دائما ننتظر حكم قيمة من الآخر، دائماً لا نثق بما لدينا من إمكانيات ونلهث وراء اعتراف الآخر بنا لنقتنع أننا نقدم الجيد والأفضل، ونقتنع أننا خطونا خطوة أخرى نحو الأمام، والأنكى من ذلك أننا لا نلجأ إلى بيتنا الداخلي لنأخذ منه حكم قيمة إلا بعد أن نتلقى صفعة من الآخر فلا نجد من نحتمي به إلا بيتنا الذي نتذكره في وقت الضيقات وعندها يكون هو الأجمل والأبهى وما عدا ذلك فحضن الغريب أفضل، والنبع القريب لا يروي!
للأسف هذه حال الكثيرين وفي مجالات مختلفة، ولدى الحديث عن أمثلة مُستقاة من الواقع ومن عمق الحياة نجد أن هناك الكثير منها، ومن تلك الأمثلة نذكر:
ــ كثيرة هي المواد الإعلامية المهمة التي نُشرت في الصحف السورية وحاكت بموضوعية وحب كبيرين أداء العديد من الفنانين وقدمت رؤى عن أعمال تم عرضها خلال الشهر الكريم، حتى إن العديد منها تضمّن مغالاة في هذا الحب بدافع الحرص على درامانا ونجومها، ولكن لدى مُتابعة ما يهتم به هذا الفنان أو ذاك المخرج أو الكاتب نجد أنه لا يبدي أي اهتمام لما ينشر في الصحف المحلية، لا بل إنه على استعداد للتهليل والتطبيل لأي مادة تنشر في صحف عربية تضيء وإن جانباً واحداً من عمله، ويسارع إلى نشرها على موقعه الشخصي في مواقع التواصل على الأنترنيت، ويرى أنها شهادة قيمة وجواز مرور له ربما إلى شركات إنتاج عربية، غير آبه بكل الحب والرصانة الذي تعاطت الصحف المحلية معه ومع ما قدمه، لأن لديه أولويات أخرى.
ــ أبدى معدو برامج في التلفزيون أكثر من مرة أسفهم عن إعراض ممثلين نجوم سوريين الظهور على الشاشة المحلية ضمن البرامج الحوارية الجادة والهادفة والتي تحمل مضموناً مهماً، مبررين ذلك بحجج واهية، لنتفاجأ في ظهورهم الاستعراضي على محطات أخرى، وإجراء لقاءات تلفزيونية تكبدوا مشاق السفر والإقامة من أجلها خارج البلد، وعند متابعتها يمكن أن نكتشف من خلالها اللون المفضل عند ذلك الممثل وبرجه الصيني وأفضل أكلة يمكنه تحضيرها!.. (وطبعاً كل شيء بثمنه)، والكلام هنا لا يشمل مشاركة هذا الفنان في برامج المسابقات على الشاشة المحلية فالأمر مختلف كلياً.
ـ الأمر نفسه يحدث مع الإعلام المقروء فالعديد من الفنانين يتهربون من إجراء الحوارات عبره، لا بل منهم من يعطي موعداً ولا يحضر أبداً مما يعكس مقدار الاستهتار بالعمل الاعلامي من قبلهم، ولكن هذا الفنان أو الفنانة هم على استعداد أن يضيّعوا وقت يوم كامل للتصوير في استديو معين بعد أن يجهّزوا أنفسهم جيداً لذلك كي يتصدّروا غلاف مجلة عربية ويدور الحديث فيها عن سبب الطلاق، وإن كانوا يفضلون دخول ابنهم مجال الفن، ويفصحون عن رأيهم بعمليات التجميل لتعترف الممثلة منتفخة الوجه أنها لم تجرِ في حياتها إلا عملية تجميل بسيطة لأنفها!.
ــ يُضاف إلى ذلك ما يحدث في مواقع التصوير حين يترفع ممثلون أو مخرجون عن الحديث عن أدوارهم لوسائل إعلام محلية بحجة أنهم لا يحبون الظهور الإعلامي، وأنهم يفضلون الحديث عن دورهم بعد العرض!.. أو أنهم لا يريدون أن يحرقوا تفاصيل الدور، لنتفاجأ بأنهم أفصحوا بكل ما لديهم أمام شاشة هذا البرنامج أو ذاك فقط لأنه يُعرض على قناة معينة يسعون إلى إرضائها وأن يبقوا عند حسن ظنها بهم!.
ــ والأكثر استفزازاً من ذلك كله آلية تعاطي البعض مع الإعلام بعد عرض العمل الذي شاركوا فيه، (ويا ويل) من يحاول الاقتراب من إبداعهم حتى وإن كتب بموضوعية ورصانة، فهناك من يبقى على استعداد لتسفيه أي رأي بغض النظر من مدى صوابيته، ومنهم من يتسلح بالـ (فانز) الجاهزين للرد على أي انتقاد مهما كان فالمهم إرضاء هذا الفنان والربت على كتفه، ليس لأنه أصاب أو أخطأ وإنما لأنه غير مسموح لأحد أن ينتقد عمله، فالمسموح فقط هو التصفيق والتهليل وما عدا ذلك.. يا وليه!.
ملاحظة أولى: وسط هذا كله لا بد من القول إن هناك فنانين يمثلون الاستثناء والوجه الآخر من المعادلة، ولكن الخشية أنهم لم يعودوا يشكلون الحالة العامة اليوم.
ملاحظة ثانية: ما نذهب بالحديث عنه دافعه الحب والتمسك بأصالة فنانينا ومبدعينا وموقعهم، فعندما تكون العلاقة بين الإعلامي والفنان مبنية على أساس الثقة والحرص والحب، وعندما تكون مبنية على احترام كل منهما لعمل الآخر، وعندما يدركان أنهما على متن مركب واحد وينبغي أن يتكاملا ليسير المركب في طريقه بشكل قوي وسليم..عندها تكون العلاقة صحيحة ومؤثرة.
التاريخ: الأربعاء 5-6-2019
الرقم: 16994