الثورة – أسماء الفريح:
أثار تداول منصات إعلامية وسياسية خلال الساعات الماضية خبرا يتعلق بمقترح روسي لتفعيل دوريات مشتركة في جنوب سوريا، بهدف ضبط الحدود ومنع التوترات الأمنية، في ظل الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للسيادة السورية، جدلا واسعا ما بين مؤيدين ومعارضين.
هذا ما أظهره تقرير رصد رقمي وتحليل جماهيري حول المقترح المذكور، على عينة شملت 980 تعليقا وتفاعلا رقميا عبر 12 منصة رئيسية خلال عشر ساعات من التداول الأولي للخبر، حيث رأى فيه البعض خطوة نحو تعزيز الاستقرار عبر تفاهمات دولية، بينما اعتبره آخرون تكريسا للنفوذ الروسي وعبروا عن مخاوفهم من أن يمس ذلك السيادة الوطنية، في الوقت الذي ركز فيه آخرون على المخاوف الحقوقية.
إن توضيح الأمور وتهدئة المخاوف حول ما سبق، وتحويل هذه اللحظة إلى فرصة، يستدعي إصدار بيان رسمي يوازن بين الضرورات الأمنية واحترام السيادة والحقوق، ولا سيما أن تداول الخبر المذكور تزامن مع تقارير عن اجتماعات روسية-إسرائيلية غير معلنة، ما زاد من حساسية الملف وربط الجمهور بين الدوريات المقترحة والتوازنات الإقليمية.
وبالعودة إلى تقرير الرصد الرقمي، فقد أظهر أن نسبة 36 بالمئة من الذين شملتهم العينة هم من المؤيدين للمقترح، حيث يرون أن الدوريات الروسية قد تقلل من التوترات وتمنع تهريب السلاح، ما يعني أن هؤلاء يعتبرون أن الدوريات الروسية المشتركة قد تساعد الدولة في ضبط الحدود جنوبا وتمنع التوترات، فيما ربطت بعض التعليقات المقترح بمحاولات موسكو دعم مؤسسات الدولة في مواجهة التهديدات الأمنية.
الترتيبات الأمنية وكيفية نجاحها
منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، لم تتوقف وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، حيث استغلت إسرائيل انشغال القوات التي حررت البلاد من حكم النظام المخلوع، وعملت على توسيع اعتداءاتها وواصلت احتلال المزيد من الأراضي، وألغت التزامها من جانب واحد باتفاقية فض الاشتباك التي تم توقيعها مع سوريا عام 1974.
وأكد الرئيس، أحمد الشرع، في تصريحات على هامش مشاركته بالقمة العربية الطارئة في القاهرة في آذار/مارس الماضي، أن الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا “استغلال” لمرحلة سقوط نظام الأسد، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال تقدمت تحت ذرائع أمنية، لكن النوايا التوسعية ظاهرة في هذا الأمر.
كما شدد الرئيس الشرع على ذلك في حديثه لصحيفة “واشنطن بوست” في وقت سابق من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وقال: “لطالما ادعت إسرائيل أن لديها مخاوف بشأن سوريا لأنها تخشى التهديدات التي تُمثلها الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.. ونحن من طردنا تلك القوات من سوريا”.
ويتواصل التصعيد الإسرائيلي في جنوب سوريا، رغم الانفتاح العربي والإقليمي والدولي الواسع على الإدارة السورية الجديدة، ورغم التأكيدات السورية بأنها لا تريد حربا مع أي دولة ولا تشكل تهديدا لأحد.
وبناءً على ذلك، فإن نجاح أي ترتيبات أمنية مستقبلية لكبح جماح السياسة العدوانية الإسرائيلية، سواء أكانت بدوريات مشتركة مع روسيا أم تركيا أم غيرها، يتوقف على ضمان حقوق السكان المحليين وطمأنتهم بأن هذه الدوريات لن تعمل على تقييد تحركاتهم أو التضييق عليهم وتمنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية أو مصادر أرزاقهم، إضافة إلى توضيح آليات عمل الدوريات وبأن غرضها الأساسي هو صد التحركات الإسرائيلية وضبط الحدود ومنع التصعيد.
