قمم.. قمم.. قمم.. معزى على غنم
والباقي يعرفه الجميع ولا داعي لتكراره، فصوت مظفر النواب يقرع آذان أهل القمتين اللتين دعا سلمان الأعارب والمتأسلمين إليهما للتباحث والتشاور فيما يسمونه التمادي الإيراني واعتداءاتها السابقة واللاحقة على شرايين النفط ومخازنه لإعطاء ترامب ذريعة لضرب إيران.
فترامب أكثر من غيره يعرف أنه من المستحيل أن يقدم على خطوة رعناء ضد أمة أخذت قرارها بالمواجهة مهما كانت وبأي شكل حتى لو فتحت أبواب القيامة، لكنه يريد من الأعارب والمتأسلمين بعد أن رفض الإيرانيون أن يهاتفوه أن ينزلوا الحمار عن الشجرة أو المئذنة – لا فرق – وليس أمامه إلا أن يأمر أتباعه بأن يجتمعوا في مواخيرهم (السعودية أواخر الشهر الحالي، والمنامة بوابة الخليج الجديد التي تلعب دور الكومبارس أواخر الشهر القادم، والبدء عملياً بالتطبيع مع الكيان العبري) لإطلاق المرحلة الأولى من صفقة القرن تحت مسمى خطة السلام والقمة الاقتصادية بمباركة ودعم السعودية والإمارات ومشاركتهما، وبطبيعة الحال ستنتهي بإصدار بيانات مكررة لن تقدم أو تؤخر في المشهد العام.
يقول كولن باول بأول مزوِر قضية الأسلحة الكيماوية في العراق علناً والتي كانت مبرراً للعدوان عليه: (إن السعوية لن تجد هاتفاً تحدثنا منه اذا أقدم ترامب على فعلته الرعناء) والرجل استبق القمتين بنصيحة كي لا يرفع الأعارب والمتأسلمين اللهجة كثيراً خدمة لسيدهم المهرج.. وبقراءة أخرى: إن الحرب لن تقع وعلى دول المنطقة أن تتدبر أمورها.
الوقت مناسب لهذه القمم، إذا وقعت الحرب أو لم تقع فالأعارب الذين كانوا معنيين بفلسطين، موقفاً أو كلاماً أو دعماً، تائهون بين داخل يتآكل تركيبتهم، وخارج يهدد بالإطاحة بهم، ولا يعفو عنهم إلا بقبول صفقة القرن وما عليهم إلا أن يلتحقوا بالقافلة العربية والخليجية المستمرة في تغليب فلسفة الهزيمة من أجل بقائهم.
إن المأزق الأمريكي بدأ يتضخم أكثر مما توقعت أو ظنّ صقور الإدارة، فلقد فشلت في الحرب الاقتصادية وفي جرِّ إيران إلى طاولة الإذعان، وبالتالي فإنَ صوت جرس الهاتف كما يبدو ويؤكد المسؤولون الإيرانيون، لم ولن يأتي مهما طال انتظار ترامب ومعاونيه، فإيران تملك من العنفوان والكرامة الوطنية والثقة بالحق وبالنفس وبقوّتها ما يمنعها من الاتصال والتفاوض إلا بشروطها، ثم إن أمريكا تخشى من الدخول في الحرب.
فأمريكا رغم كل ما تملكه من قدرات عسكرية هائلة، ورغم ما يظنّ أنها قادرة على زجّه في الميدان ضدّ إيران في أيّ حرب تشنها عليها، أمريكا هذه تعلم حقائق مرعبة عن القدرات الإيرانية العسكرية الذاتية والتحالفية، كما أنها تعلم أنّ مسألة حسم الحرب وفرض الاستسلام على إيران أمر ليس سهلاً أو مؤكداً، لا بل قد يكون المؤكد غرق أمريكا وأتباعها في المنطقة في وحول حرب استنزاف لا تتوقف ولا تنتهي إلا باقتلاع المصالح الغربية من المنطقة وإضافة إلى ذلك فإن أمريكا تعلم أنّ احتمال تساقط أتباعها في المنطقة إذا لم تحسم الحرب في مهلة قصيرة.
إن فكرة الحرب تشكل أضغاث أحداث وليس كما يروّج البعض ممن يشتهونها. فهي ذات تكاليف باهظة مالياً وعسكرياً إضافة إلى أن الهيبة الأمركية باتت على المحك أمام الصين وروسيا ومحور المقاومة نظراً لعجز أمريكا عن حسمها مهما امتلكت من قوة لأنها حرب من أجيال مركبة.
وكذلك التراجع التقليدي سيكلفها الكثير وسيوجد ثغرات يمكِّن القوى الندية من استغلالها والتشدد في مواجهتها مستقبلاً. إذن هي في مأزق اذا أقدمت، ومأزق إذا تراجعت، ولهذا ستأتي القمم العربانية والإسلامية تباعاً إضافة إلى بعض الوساطات لإخراج ترامب من عنق الزجاجة.
إن غداً لناظره قريب…
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 28-5-2019
رقم العدد : 16988