في الطابق الخامس من فندق يقع في العاصمة البحرينية، كشف مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير الستار عما في جعبته من رسومات بيانية وحقائق توضح خطته الاقتصادية الرامية إلى تحقيق السلام في الشرق الاوسط التي تتطلب مبلغا قدره 50 مليار دولار. وقد دعا كوشنير القيادة الفلسطينية، التي قاطعت المؤتمر لما ينطوي عليه من دعم وتأييد لإسرائيل، إلى «إلقاء نظرة على الخطة». كما أعرب وزير الخزانة الأميركية سيفن منوشن أنه على ثقة بإمكانية جمع الأموال، مشبها الخطة الاقتصادية بمثابة المباشرة الدولية بـ «اكتتاب عام».
بيد أننا لو وضعنا التشبيهات المالية جانبا، فإننا سنرى أن المبعوث الأميركي الخاص جيسون غرينبلات قد أقر أن المؤتمر لم يقدم أي تعهدات. وأخبر الصحفيين بأن إدارة ترامب ستنتظر لترى إن كان الشق السياسي لخطة السلام (التي ستميط اللثام عنها في وقت غير محدد في المستقبل) «سيحظى بالقبول» وذلك قبل الإقدام على المباشرة بجمع الأموال.
من المسلّم به أن المؤتمر الذي استمر على مدى يومين وتضمن محادثات سرية تتعلق بإصلاح المشكلات الاقتصادية في الشرق الأوسط لن يكون ذا أهمية إن لم يصار إلى جمع الأموال لتغيير الواقع السياسي القائم.
وبدا في هذا المؤتمر أن ثمة عبارات وقضايا قد تم تجاوزها مثل عبارة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والحرب القائمة بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين في غزة، وعودة اللاجئين، وما يطمح إليه الفلسطينيون من إقامة دولة لهم.
من اللافت أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أبدت ترحيبا بما يجري في هذه الآونة من السماح للصحفيين الإسرائيليين بدخول البحرين، تلك الدولة التي لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية رسمية مع تل أبيب فضلا عن وجود جمعيات في هذا البلد تناهض قيام أي تطبيع في العلاقات مع «دولة إسرائيل» وتطلق عليها اسم العدو الصهيوني.
وفي هذا السياق قام المراسل الصحفي الإسرائيلي لقناة «13» باراك رافيد بنشر صورة له يحمل بيده كأسا من البيرة مشفوعة بكتابة تقول «بيرة لبنانية في البحرين.. وشرق أوسط جديد».
بالإضافة إلى ما ذكر آنفا، لم تكتف جريدة «ذي تايمز أوف إسرائيل» بنشر مقابلة مع وزير خارجية البحرين، الشيخ خالد آل خليفة، الذي أعلن أن إسرائيل بلد «وجد ليبقى»، بل نشرت أيضا صورا لطقوس دينية يؤديها المصلون في الكنيس الوحيد الموجود في البحرين. وفي نهاية الصلاة التي حضرها غرينبلات، ردد المصلون هتافات تقول «يعيش شعب إسرائيل». علما أنه أخبر المراسلين أن هذا الاجتماع يجب ألا ينظر إليه باعتباره فرصة لالتقاط الصور التذكارية وإنما على ما يرمي إليه من تعزيز للعلاقات بين إسرائيل ودول الخليج بشكل عام إضافة إلى مناقشة بعض القضايا الأخرى.
أما الصحفي الإسرائيلي البارز انشيل فايفر فقد كتب في صحيفة هآرتس أنه على الرغم من أن ورشة العمل لم تحقق السلام إلا أن التطبيع التدريجي للعلاقات مع إسرائيل «كان السبب وراء أهمية الحدث في البحرين».
في مقابلة أجرتها الاندبندنت مع مارك شانير، وهو حاخام بارز في نيويورك تم تعيينه مؤخرا مستشارا خاصا لملك البحرين حمد للعمل على تقريب وجهات النظر بين دول الخليج وإسرائيل، قال: «إن ورشة العمل كانت تاريخية».
يبدو أن نوعا جديدا من التطبيع قد ظهر في المؤتمر ألا وهو التطبيع مع الوضع الجديد والابتعاد عما كان يجري من طروحات حول النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، أو البحث في أمر الدولة الفلسطينية أو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية أو الحصار الذي تمارسه إسرائيل على سكان غزة أو قضية اللاجئين الفلسطينيين.
بحث المؤتمر عملية التطبيع دون أن يتعرض إلى ما يتعين على إسرائيل أن تقوم به، وعندما أشار توني بلير لضرورة التوصل إلى حل للدولتين (التعبير الذي رفضه مستشارو إدارة ترامب) مؤكدا أن الأزمة الإنسانية حلت في غزة جراء الحصار المطبق عليها، انبرى كوشنير مستنكرا ما قاله وملقيا باللوم على الفلسطينيين، واعتبر أن السبب في المآسي التي يتعرض لها الفلسطينيون ما تتخذه القيادات الفلسطينية من مواقف وإجراءات، وقلما تم التطرق إلى كلمة «إسرائيل».
وجرى أيضا توجيه الملامة إلى القيادات الفلسطينية التي لم تتوان عن اعتقال أحد رجال الأعمال الفلسطينيين الذين شاركوا بمؤتمر البحرين وذلك إثر عودته من الاجتماع. وقد قامت المخابرات الفلسطينية باستجوابه لكنها أطلقت سراحه بعد ذلك.
وكان أول نشاط لغرينبلات عقب عودته من مؤتمر البحرين حضور الافتتاح الثاني للمشروع الاستيطاني في القدس الشرقية يوم الأحد الفائت، إذ رد عبر موقع تويتر على الانتقادات التي وجهتها إليه منظمات إسرائيلية غير الحكومية قائلا: «يبنى السلام على الحقائق».
ويبدو مما ذكر آنفا أن التطبيع بدأ يأخذ شكلا جديدا.
The Independent
ترجمة :ليندا سكوتي
التاريخ: الأربعاء 3-7-2019
رقم العدد : 17015