الانتهاكات الإسرائيلية لجنوب سوريا
أثار بزوغ فجر جديد في سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2024، حفيظة إسرائيل، التي صرح مسؤولوها بشكل واضح ومرارا بأن “سقوط الأسد لم يكن في صالح تل أبيب”، واستغلت الوضع في مسعى لترسيخ وجودها في جنوب سوريا.
وبعزفها على وتر المخاوف الأمنية وحماية الأقليات وإثارتها النعرات الطائفية والتفرقة لخلق الانقسامات والفوضى وتحقيق مشروعها التوسعي في المنطقة ككل، تواصل القوات الإسرائيلية منذ سقوط نظام بشار الأسد المخلوع توغلاتها وانتهاكاتها واعتداءاتها البرية والجوية على سوريا.
وحول ذلك، قال الرئيس الشرع في المقابلة ذاتها: “دخلت سوريا في حرب مع إسرائيل قبل 50 عاما.. ثم في عام 1974 تم توقيع اتفاقية فك الاشتباك بين الطرفين.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، بدأت إسرائيل بانتهاك الاتفاقية وطردت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، واحتلت أراضي جديدة، وشنت أكثر من ألف غارة جوية في سوريا منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر، شملت قصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع، لكن لأننا نريد إعادة إعمار سوريا، لم نرد على هذه الاعتداءات”.
هذا وقد توغلت قوات الاحتلال منذ سقوط النظام المخلوع في الجنوب السوري، ووصلت إلى عدة نقاط، منها جبل الشيخ وحرش جباثا الخشب والتلول الحمر في محافظة القنيطرة، بالإضافة إلى كتيبة الهاون بالقرب من بلدة عابدين في ريف درعا الغربي، حيث أقام الاحتلال نقاطا عسكرية ولا يزال متمركزا فيها حتى الآن.
كما شهدت مناطق متقدمة توغلات لقوات الاحتلال لساعات ثم انسحبت منها، مثل منطقة حوض اليرموك غربي درعا، حيث وصلت القوات إلى بلدات كويا وجملة ومعرية وعابدين، وقصفت مواقع وتجمعات عسكرية تابعة للدولة السورية.
وكان للتوغلات الإسرائيلية تأثيرات سلبية كبيرة على المنطقة، ومن أبرزها السيطرة على مناطق زراعية تعود ملكيتها للأهالي في منطقة حوض اليرموك غربي درعا، إضافة إلى منعها المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في الوادي القريب من بلدة عابدين وكويا في ريف درعا الغربي لزراعتها، وهي مصدر رزقهم الوحيد.
وفي آذار/مارس الماضي، توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة كويا، وسط تحليق مكثف لطيران الاستطلاع، وقامت بقصفها بقذائف الدبابات، ما أدى إلى استشهاد 6 مواطنين، وإصابة آخرين بينهم امرأة.
كما استشهد تسعة مواطنين وأصيب 23 آخرون، وفقا لمدير صحة درعا، الدكتور زياد محاميد، جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي حرش سد الجبيلية، الواقع بين مدينة نوى وبلدة تسيل غرب درعا في نيسان/أبريل الماضي.
وفي الثالث من أيار/مايو الماضي، أُصيب 4 مدنيين جراء استهداف طيران الاحتلال محيط قرية شطحة بريف حماة الشمالي الغربي، واستشهد أربعة آخرون جراء غارات على قرية كناكر غرب السويداء، بينما شن طيران الاحتلال غارات على محيط مدينة حرستا بريف دمشق.
كما شن طيران الاحتلال غارات استهدفت محيط مدينة إزرع، وبلدة موثبين في ريف درعا، في استكمال لسلسلة اعتداءاته المتكررة، التي شملت الليلة التي قبلها محيط القصر الرئاسي في دمشق، في انتهاك سافر للقانون الدولي، وعدوان واضح على سيادة سوريا واستقلالها.
