محمد عمران شاعر الحكايات السرية

الملحق الثقافي..سلام الفاضل

«محمد عمران الشاعر الجوّال المغني، يشدو على ربابة الشعر حكايات سرية، فيستلب العقول بين تلاوين القصص والشعر والغناء… تتوالد من أزرقه الحزين صور الحب والطفولة، الله والإنسان. ومن أحمره الغاضب تتوالد صور النذر، والفولاذ، والقصدير، وعلى هذا البراق المشرب بالأزرق والأحمر يدعونا الشاعر كي نعرج معه إلى عالم الحب والسلام»، بهذه الكلمات رثى عبد الفتاح قلعة جي صديقه الراحل محمد عمران الشاعر الجميل الذي اكتسب أهميته من كونه أحد نجوم الحداثة الشعرية العربية.
و(محمد عمران) لمؤلفه منصور حرب هنيدي، هو عنوان الكتاب الشهري لليافعة الذي صدر مؤخراً ضمن سلسلة «أعلام ومبدعون» عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي تناول بين دفتيه الحديث عن حياة هذا الشاعر الكبير، انطلاقاً من قريته الملاجة وصولاً إلى يوم وفاته، وتلمس جمال تجربته الشعرية عبر عرض بعض من نتاجاتها.

المولد والنشأة
ولد محمد عمران عام 1934 في قرية الملاجة على الساحل السوري، تلقى تعليمه الابتدائي في مدارس هذه القرية، لينتقل بعدها إلى مدينة طرطوس طالباً في مدارسها الثانوية، ثم يغادرها بعد نيله الشهادة الثانوية إلى مدينة دمشق حيث تابع دراسته في جامعتها، وبرز دوره حينها في الحركة الطلابية التي كان لها في تلك الفترة تأثير كبير وفعالية واضحة على الصعيدين السياسي والثقافي، كما برز أيضاً كشاعر يكتب القصيدة اليافعة التي تحاول التخلص من ربقة القصيدة العربية الكهلة.
بعد تخرجه في الجامعة، حصل على دبلوم التأهيل التربوي، ثم غادر دمشق ليبدأ حياته العملية في التدريس كأستاذ لمادة اللغة العربية في مدارس بعض المحافظات السورية. بعد عودته إلى دمشق، واستقراره فيها بدأت رحلته الأدبية الفعلية، حيث بدأ في العمل الصحفي متبوئاً رئاسة تحرير عدد من أهم المجلات السورية بدءاً من مجلة المعلم العربي مروراً بملحق الثورة الثقافي، ومجلة المعرفة التي تصدرها وزارة الثقافة، وصولاً إلى مجلة الموقف الأدبي التي يصدرها اتحاد الكتّاب العرب. إضافة إلى تسلمه مناصب أدبية مهمة منها رئاسة القسم الثقافي في جريدة الثورة، وعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب لثلاث دورات متتالية.

صورة الواقع ومرايا التجربة
فتح محمد عمران بوابة الحداثة الشعرية على مصراعيها، ودلف إلى هذا العالم الجميل منذ تفتح وعيه، مؤمناً أن الشعر لا يستوي على عرشه إلا إذا اغتسل بماء التجربة الإنسانية، وبهذه الذهنية نشر عمران أولى قصائده الحديثة في مجلة الآداب البيروتية عام 1956، بعد نشره عدداً من القصائد الكلاسيكية في مجلة النقّاد لتبدأ رحلته مع الشعر.
وفي عام 1967 أصدر مجموعته الشعرية الأولى التي لاقت ترحيباً كبيراً بين الأدباء والمثقفين وكانت بعنوان (أغاني على جدار جليدي)، وقد تميزت هذه المجموعة بروح التمرد، ورفض الظلم الاجتماعي، والتوق إلى التخلص من القيود، والأمل بغد أفضل. ولكن نكسة حزيران عام 1967 ألقت بظلال الخيبة والانكسار على الشارع الثقافي عموماً، وانعكست مرارة الهزيمة في مرايا تجربة محمد عمران الشعرية، فعلى مدى ست سنوات أصدر عمران ثلاث مجموعات شعرية هي على التوالي: (الجوع والضيف) عام 1969، و(الدخول في شعب بوان) عام 1972، و(مرفأ الذاكرة الجديدة) عام 1973؛ حيث تراجعت لديه النزعة التمردية، وتلاشى الأمل عنده في هده المجموعات أو يكاد.
ومع الانتصار الذي تم في حرب تشرين التحريرية عام 1973 والذي شكل نقطة تحول على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني، نفض الشاعر غبار الهزيمة عن منكبي الشعر، وأصدر عام 1978 مجموعته الشعرية الخامسة (أنا الذي رأيت)، ليعود في مجموعتيه الصادرتين عام 1981 (الملاجة)، و(قصيدة الطين) إلى طقس نفسي وفني يمجد الحب، ويرى فيه المنقذ من كل هذا الخراب الذي يستعمر الذات.
والمتتبع لمجموعات محمد عمران الشعرية يلاحظ أن موضوع الموت بات حاضراً بقوة في كثير من قصائد المرحلة الأخيرة من مراحل تجربة هذا الشاعر الشعرية، ولا سيما في مجموعات (نشيد البنفسج) الصادرة عام 1992، و(كتاب المائدة) الصادرة عام 1995، و(مديح من أهوى) التي صدرت عام 1998 بعد وفاة الشاعر بعامين.

