من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟

الثورة – علي إسماعيل:

أن تُجمِع على دعم دمشق كل من الرياض وواشنطن، أهم عاصمتين في صنع القرار السياسي إقليمياً ودولياً، ليس أمراً عابراً يمر مرور الكرام في سياق الحسابات السياسية وموازين القوى العالمية، ما ظهر منها وما بطن.

فالأمر تعدى أن يكون توافقاً دولياً ليكون تثبيتاً نهائياً لمسار بدت ملامحه للعالم أجمع، مفاده أن دمشق درة تاج الشرق الأوسط التي لا سبيل إلا لدعم قيادتها التي استطاعت بفضل حنكتها ونشاط دبلوماسيتها اللافت ترسيخ حضورها الوطني والإقليمي والدولي.

في خطاب مفاجئ وصفه المراقبون بأنه “يغير قواعد اللعبة”، كشف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، النقاب عن محادثات سرية ومحورية أدت إلى تحول دراماتيكي في السياسة الأميركية تجاه سوريا، مشيراً إلى أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، كان المحرك الأساسي وراء قرار رفع العقوبات الأميركية عن دمشق واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

جاءت التصريحات في مؤتمر صحفي عقده ترامب في “البيت الأبيض” عقب اجتماع مع ولي العهد السعودي، حيث أكد أن الرياض لعبت دوراً حاسماً في مد الجسور مع دمشق، بهدف إعادة إعمار سوريا ودمجها مرة أخرى في المحيط العربي والدولي.

وقال ترامب، مخاطباً الصحفيين بنبرة حاسمة: “اتصل بي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وطلب بشكل واضح رفع العقوبات عن سوريا لأنه يريد أن تنهض من جديد”.

وأضاف أن الطلب السعودي جاء مصحوباً بخطة متكاملة لضمان الاستقرار وفتح الباب أمام استثمارات ضخمة، ما أقنع الإدارة الأميركية بجدوى الخطوة.

وهذه التصريحات تمثل اعترافاً غير مسبوق بالدور السعودي المتنامي في إعادة تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، وتضع المملكة العربية السعودية في قلب الجهود الرامية إلى حلحلة أزمات طال أمدها.

ولم يقتصر الأمر على الدبلوماسية السعودية، بل كشف ترامب أيضاً عن لقاء تاريخي جمعه بالرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، في “البيت الأبيض”، وهو اللقاء الذي يُعتبر الأول من نوعه منذ سنوات طويلة.

وصف ترامب اللقاء بأنه “جيد جداً”، ولم يبخل في إطرائه على القيادة السورية الجديدة، قائلاً: “الرئيس أحمد الشرع كان هنا، وكان اللقاء جيدًا. إنه رجل قوي، وكانت سوريا بحاجة إلى رجل قوي مثله”.

ويأتي هذا الوصف، الذي يُعتبر ترحيباً أميركياً صريحاً، ليغير بشكل جذري الموقف الأميركي طويل الأمد من القيادة السورية الجديدة، ويفتح الباب أمام تعاون أمني وسياسي مستقبلي.

إعادة صياغة المشهد

لم يغب مشهد تعابير وجه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لحظة إعلان الرئيس ترامب نيته رفع العقوبات المفروضة على سوريا عن وعي كل سوري؛ تلك التقاسيم التي تعبر بحقيقتها عما قامت به السعودية من دور محوري فاعل في إقناع واشنطن برفع العقوبات عن دمشق.

لم تكتفِ الرياض بدور داعم، بل تحولت إلى لاعب رئيسي في إعادة إدماج سوريا عربياً ودولياً، عبر خطة متكاملة للاستقرار والاستثمار، تبدأ أولاً من تحقيق استقرار سوريا كعنصر أساسي في أمن المنطقة، تمهيداً لتشميلها برؤية اقتصادية شاملة.