وأدانت رئاسة الجمهورية العربية السورية في بيان نشرته عبر قناتها على “تلغرام” بأشد العبارات القصف الذي تعرض له القصر الرئاسي على يد الاحتلال الإسرائيلي، وطالبت المجتمع الدولي والدول العربية بالوقوف إلى جانب سوريا في مواجهة هذه الاعتداءات العدوانية، التي تنتهك القوانين والمواثيق الدولية.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة 34 آخرين جراء قصف إسرائيلي استهدف مبنى قيادة الأركان في دمشق في السادس عشر من تموز/يوليو الماضي.
واستهدف اعتداء بطائرات مسيرة تابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي في آب/أغسطس الماضي، وحدة من الجيش السوري قرب مدينة الكسوة في ريف دمشق، ما أسفر عن استشهاد ستة من جنود الجيش العربي السوري.
واستشهد شاب خلال اقتحام قوات الاحتلال قرية طرنجة بريف القنيطرة الشمالي في آب/أغسطس الماضي، وقصفها أحد المنازل.
وتواصل قوات الاحتلال بشكل شبه يومي، توغلها في قرى بأرياف القنيطرة ودرعا وريف دمشق، وتعتقل المواطنين وتنصب حواجزها وتجرف الأراضي الزراعية وتهدم المنازل.
التملص الإسرائيلي
ورغم محاولة الدولة السورية تجنب التصعيد والتوصل إلى صيغ تفاهم مع إسرائيل، لكن الأخيرة تواصل تعنتها، حيث قال وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، في جلسة حوارية بمعهد “تشاتام هاوس” في لندن مؤخرا، إن دمشق تسعى لتفادي التصعيد مع إسرائيل وتحاول الرد بالدبلوماسية على انتهاكاتها المتواصلة في الأراضي السورية.
وأضاف الوزير الشيباني، أن إسرائيل واصلت انتهاكاتها في الأراضي السورية “لكننا لم ننجر للاستفزاز وحاولنا الرد بالدبلوماسية”، مشيرا إلى أن إسرائيل تلعب حاليًا دورا سلبيا في سوريا، وهي غير راضية عن التغيير الذي حصل.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي، فراس رضوان أوغلو، لصحيفة “الثورة”: “إسرائيل تستمر بالتعنت والمراوغة وكسب ما يمكن كسبه والإضرار بسوريا، وهذا شيء طبيعي بالنسبة لطبيعة إسرائيل”، موضحا أنه “إذا لم يحصل ذلك فسيكون شيئا غير طبيعي”.
وأضاف رضوان أوغلو، أن “كل السياسات تُبنى على هذا الأمر، يعني كن قويا يهابك الآخرون وكن ذكيا حتى لا يستغفلك الآخرون. فهذه نقطة مهمة جدا، وأنا أظن أن سياسة القيادة في سوريا تفهم هذا الموضوع بشكل جيد وتعيه بشكل ممتاز”.
وكانت “هيئة البث الإسرائيلية” قد نقلت أول أمس الاثنين عن مصادر إسرائيلية قولها: إن “المفاوضات مع سوريا من أجل التوصل إلى اتفاق أمني وصلت إلى طريق مسدود”.
وأضافت أن “إسرائيل ليست مستعدة للانسحاب من هذه المناطق (في إشارة إلى المناطق التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد) إلا في مقابل توقيع اتفاقية سلام شاملة مع سوريا وليس مجرد اتفاق أمني”، معتبرة أنه “لا تلوح مثل هذه الاتفاقية في الأفق حاليا”، وفقا للمصادر ذاتها.
وتؤكد سوريا على مسألة العودة للعمل باتفاقية فض الاشتباك حسب تفويض عام 1974، بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية فورا من المناطق التي احتلتها بعد سقوط النظام البائد.
وهذا ما تم التشديد عليه خلال لقاء الشيباني ووزير الدفاع، اللواء مرهف أبو قصرة، بوفد أممي، برئاسة السفير جان بيير لاكروا، وكيل الأمين العام لعمليات السلام في الأمم المتحدة، واللواء باتريك غوشات، القائم بأعمال رئيس البعثة وقائد قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباكات، أوائل عام 2025.وقال الرئيس الشرع في لقاء مع “الإخبارية السورية” في أيلول/سبتمبر الماضي: “نحن الآن في طور نقاش مع إسرائيل، التي اعتبرت أن سقوط النظام هو خروج لسوريا من اتفاق عام 1974، رغم أن سوريا أبدت من أول لحظة التزامها به، وراسلت الأمم المتحدة، وطلبت من قوات الأندوف أن تعود إلى ما كانت عليه”.
