الثورة – لينا شلهوب:
بين شوارع دمشق التي تعودت على ازدحام الصباح ورائحة القهوة المنبعثة من الأرصفة، بدأت الإشارات المرورية الجديدة تفرض حضورها بلمعانها الحديث، فكانت أشبه ما تكون بنافذة مضيئة في نهاية الطريق، يمكن للسائق رؤيتها وهي تلوّح من مسافات بعيدة، كأنها تقول: اهدأ.. لديك وقت.

رقابة أكبر وسلامة أكثر
وبينما كان السائقون يتبادلون التعليقات حول الإشارات الجديدة، كان المشاة يعيشون تجربتهم الخاصة، إذ وقفت سارة دعبول، طالبة جامعية، عند ممر المشاة تراقب العدّاد الذي ينخفض بثوانٍ واضحة، وقالت: بدأنا نعلم متى نعبر، إذ كنا سابقاً نركض ونغامر بالسير، لافتة إلى أنها بدأت تشعر أن المدينة تتغير شيئاً فشيئاً، وأن خطوة صغيرة كهذه قد تصنع فرقاً كبيراً في حياة الناس.
سائقو السرافيس وسيارات الأجرة اعتبروا أن الشاشات الرقمية ونظام الرادار الجديد سيحدّان من الفوضى عند التقاطعات، يقول أبو رامي الحجي، سائق سرفيس يعمل على خط كفرسوسة: وجود كاميرات مرتبطة بغرفة العمليات يجعل الجميع يلتزم، لأن المخالفات ستسجّل مباشرة، خصوصاً تجاوز الإشارة الحمراء والوقوف على ممرات المشاة، فيما رأى غيره أن النظام الجديد يشجع على القيادة الهادئة، إذ تقلل الإشارات الواضحة من احتمالات التصرّف المفاجئ وتمنح مساحة أكبر لاتخاذ القرار الصحيح.
عدد آخر من المواطنين، أعربوا عن ارتياحهم لتركيب الإشارات الجديدة، معتبرين أنها تعالج مشكلة ضعف الرؤية التي كانت تتسبب بكثير من الارتباك والحوادث، يقول علاء الريشاني موظف ويعمل على سيارة فان، يقطن في منطقة البرامكة: أصبح بإمكاني رؤية الإشارة من مسافة أبعد بكثير، لم أعد أضطر للفرملة المفاجئة، وهذا يخفف التوتر أثناء القيادة.
وترى السيدة هناء الكحيل مواطنة، أن اللوحة الرقمية تساعد المشاة أيضاً، إذ توضح لهم مدة الانتظار، ما يقلل التزاحم على الأرصفة ويجعل عبورهم أكثر أماناً.
انضباط مروري
فيما ستلبس دمشق ثوباً جديداً من الانضباط المروري، عبر توفير الطاقة البديلة التي تغذّي الإشارات، هذا ما أكده الخبير في مجال النقل سامي غانم، مضيفاً أن هذا الأمر يجعلها تعمل حتى في حالات انقطاع الكهرباء، واللوحة الرقمية المرافقة تمنح إشارات واضحة للسائق والمشاة على حد سواء، وكأن المدينة تحاول إعادة ترتيب نبضها، لتجعل الحركة أكثر سلاسة وأقل فوضى.
في سوق الطلياني، حيث الضجيج لا يهدأ، وقف العم أبو نبيل شبلي، صاحب محل صغير، يراقب السيارات التي تمرّ بانسيابية أكبر من قبل، حيث قال: السيارات كانت تتشابك مرورياً في هذه المنطقة، لكن اعتقد مع توزيع الإشارات المرورية الجديدة، هذه التشابكات، والازدحامات ستخف كثيراً، حتى المواطنين سوف يعبرون الطريق بسلام أكثر، وبدا وكأنه يتحدث بحنين عن الماضي، وبأمل عن المستقبل.
وأضاف: إن إدخال هذه الإشارات البانورامية ليس مجرد تحديث تقني، بل خطوة نحو مدينة أكثر أماناً وتنظيماً، وخطوة تمنح الناس وقتاً، ورؤية، ومساحة لاتخاذ قرار هادئ بعيداً عن الفوضى، وبينما تواصل دمشق تغيير ملامح طرقها، يبدو أن هذه الإشارات الحديثة تشكّل بداية جديدة لعلاقة أكثر احتراماً بين السائق والطريق.
آمال كبيرة بضبط المخالفات
يتابع خبير النقل حديثه قائلاً: شهدت العاصمة دمشق مؤخراً تركيب طراز جديد من إشارات المرور يتميز بتقنية بانورامية تتيح للسائقين رؤية الإشارة من مسافات بعيدة، إضافة إلى عملها بالطاقة البديلة وتزويدها بلوحة رقمية وكاميرات رادار مرتبطة مباشرة بغرفة العمليات في إدارة المرور، وينظر إلى هذه الخطوة كمرحلة متقدمة في تحديث البنية المرورية وتحسين السلامة على الطرقات.
الإشارات الجديدة صُممت بحيث تكون ظاهرة على مدى واسع، الأمر الذي يمنح السائق وقتاً كافياً للتنبه وتخفيف السرعة قبل الوصول إلى التقاطع، كما تعتمد هذه الإشارات على تقنية الطاقة البديلة، ما يسهم في تخفيف استهلاك الكهرباء وتقليل الأعطال الناتجة عن انقطاع التيار، ويضمن عملها بشكل مستمر خاصة في التقاطعات الحيوية، وتعد اللوحة الرقمية المرافقة جزءاً من النظام المروري المعتمد عالمياً، حيث يمكن برمجتها وعرض عدادات زمنية أو رسائل تنبيهية حسب الحاجة، فهي لا تكتفي بتوجيه حركة السير، بل تحمل في داخلها عيوناً تراقب المخالفات، عبر كاميرات رادار متصلة بغرفة العمليات في إدارة المرور، تلتقط السيارات التي تتجاوز الإشارة الحمراء، أو تقف فوق ممر المشاة، هذه الفكرة بالنسبة للبعض تبدو صارمة، لكنها بالنسبة للغالبية ضرورة طال انتظارها.
نحو مدينة أكثر أماناً وتنظيماً
تؤكد مصادر في إدارة المرور أن الهدف من هذه الخطوة هو تعزيز السلامة المرورية وتقليل نسبة الحوادث في التقاطعات، إذ تُعتبر الإشارات الحديثة جزءاً من منظومة متكاملة لضبط الحركة، تشمل مراقبة المخالفات وتحسين زمن الاستجابة في غرفة العمليات، كما تسهم الطاقة البديلة في ضمان استمرارية العمل، ما يعالج مشكلات الانقطاع التي كانت تتسبب أحياناً بتعطّل التقاطعات وتأخر حركة السير.
وتعوّل الجهات المعنية على أن تساعد هذه التقنية في بناء ثقافة مرور أكثر انضباطاً، وتشجيع السائقين والمشاة على احترام القوانين، وصولاً إلى مدينة أكثر أماناً وتنظيماً وحركة سير أكثر انسيابية.