الحــــــــرب العالميـــــــة الجديــــــدة

 

لعل التباين الحاصل في المواقف تجاه إيران وحزم العقوبات الأميركية المتلاحقة والمتصاعدة ضدها لم يثمر ضغطاً أوروبياً حقيقياً لوقف السياسات الأميركية تجاهها، بل ربما كبلها أكثر لناحية الحفاظ على موقف أوروبي إيجابي ومتباين نسبياً مع الموقف الأميركي، لكن من دون القدرة الفعلية على اتخاذ أي خطوة مواجهة حقيقية من إيران فيما يتعلق بملفها النووي، فالرفض الأوروبي لمثل هذه الخطوة والتخلي عن التزامات إيران المقرة في اتفاق لوزان مع الجانب الغربي جعل المعادلة صعبة لإيران في مواجهة العقوبات الأميركية، فإيران اليوم أمام معادلة صعبة تقوم على أساس الحفاظ على اتفاق لوزان شكلاً، مقابل العجز عن مواجهة ضغوط الولايات المتحدة مضموناً، أو مواجهة الولايات المتحدة مقابل خسارتها لاتفاق لوزان والموقف الأوروبي الداعم سياسياً للاتفاق.
ومن الواضح اليوم أن ترامب يريد الاستمرار في سياسة التصعيد حول العالم لتحقيق هدفين إستراتيجيين بالنسبة له:
الأول: الاستمرار في إدارة العالم بالأزمة وتوسيع رقعة بؤر التوتر والاشتباك في العالم لكبح جماح التمدد الروسي حول العالم وتقويض مناطق نفوذه الإستراتيجية.
الثاني: إشعال جبهة جديدة في الشرق الأوسط مع إيران وتوسيع نطاق اشتباكها لتحقيق هدفين على التوازي؛ إرضاء إسرائيل من خلال زيادة الضغوط على إيران ومحور المقاومة بما يعزز صفقة ترامب مع نتنياهو في المنطقة، وفي الوقت نفسه فتح باب جديد لابتزاز منظومة الخليج تحت عنوان مواجهة إيران، وبالتالي زيادة تدفقات الأموال إلى الخزينة الأميركية.
فالعالم اليوم يتجه نحو إعلان حرب عالمية بكل ما تعنيه الكلمة بين القطب الأميركي القديم والأقطاب الصاعدة الجديدة في العالم، فمن مواجهة روسيا إستراتيجياً على مستوى مناطق النفوذ في العالم، إلى مواجهة الصين اقتصادياً من خلال تقويض مشروع الحزام والطريق الصيني، وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية لحساب إسرائيل وكسب رضى لوبيات الضغط الصهيوني في الداخل الأميركي لمواجهة الملفات الضاغطة على إدارة ترامب في الداخل.
وما قامت به الولايات المتحدة في فنزويلا لم يكن حدثاً عارضاً خارجاً عن السياق العام للمواجهة العالمية، بل كان دليلاً دامغاً على تبلور الحرب العالمية الجديدة وبروز العنوان الجديد للمرحلة التاريخية الراهنة، وهو إدارة العالم بالأزمات أميركياً.
وفي هذا السياق الدولي تتحرك إيران وفي جعبتها جملة من الخيارات غير السهلة بطبيعة الحال، لأن كلاً منها له تكاليفه الخاصة ولا شيء يحقق بالمجان، فالعلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من ثقلها الوازن لن تكفي لشق الصف الغربي بين الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن إيران اليوم مطلوب منها ربما الكشف عما لديها من أوراق ضاغطة في الإقليم يمكن استخدامها لتطويع الغرب في منطقة مصالحه الإستراتيجية، فإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة التجارية والتحكم بها سيصيب الخليج بالجنون، وغيرها من الخيارات التي ترتبط بأصدقاء إيران في العالم كروسيا والصين اللتين تخوضان حرباً لا تنفصل عن حرب إيران مع الولايات المتحدة الأميركية.
لا شك أن الخيارات مفتوحة على مصراعيها، لكن تبقى اللحظات الأخيرة هي الحاسمة على مستوى المواقف عندما تبرز خيارات الاحتياطي الإستراتيجي لكل الأطراف، وعلى ما يبدو أن واقع المد والجزر طويل نسبياً، فلا حسم من الأميركي على الأقل قبل موعد الانتخابات القادمة مهما بلغ حدّ التصعيد، لا بل ربما لا يكون الحسم مطلوباً لدى الولايات المتحدة، فبقاء واقع الاشتباك حول العالم يكرس سياسة الولايات المتحدة القائمة على إدارة العالم بالأزمات، فالحسم ينهي ساحات اشتباك معينة، وأياً كان شكل الحسم ونتيجته فإنه يبلور نتائج محددة بين أطراف الاشتباك الدولي، وهذا ما لا تسعى إليه الولايات المتحدة، فواقع الاستنزاف يخدم المصلحة الأميركية، لأن ما تخوضه من اشتباك هو خارج أراضيها وفي عمق خصومها، وما تحركه من أدوات هو دول تقع في المحيط الحيوي لساحة الاشتباك وليس أدوات الداخل الأميركي أو احتياطيه، لذلك فالأغلب أن يبقى واقع الاستنزاف على ما هو عليه مع شيء من التصعيد قبيل الانتخابات الأميركية لخدمة الغرض الانتخابي داخلياً، واستهلاك قوى الأقطاب الجدد في العالم، وحصرهم في دوائر اشتباك ضيقة وموضعية لا تسمح لهم بالتمدد في مجالات حيوية جيو سياسية جديدة.

د. عفيف دلا

التاريخ: الخميس 16-5-2019
رقم العدد : 16979

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار