بين الاستثمار والجيوبوليتيك: مستقبل سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية

الثورة – راغب العطيه:

حقق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في أيار/مايو الماضي، مفاجأتين للسوريين في آن واحد؛ الأولى قراره رفع العقوبات التي تفرضها بلاده على سوريا، والثانية اجتماعه بالرئيس أحمد الشرع بحضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.

وهذا ما شكل بداية تحول سياسي أميركي مهم جداً تجاه سوريا الجديدة الساعية للخروج من العزلة الدولية، والتي تعمل بكل طاقتها من أجل رفع العقوبات الغربية والدولية أولًا، ومن ثم متابعة مسيرها لحشد الدعم الدولي لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.

وتُوج هذا التحول الاستراتيجي بالنجاح الذي حققته زيارة الرئيس الشرع التاريخية إلى واشنطن، في التاسع من هذا الشهر، ولقائه بالرئيس ترامب في البيت الأبيض.

ويعكس قرار رفع العقوبات الذي أعلنه ترامب، محاولة أميركية لإعادة تموضع واشنطن في المشهد السوري، ويمكن فهمه كجزء من مسعى أميركي لإعادة هندسة التوازنات في منطقتنا، استناداً إلى تحالفات وشروط جديدة تُعيد توزيع الأدوار والنفوذ، وترسم ملامح المرحلة الجديدة في سوريا والمنطقة.

منعطف حاد في علاقات سوريا الدولية

وحسب تعليقات العديد من الخبراء حينها، يُعد اجتماع الرئيسين الشرع وترامب بحضور ابن سلمان في الرياض، منعطفاً حاداً في علاقات سوريا الدولية، التي تحاول أن تتكيف مع وضعها الجديد بعد سقوط نظام الأسد، الذي دام أكثر من نصف قرن من الأب إلى الابن.

وقال الدبلوماسي الأميركي السابق في عهدي الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما، السوري الأصل وائل الزيات، في تصريحات لوسائل إعلام سعودية تعليقاً على قرار ترامب من السعودية برفع العقوبات عن سوريا: “عند الاطلاع على السياسة الأميركية، فهي عادة ما تتحرك بطريقة بطيئة للغاية، إلا أنه عندما يتخذ ترامب قرارًا، تسير السياسة والحكومة والبيروقراطية على وتيرته”.

وأضاف أن هناك “مفاجأة أخرى حصلت وهي اجتماع ترامب مع الشرع”، واصفاً ذلك بأنه “حركة تاريخية من ناحية التفكير بأن ترامب يعيش في فقاعة تمكنه من التصرف بطريقة مختلفة عن الجمهوريين أو الديمقراطيين”.

ورأى رئيس مجلس إدارة مؤسسة “إمغايج”، أن هناك “فرصة كبيرة للاستثمار في بلد يحتاج إلى إعادة بناء وإعمار”، ولكنه اعتبر أن “الفرصة الجيوبوليتيكية هي الأهم”، نظراً إلى الجهود التي بذلها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اللذان “أقنعا ترامب بالحركة بهذه الطريقة”، بحسب وصف الزيات.

تعود العقوبات إلى عام 1979

وتخضع سوريا منذ عقود طويلة لعقوبات متعددة الأطراف، فرضتها جهات دولية وأممية وأحادية، ضمن سياقات مختلفة، تراوحت بين التصنيف السياسي والتهم بدعم الإرهاب وجرائم الحرب.

وبدأت أولى هذه العقوبات عام 1979، حين أُدرجت سوريا على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وهو ما ترتب عليه فرض قيود مشددة على بيع الأسلحة والمعونات والتعاملات المالية.

وفي عام 2004، وُسّعت العقوبات لتشمل مجالات اقتصادية وتقنية وغيرها، وجرى تقليص التبادل التجاري، ومُنع تصدير عدد من التقنيات الحيوية إلى سوريا.

ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011، تصاعدت حدة العقوبات الأميركية والغربية، لتشمل تجميد أصول الحكومة السورية، وحظر الاستثمارات، ووقف استيراد النفط السوري، إلى جانب فرض قيود على المصارف وقطاعات الطيران والطاقة والدفاع وغيرها.

أما على الصعيد الاقتصادي، فيُعد رفع العقوبات شرطاً أساسياً لتحفيز التعافي، لكنه لا يشكل حلاً شاملاً بحد ذاته.