وأضاف: “يجري وضع النقاط على الحروف، ويجري تفاوض على اتفاق أمني حتى تعود إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل 8 كانون الأول/ديسمبر، أي إلى اتفاق 1974 أو شيء يشبهه، وهذا التفاوض لم ينتهِ بعد”.
الجنوب السوري والترتيبات المقبلة
ذكرت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية، أن وفدًا مشتركا من وزارتي الدفاع السورية والروسية أجرى جولة ميدانية شملت عددا من النقاط والمواقع العسكرية في الجنوب السوري، بهدف الاطلاع على الواقع الميداني ضمن إطار التعاون القائم بين الجانبين.
وأشار مراقبون إلى أن انتشار القوات الروسية ــ الشرطة العسكرية الروسية ــ جنوب سوريا هو لسحب الذرائع من قبل إسرائيل.
وحول ذلك، يقول المحلل السياسي رضوان أوغلو: “بالنسبة للدوريات، أظن أنها تأتي في هذا السياق، أي بمعنى أن روسيا تريد أن تلعب لعبة كبيرة، وسوريا تريد أن تلعب لعبة كبيرة أيضا، ولا ضرر في ذلك. تأتي الدوريات الروسية، تأتي الدوريات التركية، تثبت الأمر، وحتى ربما كما قيل أيضًا، قاعدة أميركية تنظم الأمور إلى آخره”.
ويتابع: “أي سحب الذرائع من إسرائيل وتقوية سوريا والجيش السوري وإيجاد نقاط تصعب على إسرائيل فيما بعد اللعب بها، وأنا أظن أن هذا أمر مهم جدا”.
ويضيف: “الدوريات الروسية في الجنوب تأتي في إطار ديناميكية سياسية سورية. يعني، في سوريا بشكل عام هناك تركيا وروسيا وأميركا.. ماذا تريد أن تختار إسرائيل؟ وطبعا الأمر ليس بمعنى ماذا تريد أن تختار إسرائيل، وإنما هذا السؤال هو لإحراج إسرائيل.
يعني يمكن أن تكون قوة سورية-تركية، ويمكن أن تكون قوة سورية-روسية، ويمكن أن تكون سورية-أميركية، ولكن الشرط هو العودة إلى ما قبل 2024 والمناطق التي احتلتها إسرائيل”.
وبشأن مسألة نجاح الترتيبات الأمنية، يقول المحلل السياسي إنها مسألة نسبية لكن لا بد من المضي فيها، “فالسياسة السورية ماضية في هذا الأمر، ويوما بعد يوم تقوى سوريا وتضعف الحجج الإسرائيلية، وأظن أن هذا هو المهم الآن.
فمسألة النجاح متعلقة بالزمن أكثر شيء، ولكن لا بد من الاستمرار بهذا الأمر”. ويؤكد أن “التحالف الوثيق حتى الآن هو أمر جيد جدا بين سوريا وتركيا والمملكة العربية السعودية، وأن تكون الولايات المتحدة الأميركية هي أفق العلاقات الاستراتيجية، كما هو أفق العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا، وبين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وسوريا على هذا المنوال، وبهذا الأمر تكون النجاحات أكثر ضمانة ونجاعة”.
جدير بالذكر أن اتفاقية فض الاشتباك وُقعت عام 1974 بين سوريا وإسرائيل عقب حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، بهدف الفصل بين القوات من الجانبين وفك الاشتباك بينهما.
وتضمنت الاتفاقية ترتيبات لفصل القوات، وحددت خطين رئيسيين، عُرفا بـ”ألفا” و”برافو”، يفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية. كما أُنشئت منطقة عازلة بين الخطين، وبالطبع كانت تخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة تُعرف بـ”الأندوف”.