فمن خلال مشروع اقتصادي-سياسي متكامل، تسعى الرياض إلى تحويل سوريا من عبء أمني إلى فرصة تنموية، عبر الاستثمار في البنى التحتية والتعليم والطاقة، لتكون السعودية بذلك راعية إعادة الإعمار.

وحول هذا الموضوع، تحدث الباحث والإعلامي، منذر الأسعد، لصحيفة “الثورة” قائلاً: “الدور السعودي دور أصيل، وهي الآن في دور القيادة للمنطقة العربية، ومع تقدم الدور السعودي تراجعت الدول صاحبة الشعارات الرنانة في القضايا العادلة”.

ويضيف الأسعد أن “الدور السعودي الإيجابي في سوريا كان واضحاً وصريحاً ومعلناً منذ بداية الثورة، والآن يهدف إلى إعادة سوريا إلى حضنها العربي.

وهذا الدور تلاقى مع رغبة سوريا بعد التحرير، التي بادرت بالعودة إلى موقعها الطبيعي في المحيط العربي والحضن العربي.

وهذا التوجه كان واضحاً لأن سوريا كانت في غيبوبة فرضها النظام المخلوع، وهي الآن تعود إلى هويتها الحقيقية.

ولذلك، احتضنت المملكة العربية السعودية التوجه السوري ودافعت عنه، وكان لها أثر كبير في الضغط الإيجابي الناعم على الولايات المتحدة، واستطاعت تغيير وجهة نظر أميركا تجاه سوريا”.

وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد عقد اجتماعاً مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، في 14 أيار/مايو الماضي في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسين أميركي وسوري منذ 25 عاماً، على هامش القمة الخليجية-الأميركية المنعقدة بالعاصمة السعودية.

وحضر اللقاء ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي شارك عبر تقنية الفيديو.

كما حضره أيضاً وزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، ونظيره السوري، أسعد الشيباني.

وقال الرئيس الأميركي -في كلمة خلال انعقاد القمة الخليجية-الأميركية- إن “الولايات المتحدة تبحث تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بالشرع”، مشدداً على أن قراره برفع العقوبات عن سوريا كان لمنح البلاد فرصة جديدة.

كذلك وصفت وزارة الخارجية السورية في بيان، اللقاء الذي جمع ترامب والشرع بـ”التاريخي”، قائلة إنه تم التأكيد خلال اللقاء على أهمية رفع العقوبات عن سوريا ودعم مسار التعافي وإعادة الإعمار.

وأضافت أن ولي العهد السعودي شدد على ضرورة رفع العقوبات لتحقيق الاستقرار في المنطقة، في حين أكد ترامب التزام بلاده بالوقوف إلى جانب سوريا في هذه المرحلة المفصلية.

ونوهت إلى أن الرئيس الشرع عبر عن امتنانه للدعم الإقليمي والدولي، مشدداً على مضي سوريا بثقة نحو المستقبل.

وتابعت أن اللقاء بحث سبل الشراكة السورية-الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تنظيم “داعش”.

وقالت المتحدثة باسم “البيت الأبيض”، كارولين ليفيت، إن ترامب أخبر الرئيس الشرع أن لديه فرصة عظيمة لإنجاز شيء تاريخي في بلاده.وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر، أكد الرئيس السوري، أحمد الشرع، خلال “منتدى مستقبل الاستثمار” في دورته التاسعة في الرياض، أن السعودية تمثل أهمية محورية في المنطقة، مبيناً أن التنمية الاقتصادية مرتبطة بالأمن والاستقرار، وهو ما تمثله المملكة كحالة رائدة في المنطقة.

وقال: “عندما توجهنا إلى السعودية في الرحلة الأولى، أدركنا أن مفتاح العالم هنا في المملكة العربية السعودية”.

