يجمع علماء الآثار والتراث على أن الموروث الشعبي هو جزء مهم من تاريخ وثقافة الشعوب، وهو الوعاء الذي تستمد منه عاداتها وتقاليدها وقيمها الأصيلة ولغتها وأفكارها وأسلوب حياتها الذي يعبر عن ثقافتها وهويتها الوطنية، ويشكل جسر التواصل بين الأجيال.
هذا ويشكل الموروث الشعبي واحدا من الركائز الأساسية في عملية التنمية والتطوير والبناء والمكون الأساس في صياغة الشخصية وبلورة الهوية الوطنية، وعليه وفي ظل عالم تتسارع فيه وتيرة تطور الحياة ومايطرأ فيها من تغيير وتنام لوسائل التواصل بين الحضارات المختلفة، فاسحة المجال لمفهوم جديد يسمى «العولمة» والذي بات يشكل الخطر الأبرز لضياع الكثير من هذا الموروث الشعبي المهم، نجد أنه من الأهمية بمكان الاهتمام بالتراث والمحافظة عليه.
من هنا، وإيمانا من جامعة دمشق بأهمية التراث الشعبي ودوره في حفظ الهوية الوطنية، تم اعتماد نظام ماجستير تأهيل وتخصص في التراث الشعبي في قسم علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق في العام 2014 حيث تمنح جامعة دمشق وبناء على اقتراح مجلسي قسم علم الاجتماع وكلية الآداب والعلوم الإنسانية درجة ماجستير التأهيل والتخصص في التراث الشعبي، وتم تكليف د. أمل حمدي دكاك الأستاذة في قسم علم الاجتماع بالإشراف على هذا الماجستير، حيث بدأ التحضير له منذ العام 2012.
وللوقوف عند أهمية استحداث هذا الاختصاص ودوره في الحفاظ على التراث المادي واللامادي والقضايا الهامة التي تطرق لها بالبحث والدراسة كان لنا هذا اللقاء مع د. أمل حمدي دكاك:
شروط قيد الطالب
• ماهي شروط قيد الطالب في ماجستير التأهيل والتخصص؟
•• تتحدد الشروط لقيد الطالب في ماجستير التأهيل والتخصص أن يكون حائزا على درجة الإجازة من إحدى الجامعات الحكومية في الجمهورية العربية السورية أو مايعادلها من كلية أو معهد عال معترف بهما من مجلس الجامعة وفق القواعد التي يضعها مجلس التعليم العالي في الاختصاصات التالية «الهندسة المعمارية، الآداب والعلوم الإنسانية، التربية، الفنون الجميلة، الفنون المسرحية، الموسيقا، السياحة، الإعلام».
وبالطبع يتم القبول بعد إجراء اختبار معياري يجري كل عام وتشرف عليه رئاسة الجامعة، وتم تخريج ثلاث دورات حتى الآن، ومن المتوقع تخريج الدورة الرابعة هذا العام.
• هل هناك إحصاء لعدد الخريجين في الدورات آنفة الذكر؟
•• لقد بلغ عدد الخريجين حوالي 50 طالبا وطالبة، وذلك بعد تقديمهم لمشاريع تخرج يتناول فيها الطالب «الباحث» موضوعا تراثيا بالاختصاصات المذكورة آنفا، وتم بالتالي إنجاز 50 مشروعا تناولت قضايا تراثية مختلفة منها: المسار الثقافي وتنمية التراث، قلعة دمشق نموذجا، التراث الغنائي والموسيقي عند الشركس في سورية، صناعة البروكار ودلالات الزخارف المتصلة بالبروكار، الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات في الساحل السوري، الأقمشة السورية، الأناشيد والترنيمات الروحية في الكنائس السورية، الرسوم التعبيرية في الفن الشعبي السوري، أهازيج وعادات الزواج في منطقة القلمون، العرس الدمشقي, وغيرها من الموضوعات المهمة في التراث الشعبي.
فعاليات وأبحاث هامة
• ماالفعاليات التي تقام للتعريف بأهمية التراث الشعبي؟
•• رغم أهمية الأبحاث التي يقدمها الطلاب وغناها بالمعلومات، فقد أقيمت ثلاث ندوات هامة، تناولت الندوة الأولى التي أقيمت في العام 2014 والتي تزامنت مع افتتاح ماجستير التأهيل والتخصص في التراث، تناولت موضوعات مختلفة حول «التراث الشعبي، هوية وطن وثقافة مجتمع» وكان ذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة.