فالتحديات التي تواجه سوريا تتجاوز آثار الحصار والعقوبات، إلى مشكلات بنيوية تراكمت على مدى أكثر من عقد، تشمل انهيار البنية التحتية، وارتفاع مستويات البطالة والفقر، وتآكل الخدمات العامة.

وبالتالي، فإن الانتقال إلى مرحلة الإعمار والتنمية يتطلب تعبئة موارد ضخمة، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد، وخلق بيئة سياسية ومؤسساتية جاذبة للاستثمار.

نتائج متوقعة على المدى المتوسط

ويتوقع أن تكون نتائج رفع العقوبات على المدى المتوسط، البداية بتدفق الاستثمارات إلى سوريا، سواء أكانت هذه الاستثمارات لصالح السوريين المقيمين في الخارج أم شخصيات ومؤسسات عربية أم أجنبية.

وهذا يعني بداية أنشطة تجارية واقتصادية ستنعكس بشكل إيجابي على البلاد، وهي خُطوة متوقَّع أن تحصل، فهناك عدد كبير من السوريين مهتمون بتحويل أموالهم إلى سوريا وبدء أنشطة تجارية أو صناعية أو حتى زراعية آمنة، وكذلك يوجد اهتمام من قِبل بعض المستثمرين الأجانب.كما يمكن أن تبادر بعض المؤسسات الدولية وكذلك الحكومات لتقديم منح مالية للحكومة السورية أو قروض تمكنها من تسيير شؤونها وإقامة برامج تنموية، وهذا أيضاً في إطار الممكن والمتوقع.

كما يُتوقع أن تنشط الصادرات والواردات السورية، وبالتالي يصبح البلد قادراً على استيراد المواد من مختلف الأنواع، وخاصة ما يتعلق بالتكنولوجيا من معدات وبرمجيات وتجهيزات كمبيوتر وماكينات ومعدات.

وهذا سيفيد في دعم الاستثمار، إضافة إلى الانفتاح على العالم الخارجي، جواً وبراً وبحراً من خلال المنافذ الحدودية والمطارات والموانئ.

التقاء مصالح السعودية وتركيا في سوريا

وللأهمية البالغة للدور السعودي والتركي في موضوع رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، جدد الرئيس ترامب أمس، الثلاثاء، في مؤتمر صحفي عقب لقائه ولي العهد السعودي في البيت الأبيض، تأكيده بأن لقاءه بالرئيس الشرع في البيت الأبيض مؤخراً كان بناءً، وأن الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طلبا منه رفع العقوبات عن سوريا ومنحها فرصة للبناء، بحسب ما نقلته “سي إن إن”.

وقد أعطت التطورات الإيجابية في العلاقات بين الرياض وأنقرة، خلال السنوات الأربع الأخيرة، زخماً خاصاً فيما يخص الشأن السوري، وذلك بعد التقاء مصالح السعودية وتركيا في سوريا من جديد، بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.

ودلت العديد من الإشارات على أنهما الأكثر اهتماماً، والأكثر تأثيراً أيضاً في المشهد السوري، خلال المرحلة التي تمر بها البلاد.

وهذا ما تدل عليه العديد من المؤشرات؛ إذ كان مسؤولو البلدين من أوائل المسؤولين الأجانب الذين زاروا العاصمة السورية دمشق، بعد سقوط النظام المخلوع.

كما كانت أول زيارة دولية للإدارة السورية الجديدة، في الأول من كانون الثاني/يناير 2025، للرياض، عندما زار وزير الخارجية، أسعد الشيباني، المملكة العربية السعودية، مع وفدٍ ضم وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات السورية، الذين التقوا بنظرائهم السعوديين هناك.

والوفد نفسه، وفي الأسبوع ذاته، قام بزيارة أنقرة، في ثاني زيارة رسمية خارج البلاد، الأمر الذي يُشير إلى دور أنقرة والرياض البارز في التفاعلات السورية الراهنة، وفي الوقت نفسه يحمل في طياته دلالات عميقة على حقيقة المشهد الإقليمي قيد التشكُل، والذي يمكن أن تلعب فيه الرياض وأنقرة دورًا بارزًا في مرحلة شديدة التعقيد والحساسية تمر بها منطقة الشرق الأوسط.