وأكد أنه يتابع “رؤية السعودية 2030” منذ فترة طويلة، والتي طرحها سمو الأمير محمد بن سلمان، وأن الرؤية جعلت المملكة بوصلة اقتصادية للمنطقة وقبلة للاقتصاديين، مشيراً إلى رغبة سوريا في أن تكون جزءاً من هذه الرؤية التي وصفها بأنها “لا تقف عند حدود المملكة، بل تشمل المنطقة بأكملها”.

التحول الأميركي.. من العقوبات إلى الشراكة

من مصالح الولايات المتحدة الأميركية أن تكون سوريا قوية وموحدة، لذلك فإن تصريحات ترامب الأخيرة عن سوريا والرئيس أحمد الشرع، عقب اللقاء مع ولي العهد السعودي أمس في العاصمة واشنطن، تمثل تغييرًا جذريًا في الموقف الأميركي التقليدي من سوريا.

وهذا التحول يعكس إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط، حيث باتت واشنطن ترى في دمشق شريكًا في الأمن الإقليمي وإعادة الإعمار.

لذلك، فإن رفع العقوبات هو جزء من إعادة تموضع استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، التي تهدف إلى “تصفير النزاعات” والتركيز على أولويات أخرى مثل التنافس مع الصين.

فالمقاربة الأميركية الجديدة ترى أن سوريا المستقرة شريك أكثر فائدة في محاربة الإرهاب وضبط الحدود، مقارنة بسوريا المنهارة.

وهنا يرى الأسعد، أن التحول الأميركي تجاه سوريا ليس نهائياً من وجهة نظره، لكنه واعد، ويقول: “هناك صراع غير خفي بين الرئيس ترامب، بطريقته الفريدة للزعامة، والدولة العميقة داخل الولايات المتحدة.

لذلك، لم تُحسم الكثير من القضايا”. ويضيف أن “الرئيس الأميركي يراهن على العلاقة مع سوريا ويؤمن أنها شريكة حقيقية له، ومواقفه صلبة لجهة دعمها، حيث أثرت فيه أيضاً إيجاباً كل من السعودية وتركيا والعديد من الأطراف الدولية الداعمة للدولة السورية الجديدة”.

وعقب لقاء الرئيس الشرع بنظيره الأميركي في واشنطن بالبيت الأبيض، سرب بعد أيام المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، كواليس اللقاء في منشور له على منصة “إكس” يوم الخميس 13 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث قال إن “قيادة الرئيس ترامب ترسي مساراً جديداً للتوازن قائماً على ‘الأمن أولاً، ثم الرخاء’ – مستقبل لا تُحدده ظلال الماضي وأهواله، بل بوعد وآمال مستقبل جديد مُعاد تعريفه”.

مضيفاً أنه “ليس جديداً على التاريخ أو على هذه المنطقة أن يصبح خصوم سابقون حلفاءً مُخلصين، لكن الجديد – والاستثنائي – هو أن دول المنطقة نفسها تُحقق ذلك، لا بتفويضات وإملاءات غربية”، موضحاً أن “الطريق لن يكون ممهداً”.

وتحدث باراك عن التكامل المستمر بالقول إن “رؤية رجل واحد باتت الآن مشتركة بين الكثيرين، ويمكن أن تُصبح حقيقة”، مشيراً إلى أن “الخطوة التالية في ‘إعطاء سوريا فرصةً حقيقية’ هي الإلغاء الكامل لقانون قيصر”، داعيًا الكونغرس لاتخاذ هذه الخطوة التاريخية بهدف تمكين الحكومة السورية الجديدة من إعادة تشغيل محركها الاقتصادي، والسماح للشعب السوري وجيرانه الإقليميين ليس فقط بالبقاء، بل بالازدهار، حسب تعبيره.

