يبدو أن لعنة الحرب وشبحها لن تملأ من مطاردتنا في تفاصيل حياتنا، وربما في أحلامنا ويقظتنا، ولن يسدل ستارها إلا بعد حين من الزمن عندما تنتصر الحياة على كل مقومات الموت وبشاعته، وهذا بالطبع ربما يحتاج منا أن نعيد ترتيب حياتنا وإعادة صياغتها من جديد بعيدا عن الصراعات الداخلية وما نعانيه من تبعات الحرب البشعة التي حطت رحالها في بلادنا ولم تغادرها إلا بعد أن شوهت الجمال فيها، ولكن قوة خفية تولد داخل نفوسنا لتحييها من جديد.
وجع الذاكرة
وفي مسرحيته» الطين الأحمر» يحكي لنا محمد سمير الطحان مؤلف ومخرج المسرحية قصة فنانة تشكيلية» متخصصة في مجال النحت، تأثرت بما حدث في سورية من جراء الحرب، وعاشت تلك الصراعات الداخلية والخارجية، فقد خسرت صديقها وحبيبها الذي اختار أن يسافر بحثا عن فرصة عمل في بلاد الاغتراب غير آبه لمشاعرها، كما فقدت صديقتها التي قتلت برصاص الغدر، وعاشت على أطلال الذكريات والآلام التي لازمتها حتى كادت تشل حركتها عن العمل فنراها عاجزة عن إعادة الحياة إلى أصابعها التي لطالما صاغت من الطين أشكالا لاتزال تشهد على إبداعها.
وهي بعد ذلك تعيش حالة من الحزن لأن العائلة اختارت لها زوج المستقبل «ابن العم» الذي سيحقق لها الاستقرار حسب مفهومهم العائلي، ولكن في ظل هذه الصراعات جميعها يظهر بريق السعادة عندما يهاتفها صديقها المقرب في الجامعة والتي كانت تعتقد أنه يعشق زميلتها»سوسن» التي استشهدت برصاص طائش، ليخبرها بأنه يحبها ويتحدى العالم لأجل سعادتها، وأن القادمات من الأيام ستحمل لهما السعادة وتبارك حبهما الصادق.
العرض المسرحي» الطين الأحمر» من تأليف وإخراج محمد سمير الطحان وتمثيل الفنانة لبابة صقر يعرض على خشبة مسرح القباني بدمشق برعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا ضمن فعاليات مهرجان دمشق الثقافي» مشروع مسرح الشباب» هو عرض مونودراما تضمن تقنية الشاشة في عرض لمادة فيلمية جاءت بحلول بصرية تحاكي المعاصرة وتخدم حالة التجريب التي ينتمي لها العرض، وتكسر جمود ورتابة إيقاع دراما الفاعل الواحد خلال ساعة من الزمن غنية بتفاصيلها وأحداثها التي ربما هي جزء من ذاكرتنا القريبة جدا.
مونودراما
ويوضح مؤلف ومخرج العمل طحان أنه حاول من خلال قصة شخصية فتاة تقديم اسقاطات على المجتمع وطرح إشكالات قديمة زادت رواسبها مع سنوات الحرب الإرهابية والتي يحتاج المجتمع لتجاوزها في المرحلة القادمة من خلال إعادة تشكيل الذات والأفكار كما يشكل النحات من الطين منحوتات تحمل الجمال والصدق والعفوية.
وأضاف الطحان: أن العرض الذي تضمن تقنية الشاشة جاء بحلول بصرية تحاكي المعاصرة عبر عدة توظيفات لها بما يخدم حالة التجريب التي ينتمي لها العرض، وهو محاولة للغوص في عالم الأنثى وتفكيك شيفرات تكوينها وإلقاء الضوء على ماألم بها من انكسارات خلال سنوات الحرب الثماني التي عشناها في سورية من خلال قصة تلك النحاتة الشابة التي قررت العودة للعمل الإبداعي بعد طول انقطاع متجاوزة الكثير من من الارتكاسات في روحها ونفسها مع كثير من البوح الوجداني الذي تعيد من خلاله حساباتها تجاه الحياة والناس.
كما يحمل العرض العديد من الإسقاطات على الحالة العامة التي وصل إليها المجتمع والناس جراء ماخلفته الحرب من ركام في النفوس وفي العلاقات الاجتماعية، وفي الوقت نفسه يطرح العرض عدة أسئلة تحتاج لإجابات لنعيد حساباتنا جميعها لتكون البداية أكثر موضوعية وجدوى.
والعمل ينتمي إلى المونودراما من خلال تواجد ممثلة واحدة على الخشبة طيلة فترة العرض، إلى جانب المادة الفيلمية المرافقة لها على مساحة كبيرة من زمن العرض وتلعب دورا مهما في مجريات أحداثه وفي إغناء المشهدية البصرية له مما يقدم فرجة مسرحية تنتمي لنمط المسرح التجريبي.
تجربة جديدة
بدورها الممثلة لبابة صقر أشارت إلى أن مشاركتها في الطين الأحمر هو تحد لها وتجربة جديدة بالنسبة لإمكاناتها محاولة تقديم أداء مختلف وجديد من خلال الشخصية الغنية بتلوناتها وتعدد أمزجتها ومناخاتها النفسية، ما تطلب منها الكثير من الجهد والطاقة.
تميز العمل بكادره الفني الشاب المليء بالطاقة والحماس والأفكار الإبداعية الجديدة ومنهم»آنا عكاش في إشراف الدراماتورج, وضيوف العرض فادي شاعر، زين خولي، مادونا حنا،غيث مرزوقي في تصميم السينوغرافيا، وريم الماغوط في تصميم الأزياء، أما التنفيذ الفني للديكور فهو ليزن قرموشة، وقامت لمى القرا في تنفيذ الأعمال النحتية، أما الموسيقا فمن تأليف خالد بهنسي بما يمتلكه من خصوصية وتميز في هذا المجال، ومصمم الإضاءة بسام حميدي، والمكياج منور عقاد.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الاثنين 29-4-2019
رقم العدد : 16966
