فداء منصور في صالة «أدونيا»… بين الدقـة الكلاسـيكية والتجريـد اللونـي الانفعـالي..

تشكل لوحات الفنان التشكيلي فداء منصور، التي عرضها في صالة أدونيا (25 لوحة قياسات مختلفة ومتنوعة في تقنياتها وأساليبها) المدخل لالتماس تنويعات وتحولات وتنقلات تجربته الفنية، من أقصى حدود الدقة الكلاسيكية (مثل لوحة الموناليزا) الى أقصى حدود التجريد اللوني الانفعالي، الذي يقدمه أحياناً باستخدام فرشاة عريضة وبتدرجات اللون الواحد.
هكذا حقق في هذا المعرض، خطوات الجمع بين الصياغة الكلاسيكية والواقعية، المقروءة في مشاهد الوجوه، وصولاً الى الأداء التبسيطي التعبيري والرمزي، الذي يحدد روح وجوهر الشكل, كما يعيدنا إلى بداية خلق الإنسان, وصراع الخير مع الشر، ويتدرج في خطوات التعبير، حتى يصل في موضوعات لوحاته الى عصر الفضاء والتطور التكنولوجي المذهل والحروب الحديثة.
حركة الدوائر
نشعر ونحن نشاهد مجموعة لوحاته التعبيرية بحركات عناصرها الإنسانية وبتداخلات الدوائر والأقواس وهذه التجربة آخر ما توصل اليه, كما نستشف تجليات المساحات اللونية العفوية، التي تبرز عبر مزاولته اليومية للرسم التلقائي، الذي نكتشف فيه عفوية ماهرة، في صياغة إيقاعات الشكل وموسيقا اللون، وصولاً الى اعتماد المساحات الصافية والخالية من كل ارتجال لوني.
هكذا يرسم بحرية وارتجال وعفوية، ثم يعود ويقدم تجارب واقعية تتوقف عند تفاصيل العناصر، مطلقاً العنان لراحة الأعصاب أمام فسحة اللوحة, ومؤكداً عنصر المهارة والموهبة في التشكل والتلوين معاً.
ويتجه فداء منصور في لوحاته نحو رسم (الشكل الانساني والوجوه والكواكب والأسماك والسنابل والزهور والمراكب والطائرات والصواريخ والعناصر الأخرى) مستخدماً علاقات جمالية وتعبيرية تربطها حركة الدوائر والكرات والأقواس. وهو قادر بمرونة موهبته على ترويض وتكييف وتوليف العناصر وإبرازها عبر الحركات الخطية واللونية السريعة, ومع ذلك قد يأخذنا مرة إلى عمل يقترب من الواقعية، التي تحقق عناصر الشفافية والشاعرية اللونية وتدرجات اللون الواحد، ومرة أخرى يدخلنا في جماليات الصياغة التعبيرية العفوية، دون التخلي عن حركة الدوائر التي ارادها منطلقاً لهذا المعرض.
تداخل العناصر
يقدم فداء منصور في مجموعة لوحاته التعبيرية التي تتناول الموضوعات الإنسانية، علاقات تشكيلية تتداخل بحيوية، تمكنه من ابتكار نسيج بصري حركي يتخطى الرؤية الواقعية التقليدية، ويفتح أمدية داخل مساحة اللوحة، وباتجاه الجوهر، مؤكداً مهارة فنية تزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة، تعرف كيف تختزل الأشكال الواقعية، وتبرز مشاعره الانفعالية, حيث يتغلب الطابع التعبيري على الناحية التصويرية التسجيلية.
والحركة السريعة التي يزاولها في وضع الخطوط والألوان تلبي بعفوية مطلقة انفعالاً ذاتياً مقنعاً، وانسياقاً نحو إيقاعات ارتجالية ترتكز على الغنائية الوجدانية، في الكشف الصريح عن الأحاسيس الداخلية, لكنها رغم ما تذهب إليه من عفوية وسرعة في التنفيذ، تبقى بعيدة عن السهولة في المظهرين التكويني والتلويني.
وهو في ذلك يبقى محافظا في كل الحالات على مستوى معين من الأداء التشكيلي المرهف والحساسية البصرية الروحية. وهذا يعني أن السرعة في التشكيل لا تجعل عملا يبرز على حساب الآخر. فهو وان كان يذهب أحيانا إلى لونية مفرطة في داخلتيها وحستها عبر تكوينات خطية ومساحات لونية متداخلة بحرية وعفوية, إلا انه يقدم في النهاية لوحة متمكنة من ابتكار نسيج بصري حركي يتخطى الرؤية التقليدية، ويؤكد مهارته التشكيلية التي تزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة لها علاقة مباشرة بثقافة وفنون القرن الماضي, كما انه يحافظ على بصمته الخاصة في اعماله الواقعية.
وما هو لافت رغبته الأكيدة في البقاء ضمن حدود الأشكال والواقع، وعدم رغبته في الانجراف بالموجة التجريدية, فهو مهما انفعل يبقى على صلة بإشارات الموضوع وعناصره الحية التي تقيم علاقة بين الإحساس والتجريد أو بين الحضور والتلميح الشكلي. حتى في مجموعة لوحاته الصغيرة التي يشكلها بحركات لونية دائرية تتوسطها كرة وكأنها المركز الذي يدور حوله فلك الفنان.