التحول الأميركي، الذي أخذ مسارًا تصاعديًا إيجابيًا بدءًا من الرياض عقب لقاء الرئيس الشرع بنظيره ترامب، أثار حينها استغراب الجميع، ومنهم ستيفن هايدمان، الزميل البارز في معهد بروكينغز، الذي قال إن “السقوط المفاجئ لنظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي أدى إلى إعادة تقييم كبيرة للسياسة الأميركية”، لافتًا إلى أن “معظم المراقبين توقعوا في البداية أن إدارة ترامب سوف تتحرك ببطء وتتردد في الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة”.

وأضاف: “سواء أكانت الإدارة ديمقراطية أم جمهورية، توقعنا إما عداءً تجاه الإدارة الجديدة في سوريا أو مماطلة كبيرة فيما يخص العقوبات”.لكن إعلان ترامب المفاجئ عن رفع العقوبات عن سوريا، خلال زيارته إلى السعودية في 13 أيار/مايو، نسف تلك التوقعات، حتى إنه التقى في اليوم التالي مع الرئيس الشرع، الذي كان لا يزال مصنفًا على قائمة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة.

وعلق هايدمان على ذلك بالقول: “اتُخذ القرار، وكما جرت العادة في حالته، من دون الكثير من المشاورات، حتى إن مستشاريه لشؤون الشرق الأوسط فوجئوا بالقرار”.

اللقاء التاريخي بين الشرع وترامب.. رمزية سياسية جديدة

يمثل لقاء الرئيس السوري، أحمد الشرع، بالرئيس الأميركي في “البيت الأبيض” لأول مرة منذ عقود، اعترافًا أميركيًا بشرعية القيادة السورية الجديدة، ويفتح الباب أمام تعاون أمني وسياسي غير مسبوق.

فزيارة أول رئيس سوري إلى “البيت الأبيض” في التاريخ تحمل في طياتها بعدًا رمزيًا بتغير النظرة الأميركية لسوريا بأبعادها الجغرافية والأمنية والاقتصادية.ويقول الباحث الأسعد إن “زيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض ليست أول لقاء لرئيس سوري منذ الاستقلال، بل أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس سوري في التاريخ إلى واشنطن، ولها رمزية تاريخية عظيمة”، ويتوقع أن “تكون لها آثار إيجابية ملموسة قريبًا”.

وتوجت جهود الدبلوماسية السورية والدعم الإقليمي والدولي بالزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى “البيت الأبيض” ولقائه بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي مثلت لحظة مفصلية تعيد صياغة علاقة سوريا بالعالم. حيث أجرى الرئيس الشرع لقاءً مع نظيره الأميركي، دونالد ترامب، في “البيت الأبيض” يوم الاثنين 10 تشرين الثاني/نوفمبر، واستمر نحو ساعة ونصف، وكان مغلقًا دون حضور الإعلام، وضم كلًا من وزير الخارجية، ماركو روبيو، ونائب الرئيس، جيه دي فانس، ووزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني.

وعقب اللقاء، أشاد الرئيس ترامب بالرئيس الشرع، وقال إن ماضي الأخير القوي سيساعده في إعادة إعمار بلده الذي دمرته الحرب.

كما أكد أنه يريد لسوريا النجاح بعد الحرب التي استمرت أكثر من عقد، معرباً عن اعتقاده أن الرئيس الشرع “قادر على تحقيق ذلك”.

وأثناء انعقاد اللقاء، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن تمديد تعليق “قانون قيصر” للعقوبات على سوريا لمدة 180 يومًا، لكن رفع هذه العقوبات بشكل كامل مرهون بموافقة الكونغرس الأميركي.

وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن إدارة ترامب علقت العقوبات الإلزامية بموجب قانون “قيصر” دعمًا لجهود سوريا في إعادة بناء اقتصادها واستعادة العلاقات مع الشركاء الأجانب، وتعزيز الرخاء والسلام، موضحًا أن واشنطن تتوقع خطوات ملموسة من الحكومة السورية لطي صفحة الماضي والمضي نحو سلام إقليمي مستدام.

