«عندما يحاول أحدهم إقناعي بأنه على الرغم من كل المشكلات هناك ضوء في نهاية النفق يصبح ردي الفوري هو نعم، ضوء قطار آخر قادم ليدهسنا»..
ويصف الفيلسوف سلافوي جيجيك كلامه السابق بكونه استنتاجاً متشائماً..
هل يقارب بذلك ردّاً لامبالياً.. يأتي على سبيل كونه جواباً مغرقاً بموضوعيته..؟
أيكون متشائماً، أم موضوعياً، أم لعله ببساطة لامبالٍ..؟!
تتزاحم التوصيفات السابقة، تمتزج وتختلط لكنها مع جيجيك، يصعب أن تتناغم وصفة «اللامبالاة».. فكيف يمكن أن نسم فيلسوفاً بكل اشتغالاته واهتمامه بموضوعات ومشكلات الإنسان المعاصر بـ(اللامبالاة)..؟!
تنحصر الحالة بمدى اشتمال اللامبالاة على شيء من التشاؤم والإحساس بالعجز وعدم القدرة على تغيير الظرف المحيط.. حينها تسهل مواجهة أي أمر بردّة فعل لامبالية.
إذاً هل هي موقف..؟
بالنسبة لمحمود درويش هي فلسفة و»صفة من صفات الأمل».. وهو ما يدحض كل السمات السلبية التي ترافق مواقفنا اللامبالية وتعكسها لمقابلاتها الإيجابية، كما لو أنها تأتي على هيئة حماية لذواتنا، أو لغاية عدم تضخيم الحاصل، والتقليل من شأنه قدر المستطاع.
وبالنسبة للكاتب الأمريكي مارك مانسون هي فنّ..
اللامبالاة فن، وجب علينا معرفة كيفية استخدامه.
من الأفكار اللطيفة التي يتحدث عنها مانسون في كتابه «فن اللامبالاة: لعيش حياة تخالف المألوف»، التذكير بأننا عاجزون عن التحكّم فيما يحدث لنا، ولكننا مع ذلك نحن في حالة خيار دائمة، نستطيع اختيار رد الفعل المناسب للحدث السابق له.
من إيجابيات «اللامبالاة» يذكر مانسون: (لاحظ كيف أن الشخص الذي يكون الأقل استثمارًا في نجاح شيء ما هو من ينتهي به الأمر إلى تحقيقه في آخر المطاف! ولاحظ كيف أن كل شيء يبدو وكأنه يتخذ موقعه الصحيح من تلقاء نفسه عندما تكف عن الإفراط في الاهتمام به!)..
مجرد وجهة نظر، من الممكن أن تصيب حيناً، وتخطئ في حينٍ آخر.. لكنها لا تجعل من «عدم المبالغة في الاهتمام مفعولاً عكسياً».
هل ترتبط اللامبالاة بمدى عدم قدرتنا على تحقيق أشيائنا السعيدة..؟
وبالتالي من فرط عدم تحصيلها نصبح لامبالين..
ذكر طاغور مرة: «إنّ أبلغ درس يتعلمه الإنسان من الحياة هو أنه ليس هناك ألم لايستطيع المرء أن يتخلص منه بعد فترة معقولة من الزمن، أو أن يصادقه ويتعايش معه أو يحيله إلى أنس وسعادة».. وفق وصفته هذا تصبح اللامبالاة وسيلة للعب مع الحياة ومهادنتها.. لتغدو مع الوقت تقنية وربما سلاحاً نستخدمه في وجه ما يصعب علينا مجاراته.
وفيما لو كانت اللامبالاة نتيجة مرتقبة وحتمية لعدم تحصيل السعادة، يرى البعض أنها، أي السعادة، «ليست شيئًا في ذاتها وإنما عرضٌ جانبي».. وهو ما يؤكده قول جيجيك: (إن كانت السعادة هي هدفك الأخير فأنت ضائع، لأنها يجب أن تأتي نتيجة ثانوية لجهدك المبذول في قضية معينة)..
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الاثنين 29-4-2019
رقم العدد : 16966
