطفاً كارثياً، فإن وسائل الإعلام والمصرفيين سيتهمون الدول بإنفاق الكثير من الأموال العامة والتسبب بالديون العامة. لا يزال النمو الاقتصادي في الدول القديمة الأكثر تصنيعاً ضعيفاً وبحالة تراجع في عدد منها. مثلاً توقعات النمو في ألمانيا 1%، هذا واستغرق الاستثمار في الاتحاد الأوروبي 12 عاماً للعودة إلى ما كان عليه قبل اندلاع الأزمة في عام 2007. في حين أن الاقتصاد الاميركي في حالة تباطؤ عن العام الماضي، ويتوقع خبراء أن يكون نموه أضعف.. كذلك تباطأ نمو الاقتصاد الصيني حيث بلغ 6% وهو أقل نمو عرفته منذ 25 عاماً، والصين مهددة بحدوث أزمة مالية في أي وقت ما سيؤثر سلباً على النمو المحلي والعالمي وتفاقم الظروف المعيشية.
كما بدأت أزمات قوية تطرق مجموعة من الدول المنبثقة مثل تركيا، الأرجنتين وفنزويلا… وذلك بانخفاض قيمة عملتها وصعوبة تمكنها من سداد ديونها الخارجية.. رغم النمو البطيء على المستوى العالمي ولا سيما في الدول الصناعية القديمة الملوثة للبيئة، فإن العوامل التي تدفع لتسارع تغير المناخ لا تقل، وتتزايد العواقب الدرامية للاحتباس الحراري فيما تكتفي الحكومات بالوعود الخطابية البحتة..
في المحصلة تندرج الأزمة المالية القادمة في إطار أوسع من أزمة منظمة للرأسمالية العالمية، لأنها متعددة الأبعاد: اقتصادية، بيئية، اجتماعية، سياسية، أخلاقية ومؤسساتية.. ولا بد من التغلب على الأزمة عن طريق اتخاذ تدابير تؤثر على هيكل التمويل العالمي والنظام الرأسمالي.
بقلم: إيريك توسان
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الأربعاء 3-4-2019
رقم العدد : 16947