وحينها، تطرقت صحيفة “فورين بوليسي” الأميركية للقاء الذي جمع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بنظيره السوري، أحمد الشرع، في مقال تحت عنوان “ترامب يستعين بالشرع لتأمين حليف جديد في الشرق الأوسط”. وكتبت الصحيفة أن هذه الزيارة تمثل تحولًا كبيرًا في مسار العلاقات بين واشنطن ودمشق بعد سنوات من القطيعة والتوتر، وقالت إن الشرع يأمل في الاستفادة من صورته كـ”رجل قوي” لعقد صفقة مع الولايات المتحدة تضمن رفع العقوبات المفروضة على بلاده بشكل دائم.إعادة الإعمار مدخل سورياتدرك دمشق والرياض تمام الإدراك أهمية الاقتصاد والتنمية الشاملة في دفع العملية السياسية وتوجيه العمل الدبلوماسي.

لذلك، عملت دمشق على تحويل المحنة المتمثلة بتكاليف إعادة إعمار ما خلفته الحرب إلى منحة، واستثمرت وجود مشاريع ضخمة بحاجة للاستثمار والبناء. لذلك، كان الاقتصاد أداة رئيسية لإعادة بناء العلاقات الدولية، من خلال عملية إعادة الإعمار التي تمثل المدخل الأهم لإعادة سوريا إلى النظام العربي والدولي.وفي هذا السياق، يرى الأسعد أن “إعادة الإعمار حتى الآن لم تبدأ عمليًا، لكن هناك بوادر، والسبب هي العقوبات.

لذلك، حتى يستقر موضوع إزالة هذه العقوبات، وأولها قانون قيصر نهائيًا، نتوقع زخمًا كبيرًا في الاستثمارات الفعلية.

وهنا تنظر الولايات المتحدة إلى سوريا من منظور العمق الاستراتيجي لها في المنطقة، وهي لن تتركها لتكون في متناول دول أخرى منها الصين وروسيا. لذلك، ملف إعادة الإعمار هو المدخل الطبيعي لواشنطن وللعديد من الدول الإقليمية في سوريا”.

فالخطة السعودية تضمنت استثمارات ضخمة لإعادة إعمار سوريا، تمثلت بالإعلان عنها في مناسبات عديدة.

حيث شهد وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، في دمشق في 23 تموز/يوليو الفائت، توقيع اتفاقيات تزيد قيمتها عن خمسة مليارات دولار في مختلف القطاعات مع سوريا الساعية للتعافي الاقتصادي، حسبما أفادت وزارة الاستثمار السعودية.

وكان الفالح قد وصل إلى سوريا على رأس وفد يضم أكثر من 150 ممثلًا للقطاعين الحكومي والخاص بغرض بحث شراكات استثمارية. وأعلنت وزارة الاستثمار السعودية في بيان عن “توقيع 38 اتفاقًا ومذكرة تفاهم خلال المنتدى”.

وذكرت أن “الاستثمارات المعلنة، التي تبلغ قيمتها 19 مليار ريال سعودي (5.07 مليارات دولار)، تغطي قطاعات حيوية واستراتيجية، بما في ذلك: العقارات، والبنية التحتية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والنقل والخدمات اللوجستية، والصناعة، والسياحة، والطاقة، والتجارة والاستثمار، والرعاية الصحية، والموارد البشرية، والخدمات المالية”.

وكانت الرياض وجهة أول زيارة خارجية للرئيس السوري، أحمد الشرع، في شباط/فبراير الماضي.

ونقلت وكالة “رويترز” البريطانية في 13 تشرين الأول/أكتوبر عن شركات سعودية كبرى عزمها تنفيذ استثمارات بمليارات الدولارات في سوريا، وسط تحديات تتعلق باستمرار العقوبات الأميركية على دمشق. وقال الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال السعودي-السوري، عبد الله ماندو، إن الخطة تهدف إلى البدء بأساسيات الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب من خلال إعادة بناء البنية التحتية للطاقة وقطاعي المال والاتصالات. وتابع في حديث لـ”رويترز”: “الهدف هو جذب مليارات الدولارات من رأس المال الفعلي إلى سوريا خلال السنوات الخمس المقبلة”.