ولدى البلدين أولوية يجتمعان عليها وهي تحقيق الاستقرار الداخلي في سوريا، ومصلحة في أن تمتلك سوريا إرادتها، وألا تكون أسيرة إملاءات أي قوى خارجية، وأن تكون لكل السوريين، وأن تُسيطر الدولة على كامل أراضيها، وتحتكر وحدها حق امتلاك السلاح واستخدام القوة. بالإضافة إلى ذلك، يدعم الجانبان السعودي والتركي عملية إعادة البناء، وهما معًا يمتلكان القدرة على رسم مسار المستقبل الخاص بسوريا إلى حدٍ بعيد.

تأثير الجيوبوليتيك على مستقبل سوريا

السعودية وتركيا لديهما اكتفاء ذاتي، ولا تحركهما مطامع جيوسياسية، بل يُقيّمان العلاقات على أساس المنافع والمكاسب المتبادلة.

كما أن لديهما الإمكانيات لسد جوانب القصور معًا من أجل دفع عملية إعادة الإعمار قُدمًا. فتركيا، بحكم حدودها المشتركة مع دمشق، يمكنها أن تقدم المساعدات والخطط اللازمة للنهوض السوري من جديد، ولديها خبرة وتجربة في إدلب، كما أن لديها الكفاءات والصناعات المتطورة، التي يمكن أن تعزز مشروع البناء في سوريا.

وتمتلك السعودية من جهتها الموارد والقدرة على حشد القوى الدولية الحليفة لمساعدة سوريا، أو الحد من تأثيراتها السلبية في سوريا.

كما تمتلك القدرة على التأثير من أجل رفع العقوبات عن سوريا، لتسهيل عملية إعادة الإعمار، إذ إن إعادة بناء ما دمرته الحرب أكبر من قدرة أي قوة وحدها على النهوض به.

كما كان لقطر والإمارات والأردن مساهمات كبيرة ودور داعم للتوجه الأميركي، من خلال اتصالات إقليمية مكثفة.وعن تأثير الجيوبوليتيك في مسار رفع العقوبات ومستقبل نهوض سوريا، قال الباحث السياسي الدكتور زكريا ملاحفجي في تصريحات لـ”الثورة”: “تتمتع سوريا بموقع جغرافي مهم وموارد ومناخ جاذب للاستثمارات وللشركات التي لديها رغبة بالعمل في سوريا لإعادة البناء وإعادة الإعمار.

فموقعها على شرق المتوسط، ولديها محطات بحرية تمنح سوريا منفذًا بحريًا على خطوط التجارة شرقًا وغربًا، وبوابة لشبكات أمن بحرية لوجستية، وهذا يجعل الاستثمار في الموانئ وتطوير سلاسل لوجستية واستزراع ساحلي ذا عائد واضح للمستثمرين الإقليميين والدوليين، وكذلك خط ترانزيت دولي عبر سوريا”، مشيرًا إلى موارد الطاقة والزراعة المتجددة والإمكانات الزراعية الأخرى التي يوفرها المناخ المعتدل.

وأشار ملاحفجي إلى الموارد التي تمتلكها سوريا، حيث لديها احتياطيات نفطية وغازية محدودة لكنها مهمة في المنطقة، فهي منتجة للطاقة وممر عبور للطاقة أيضًا، إضافة إلى أراضٍ زراعية خصبة في السهل الساحلي وسهول الفرات.

فاستعادة السقي، وترميم السدود، واستثمارات في الطاقة الشمسية والرياح هي جذور جذب استثمارات قائمة على الموارد والمناخ. مؤكدًا أن الموقع الجغرافي والموانئ وموارد الأرض والمناخ تجعل من سوريا فرصة استثمارية كبرى لكل القطاعات، وخاصة في البنية التحتية كالموانئ، والطرق والكهرباء والإسكان والزراعة والتحويل الصناعي، والطاقات المتجددة.

وبحسب الباحث السياسي، يمكن لرفع العقوبات، سواء أكان تخفيفًا أم تعليقًا للأحكام أو رفعًا نهائيًا، وخاصة “قانون قيصر”، وهو ما يأمله السوريون، أن يفتح فورًا قنوات مالية وتجارية، تسمح ببدء مشاريع إنسانية وبنية تحتية صغيرة ومتوسطة ويجذب مستثمرين إقليميين، ويمكن أن تكون بوابة لبدء إعادة الإعمار الاقتصادي وإعادة الربط المالي.

