لم يسجل الزمن على الرغم من فارق التاريخ والظروف والمعادلات الدولية الكثير من الاختلاف، بين الأمس الذي كرسه السوريون يوم الشهداء، وبين اليوم الذي يخطّون فيه رسالتهم الدائمة، حيث العدو والمحتل والغاصب لم يتبدّل، وإن غيّر في مواصفاته وخياراته، وفي لبوسه، وكل ما أقدم عليه تغيير في الأدوات، أو إضافة في الاستهداف.
فالمواجهة التي تأخذ أبعاداً.. وتضيف جبهات، تدخل اليوم في منعطف حاسم لجهة التداعيات التي تعيد صياغتها وفق معادلات سبق أن رسم ملامحها الكثير من المشاهد الجانبية، التي حاول البعض أن يلبسها جانباً دعائياً بحتاً، أو حاولوا الترويج لها على أنها مجردة من اقتباسات على الأرض، وفي أقصى حالاتها ستكون مساحة للاستهلاك الإعلامي.
في العرف السوري كل أرض محتلة ستعود، وأي وجود إرهابي سيُجتث، طال الزمن أم قصر، وفي اليقين العملي كانت القناعة أنه لن يطول، وستأتي اللحظة التي انتظرها السوريون طويلاً لاستعادة إدلب وجوارها الجغرافي والجزيرة السورية، كما تمّت استعادة بقية الجغرافيا السورية.
هنا لا يوجد استثناء، وتلك هي القاعدة التي بدت أنها الوحيدة التي لا تقبل الاستثناء، ولا تؤمن به، ولا تؤخذ وفقاً لمعطياته، حيث ما انسحب على الغوطة والجنوب وقبلهما حلب ودير الزور، لابدّ أن ينسحب عليها، وكما عادت تلك المساحات ستعود هذه، رغم ما يروّج له الكثيرون من فروق في الجغرافيا والمعادلات والقوى والتنظيمات الإرهابية، فقد خاض الجيش العربي السوري معارك كانت أقسى، وفي ظروف أصعب، وكسب التحدي فيها، وتجاوز في أحيان كثيرة المعادلات العسكرية والإحداثيات الميدانية.
التوقيت الذي كان جزءاً من معادلات سياسية وحسابات دبلوماسية وصل إلى سقفه النهائي، والأسباب التي جعلت الزمن يطول لبعض الوقت هي ذاتها الأسباب التي حددت التوقيت، وفي بعض الأحيان هي نفسها التي عجلت بتقريبه، والحسم فيه لن يطول، على الرغم من الحشد الإرهابي والاستنفار السياسي والإعلامي الموازي له بأبعاده الإقليمية والدولية.
هذا يقين السوريين الذي تترجمه إرادة تجذرت في الوجدان السوري، وكانت قوافل الشهداء هي التي رسمت معالم الطريق، وحددت بدقة بوصلة الاتجاه وتوقيته وساعة الصفر ومشتقاتها القريبة والبعيدة، ما مرّ منها.. وهذا الذي جاء حينه، لم يساوموا، ولم يهادنوا، ومضوا في طريقهم، وكان اليقين الدائم أنهم بدمائهم الطاهرة يعبّدون الطريق والدروب للنصر والتحرير.
ما أشبه اليوم بالأمس، وما أكثر الفارق بينهما.. فكثرة نقاط التقاطع أو التشابه لا تلغي مساحات الاختلاف والتباين، ورسالة السوريين في يوم الشهداء أنهم يدركون الاختلاف، ويتقنون الفارق، لكنهم بالقدر ذاته يعرفون عن ظهر قلب أنَّ اللبوس المتغير والمتبدل لا يعني اختلافاً في الطامع والمحتل، وأنَّ تجديد الأدوات واستحداث طرق الاستهداف لا يبدل في الحقيقة، بأنَّ الأرض المحتلة ستعود، والإرهاب سيندحر، وفي كل ساعة تقترب نهاية الإرهاب أكثر من سابقتها، وكل يوم يمضي يكون فجر الخلاص أقرب.
الافتتاحية
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الثلاثاء 7-5-2019
رقم العدد : 16971