وتُعد الرياض محركًا رئيسيًا لإعادة التواصل العالمي مع سوريا منذ الإطاحة بنظام الأسد المخلوع العام الماضي.

وكان الرئيس السوري، أحمد الشرع، قد عقد لقاءً في نيويورك مع ممثلي 40 شركة أميركية وعالمية كبرى، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 28 أيلول/سبتمبر الماضي. وتركز اللقاء على قطاعات الاستهلاك والطاقة والبنية التحتية والخدمات المالية، بمشاركة شركات كبرى مثل “بروكتر آند غامبل”، أكبر شركة لصناعة المواد الاستهلاكية في العالم، و”شيفرون” الأميركية للطاقة، و”كاتربيلر” المتخصصة في تصنيع المعدات الثقيلة.

وأيضاً، شارك الرئيس السوري، أحمد الشرع، في العاصمة السعودية الرياض في 28 تشرين الأول/أكتوبر في “مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار”، واجتماع الطاولة المستديرة السوري-السعودي، بمشاركة وفد اقتصادي سوري رفيع المستوى، ضم وزراء الاقتصاد والصناعة، نضال الشعار، والمالية، محمد برنية، والطاقة، محمد البشير، والاتصالات، عبد السلام هيكل، ومدير هيئة الاستثمار السورية، طلال الهلالي، علاوة على ممثلين عن القطاع الحكومي والخاص من البلدين.

وقال حاكم البنك المركزي السوري، عبد القادر الحصرية، حينها إن الجهود المشتركة بين وزارة الاستثمار والبنك المركزي السعودي ومصرف سوريا المركزي أسفرت عن “تقدم ملموس في تفعيل التحويلات المصرفية المباشرة بين البلدين، مما يسهم في تسهيل حركة رؤوس الأموال ودعم الأنشطة التجارية والاستثمارية ويعزز الثقة في النظام المالي السوري”.

وثمّن التعاون بين البلدين، متطلعاً إلى مزيد من الشراكات والمشاريع المشتركة التي تسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي والمالي بين سوريا والسعودية.وخلال زيارة إلى دمشق أواخر أيار/مايو، أكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن الرياض ستكون في مقدمة الدول التي تقف إلى جانب سوريا في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي.السعودية في قلب المعادلةلا تحتاج العلاقات السعودية-الأميركية إلى تأكيد يدلل على المكانة التي تحتلها الرياض بالنسبة لواشنطن، باعتبارها مركزًا لصنع القرار العالمي، خاصة أن الولايات المتحدة تعتبر المملكة العربية السعودية قوة إقليمية محورية كبرى لها التأثير الأكبر في معادلة الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وتسعى دائمًا إلى ترسيخ العلاقات بين البلدين، مستندة إلى رؤية تقوم على الشراكة في ملفات عديدة من الطاقة إلى الاقتصاد وصولًا إلى الأمن الإقليمي.

ويقول الأسعد: إن “المملكة العربية السعودية هي الآن مرتكز الإقليم، وتقوم بتعاون إيجابي جيد مع تركيا، وهذا لمصلحة المنطقة ككل، وتعمل بجهد لإزالة آثار التخريب الإيراني وعلى العديد من الملفات الحساسة المتعلقة بقضايا اقتصادية وسياسية وأخرى هامة جدًا متعلقة بقضايا الأمن الإقليمي”.

ويشكل الاعتراف الأميركي اليوم بالدور السعودي تحولًا في موازين القوى بالشرق الأوسط، حيث باتت الرياض في موقع القيادة لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، مستفيدة من التحول الكبير الذي حصل في سوريا بانتصار الثورة، لتضع في حسبانها أن سوريا أصبحت جزءًا من هذه المعادلة الجديدة في المنطقة التي تجمع واشنطن والرياض ودمشق.