وعن دور السعودية وتركيا في هندسة الانفتاح الأميركي على سوريا، أكد ملاحفجي أن المملكة العربية السعودية لاعب دولي وإقليمي قوي، وميسر اقتصادي وسياسي.

حيث لعبت الرياض دورًا فاعلًا في تشجيع تسهيلات اقتصادية وإقناع دول الخليج (وأحيانًا مؤسسات دولية) بالانخراط الاقتصادي مع سوريا، وقدمت تسهيلات مالية من سداد ديون وفتح قنوات بنكية، وذلك لدعم المؤسسات المالية السورية، لتسريع إعادة إدماج سوريا بالنظام الدولي.

وتماشيًا مع النهج الجديد لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ فقد سلك مجلس الشيوخ الأميركي مسارًا تشريعيًا لإلغاء “قانون قيصر” بشكل نهائي، من خلال إدراج بند إلغائه ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) الخاص بالعام المالي 2026.

وقد صوّت مجلس الشيوخ على هذا القانون، في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2025؛ حيث وافق عليه 77 مقابل 20 عضوًا.

وتسود حالة من التفاؤل بقرب رفع العقوبات عن سوريا بعد تمرير مجلس الشيوخ بأغلبية كبيرة لمشروع إلغاء القانون، حيث أعطت هذه الخطوة مؤشرًا على وجود تأييد للخطوة في أوساط الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن مجلس النواب هو الآخر سيوافق على الإلغاء، إلا في حال حصول تطورات كبيرة ومفاجئة في الملف السوري.

وأكد النائب الجمهوري، جو ويلسون، الذي قدم مقترح التعديل لإلحاقه بقانون ميزانية الدفاع، أن “نجاح سوريا يعتمد الآن على الإلغاء الكامل والشامل لهذا القانون”.

من جهتها، اعتبرت كبيرة النواب الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية ضمن مجلس الشيوخ، جين شاهين، أن إقرار المجلس لمشروع إلغاء “قانون قيصر” يُعد إنجازًا تاريخيًا في العلاقات بين دمشق وواشنطن، وخطوة ضخمة نحو تحقيق الاستقرار، وطالبت مجلس النواب بإقرار التشريع. إلى ذلك، أعرب المجلس السوري الأميركي عن ارتياحه لإقرار مجلس الشيوخ مادة إلغاء “قانون قيصر” ضمن ميزانية الدفاع لعام 2026 دون إضافة أي شروط.

آخر الأخبار
لبنانيون يشاركون في حملة " فجر القصير"  بحمص  ابتكارات طلابية تحاكي سوق العمل في معرض تقاني دمشق  الخارجية تدين زيارة نتنياهو للجنوب السوري وتعتبرها انتهاكاً للسيادة  مندوب سوريا من مجلس الأمن: إسرائيل تؤجج الأوضاع وتضرب السلم الأهلي  الرئيس الشرع يضع تحديات القطاع المصرفي على الطاولة نوح يلماز يتولى منصب سفير تركيا في دمشق لأول مرة منذ 13 عاماً  الجيش السوري.. تحديات التأسيس ومآلات الاندماج في المشهد العسكري بين الاستثمار والجيوبوليتيك: مستقبل سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية الأولمبي بعد معسكر الأردن يتطلع لآسيا بثقة جنوب سوريا.. هل تتحول الدوريات الروسية إلى ضمانة أمنية؟ "ميتا" ساحة معركة رقمية استغلها "داعش" في حملة ممنهجة ضد سوريا 600 رأس غنم لدعم مربي الماشية في عندان وحيان بريف حلب من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟ مصفاة حمص إلى الفرقلس خلال 3 سنوات... مشروع بطاقة 150 ألف برميل يومياً غياب الخدمات والدعم يواجهان العائدين إلى القصير في حمص تأهيل شامل يعيد الحياة لسوق السمك في اللاذقية دمشق.. تحت ضوء الإشارة البانورامية الجديدة منحة النفط السعودية تشغل مصفاة بانياس لأكثر من شهر مذكرة تفاهم مع شركتين أميركيتين.. ملامح تحول في إنتاج الغاز انطلاقة جديدة لقطاع الطاقة.. شراكات عالمية قد تفتح الباب لزيادة قياسية في الإنتاج