تدرجات اللون الواحد
وإذا كانت اللونية العامة تتجه إلى الحركة الغنائية البعيدة عن السكونية, فهذا لا يعني أننا لا نستطيع ملاحظة تلك الدراية والحساسية في معالجة تباينات الألوان وتركيبها وحركتها، التي تطغى عليها درجات اللون الواحد احياناً كالازرق. داخل إطار اللوحة، بل أكثر من ذلك يضيف إلى هذه الدرامية ألوانا متوهجة تصل حدود البياض اللوني, وبعض الأحمر والأصفر ودرجاتهما المتداخلة.
فالرسم السريع هنا هو الحالة والجوهر الذي يطمح الفنان بلوغه والذي يخلصه من ضغط الصورة الواقعية، ويدفعه نحو عالم لوني غنائي لا يحافظ على شكل هندسي له إطاره الرياضي الصارم, بقدر ما يتجه إلى كسر التكوين الهندسية القاسية, فتصبح المساحات اقرب إلى الهندسة اللونية البعيدة عن الرزانة والدقة الرياضية. وهو في هذه الهندسة المتحررة يعمل على تسميك المساحة أو تشغيفها, وبذلك لا يجعل اللون موحدا ضمن المساحة الواحدة, كما كان متبعا في الزخرفة القديمة, إنما يقدم اللون بحساسيات بصرية متباينة، وهذا يزيد من الإيقاع الانفعالي الصادق الحاضر في مساحة اللوحة.
اللوحة هنا تفسر إحساسه ومزاجه, فإما أن يكون هادئا أثناء انجاز اللوحة, فتأتي حسب إحساسه الداخلي ملطفة ومحققة عناصر الواقعية، وإما أن يكون عكس ذلك في لوحات أخرى فتاتي ألوانها وخطوطها منفعلة وعنيفة وسريعة, ولا يعني ذلك انه لا يدرس المساحات اللونية والأشكال والمادة التي يعمل عليها للوصول إلى درجات من التوازن التكويني والتشكيل اللوني، اللذين بدا فيهما أكثر تحكما وثقة في بناء اللوحة.
انه انعكاس اللون على ذاته, ولهذا نجده يبحث بشكل يومي عن الانسجام المركب من الحركة واللون, يبحث عن ذلك الجو اللوني العفوي، الذي يعتمد كثيرا على حساسيته البصرية والروحية في وضع المادة اللونية وفي تشكيل الخطوط والتكوينات وإظهار العلاقات المركبة داخل مساحة اللوحة.
والفنان فداء منصورعلى هذا الأساس يقدم نموذجاً لفن عفوي سريع الانجاز وشديد الحساسية وبذات الوقت يقدم لوحات مدروسة بعناية مركزة، وهو في لوحاته العفوية، ينأى كثيرا عن المفهوم العام لانجاز اللوحة, وهذه ميزة من ميزات العمل بسرعة لافتة تجعل الألوان تتحرك على سطح اللوحة على شكل مساحات أو لمسات أو حركات منسابة وواثقة وماهرة.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum
التاريخ: الاثنين 29-4-2019
رقم العدد : 16966

آخر الأخبار
في سباق مع الزمن و وسط تحديات الرياح والتضاريس.. جهود لإخماد الحرائق   سوريا تقترب من رقمنة الشحن الطرقي    "موزاييك للإغاثة والتنمية الإنسانية" حاضرة في الاستجابة لمتضرري الحرائق   "الثورة" من قلب الميدان تتابع عمل فرق الدفاع المدني  الحرائق تتواصل في مواقع عديدة     استجابة لحرائق اللاذقية.. منظمة "IASO" تطلق حملة "نَفَس حقكم  بالحياة" السفير البلجيكي ببيروت في غرفة صناعة دمشق لتعزيز العلاقات الاقتصادية  ربط طلاب الكليات الهندسية في حلب بسوق العمل  متابعة المشاريع التي تُعنى بتحسين الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في حلب  وفد المنظمة العالمية للتحكيم الدولي في غرفة صناعة دمشق  الرئيس الشرع يصدر مرسوماً بتعديل بعض مواد قانون الاستثمار الشرع يشيد بجهود فريق تصميم الهوية البصرية الجديدة لسوريا مرسوم رئاسي بإحداث الصندوق السيادي لتنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية مباشرة والاستثمار الأمثل للموارد مرسوم رئاسي بإحداث صندوق التنمية للمساهمة في إعادة الإعمار مكافحة الفساد ليست خيارآ  بل أمراً حتمياً  توقيفات طالت شخصيات بارزة والمحاسبة مستمرة   "مهمشون" ومكافآت "شكلية"   ممرضون لـ"الثورة: الوقت حان للاستماع إلى نبضنا ليخفق قلب المهنة  من إدلب إلى دمشق..  "أبجد".. نحو مجتمع متضامن أساسه التعليم  تعزيز الجاهزية الرقمية في المدارس الحقلية الزراعية بحلب  BBC: طالبو اللجوء السوريون في بريطانيا.. بين القلق وانتظار قرارات لندن  وفرة في الغاز وندرة في المال..  مدير عمليات التوزيع: رخصة الغاز ليست مشروعاً تجارياً  قمة أممية للذكاء الاصطناعي.. توجيهه لخدمة أهداف التنمية المستدامة