تعلن السعودية بشكل مستمر عن دعمها للقيادة السورية الجديدة، مستخدمة ثقلها السياسي النوعي على المستويين الإقليمي والدولي لفتح الطرق أمام المسارات السورية.

خاصة أن الرياض تتمتع بعلاقة وثيقة مع واشنطن، لذلك تعدت السعودية دور الوسيط منذ لقاء أيار/مايو 2025، ما يرسخ تموضعها كـ”بوابة” للعلاقة بين واشنطن ودمشق وإطار لإعادة الإعمار لاحقًا.

لذلك، أصبحت السعودية تمثل راعية المسار السياسي الجديد، ومرشحة لقيادة سلة الإنعاش الاقتصادي وربط المساعدات بضمانات أمنية وسياسية.ومما يثبت وجهة النظر التي تقول إن الرياض تستطيع فرض مواقفها بقوة دبلوماسيتها وثقلها الدولي، هو تصريحات ولي العهد السعودي خلال لقائه بالرئيس دونالد ترامب، وما سبقه من استقبال حافل ونوعي للأمير محمد بن سلمان في “البيت الأبيض”.

أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في “البيت الأبيض” اليوم الأربعاء، أن أي اتفاقية مبرمة مع واشنطن للحصول على شرائح الذكاء الاصطناعي تهدف لتلبية الاحتياجات السعودية وليس إرضاءً للولايات المتحدة أو الرئيس ترامب. وقال: “نحن لا نخلق فرصًا زائفة لإرضاء أميركا. إنها فرص حقيقية. على سبيل المثال، عندما تسأل عن الذكاء الاصطناعي والرقائق، فإن المملكة العربية السعودية لديها طلب هائل، وحاجة ماسة للقوة الحاسوبية.

وسننفق، على المدى القصير، حوالي 50 مليار دولار لاستهلاك أشباه الموصلات تلك لتلبية احتياجاتنا في السعودية”.

آخر الأخبار
الجيش السوري.. تحديات التأسيس ومآلات الاندماج في المشهد العسكري بين الاستثمار والجيوبوليتيك: مستقبل سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية الأولمبي بعد معسكر الأردن يتطلع لآسيا بثقة جنوب سوريا.. هل تتحول الدوريات الروسية إلى ضمانة أمنية؟ "ميتا" ساحة معركة رقمية استغلها "داعش" في حملة ممنهجة ضد سوريا 600 رأس غنم لدعم مربي الماشية في عندان وحيان بريف حلب من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟ مصفاة حمص إلى الفرقلس خلال 3 سنوات... مشروع بطاقة 150 ألف برميل يومياً غياب الخدمات والدعم يواجهان العائدين إلى القصير في حمص تأهيل شامل يعيد الحياة لسوق السمك في اللاذقية دمشق.. تحت ضوء الإشارة البانورامية الجديدة منحة النفط السعودية تشغل مصفاة بانياس لأكثر من شهر مذكرة تفاهم مع شركتين أميركيتين.. ملامح تحول في إنتاج الغاز انطلاقة جديدة لقطاع الطاقة.. شراكات عالمية قد تفتح الباب لزيادة قياسية في الإنتاج محطة ترحيل النفايات في بانياس تعمل بكامل طاقتها افتتاح 13 مدرسة مؤهلة في ريف إدلب.. خطوة لعودة الحياة التعليمية إلى مسارها زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن تغيّر المعادلة.. إسرائيل خارج ملف السويداء "حلب أم الجميع": الجالية السورية في تركيا تتعرف على مشاريع إعادة الإعمار ارتفاع الأسعار بلا رقابة.. الحكومة تتحرك لتصحيح المسار قوة الاقتصاد تبدأ من المنزل.. المشاريع الأسرية محرك جديد للتنمية