وحملت الندوة الثانية عنوان «التراث الشعبي وتحديات المرحلة المقبلة» وقد نتج عنها توصيات وتم بناء عليها موافقة السيد وزير التربية بحاشيته تاريخ 2017 على إدخال العديد من المواضيع التي تتعلق بالثقافة والتراث الشعبي إلى المناهج في المراحل الدراسية كافة، كما تم تخصيص دروس للخط العربي لجميع الصفوف، والتطرق أيضا لبعض مواضيع التراث الشعبي عبر الفضائية التربوية.
أما الندوة السنوية الثالثة فقد أقيمت منذ أيام تحت عنوان «التراث الشعبي والحياة المعاصرة» والتي تضمنت محاور هامة منها «دور التراث الشعبي في تعزيز المصالحة الوطنية»، كما تم عرض الانتهاكات الإسرائيلية لآثار الجولان المحتل ومحاولات تشويه الإرث الحضاري العربي فيه، كما تم الحديث عن المضافات في التراث الشعبي، ودور الإعلام في الحفاظ على التراث، وقدم فؤاد عربش لمحة عن المهن التراثية بين الماضي والحاضر، كما تم الوقوف عند أهمية الحفاظ على التراث السوري بعد الحرب ودور المجتمع المحلي في الحفاظ على التراث.
وقد خرجت هذه الندوة بتوصيات هامة ، ورافقتها جلسات تراث موسيقي وغنائي، ومعرض للمهن اليدوية.
توصيات واقتراحات
كما أقامت جامعة دمشق وماجستير التراث الشعبي، ورشة عمل خرجت أيضا بمجموعة من التوصيات التي رفعت إلى رئاسة الجامعة ومنها: تضمين مناهج التعليم عناصر التراث الشعبي وتقوية مناهج الرسم والموسيقا والرياضة بوصفها الأطر الثقافية والتراثية للمسيرة العلمية في المدارس الابتدائية والإعدادية ورياض الأطفال.
ومن التوصيات أيضا تخصيص برامج للأطفال خاصة بتعريفهم بالتراث الشعبي، وتشجيع المعلمين وإدارة المدارس على تنظيم زيارات علمية للمتاحف والأماكن الأثرية في سورية لتعزيز الوعي التراثي لدى الطلبة، والعناية بالخط العربي والاهتمام به كفن من الفنون الأساسية.
هذا إلى جانب إعادة النظر في تصميم المدرسة «الابتدائية، الإعدادية، الثانوية»، وربط موضوع هذا التصميم والألوان بالتراث الشعبي، ويضاف إلى ذلك إنشاء المعهد العالي للتراث الشعبي، على أن تكون الدراسة فيه أربع سنوات، تشارك فيه الجهات المعنية بالتراث الشعبي كافة.
والمطلب المهم أيضا إنشاء درجة دكتوراه تأهيل وتخصص لخريجي ماجستير التأهيل والتخصص للتراث الشعبي، وإحداث مركز للدراسات التراثية في جامعة دمشق ومشاركة كلية العمارة في جامعة دمشق بالإشراف المشترك على رسائل الماجستير في برنامج التأهيل والتخصص في التراث الشعبي، والمشاركة في التحكيم.
بحوث ميدانية
وأضافت د. دكاك المشرفة على ماجستير التأهيل والتخصص في التراث الشعبي: لقد تم تقديم بحث علمي تراثي مصور بالتعاون بين برنامج ماجستير التأهيل والتخصص في التراث الشعبي وكلية هندسة العمارة بعنوان «صيدنايا ومعلولا، القيم التراثية المادية واللامادية» فقد وثق الطلاب صيدنايا ومعلولا «تراث وحضارة، تاريخ، الحالة السكانية، الحالة الاجتماعية للسكان، آثار الحرب الظالمة على سورية، تضرر الأديرة والمنازل والحياة الاجتماعية» حيث توصل البحث إلى مجموعة من المقترحات المهمة، وسينشر في كتاب قريبا بعد موافقة رئاسة الجامعة على نشره.
• هل يتبع هذا الماجستير إلى قسم محدد؟
•• بالطبع هو يتبع إلى قسم علم الاجتماع في كلية الآداب، جامعة دمشق، ويتم الاستعانة بخبراء وطنيين من داخل الجامعة وخارجها للقيام بتدريس الطلاب وتأهيلهم والإشراف على مشاريع التخرج، علما بأن العديد من خريجي ماجستير التراث الشعبي يتابعون دراستهم في التراث الشعبي في مصر وروسيا.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الأربعاء 3-4-2019
رقم العدد : 16947