المرايا النقدية
كانت تجربة محمد عمران الشعرية موضع اهتمام كثير من النقاد والباحثين والدارسين الذين وجدوا فيها من الخصوبة ما يغني أبحاثهم، فرصدوا من خلال تلك الأبحاث تطور تجربة عمران الشعرية على مدى أربعة عقود، وتحولها من الواقعية إلى الواقعية الرومانسية إلى الحداثة الشعرية، كما تحدثوا عن النزعة الصوفية في شعره، وتناول بنية القصيدة لديه، واستخدامه تقانات «التماثل، والتكرار، والتوازي، والتوالد»، إضافة إلى دراسة التناص في قصائده. ومن هذه الدراسات دراسة للدكتور خليل موسى صدرت عام 2003 بعنوان (عالم محمد عمران الشعري)، وكتاب (أبو الطيب المتنبي في الشعر العربي المعاصر) الصادر عام 1999، والذي أفرد فيه مؤلفه الدكتور ثائر زين الدين دراسة بعنوان (محمد عمران والمتنبي) تحدث فيها عن جماليات التناص ومدلولاته في مجموعة محمد عمران (الدخول في شعب بوان).
توفي محمد عمران في 22 تشرين الأول من عام 1996، فشكّل رحيله خسارة كبيرة للأوساط الثقافية والأدبية في سورية والوطن العربي، فما تركه من إرث شعري جعله يتبوأ مكانة رفيعة في حركة الحداثة الشعرية.

 التاريخ: الثلاثاء16-4-2019

رقم العدد : 16946

آخر الأخبار
باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول الخصخصة إلى أين؟ محلل اقتصادي لـ"الثورة": مرتبطة بشكل الاقتصاد القادم المخرج نبيل المالح يُخربش بأعماله على جدران الحياة "الابن السيئ" فيلم وثائقي جسّد حكاية وطن استبيح لعقود دورة النصر السلوية.. ناشئو الأهلي أولاً والناشئات للنهائي كرة اليد بين أخطاء الماضي والانطلاقة المستقبلية سلتنا تحافظ على تصنيفها دولياً الأخضر السعودي يخسر كأس آسيا للشباب دوبلانتيس يُحطّم رقمه القياس رعاية طبية وعمليات جراحية مجاناً.. "الصحة" تطلق حملة "أم الشهيد" ليست للفقراء فقط.. "البالة" أسعار تناسب الجميع وبسطاتها تفترش أرصفة طرطوس ماوراء خفايا الأرقام والفساد في اقتصاد الأسد المخلوع؟ بعد ترميمه.. إعادة افتتاح الجامع الكبير في اعزاز بريف حلب الشمالي من شجرة الرمان كانت البداية.. ريم درويش استثمرت أوقات فراغها بمشروع مثمر حالة ضعيفة من عدم الاستقرار الجوي مع ارتفاع في درجات الحرارة غداً إدارة إلكترونية وربط مباشر بالمصارف.. ما سر "الحكومة الرقمية المصغرة"؟ برامج عمل مشتركة مع "أكساد" لتطوير وتنمية الثروة الحيواني