يطرح الحديث عن إمكانية عودة تنظيم داعش الإرهابي إلى نشاطه الإرهابي السابق بعد الضربات القاسية التي تلقاها في سورية والعراق، تساؤلات كثيرة حول قدرة هذا التنظيم على إعادة تجميع فلوله من جديد والسعي لتحقيق أحلام متزعمه أبي بكر البغدادي المتواري عن الحديث والأنظار بعد تحوله إلى ما يسمى ظاهرة الذئاب المنفردة، وخاصة إذا كانت هذه المعلومات قادمة من مؤسسة أميركية معنية بالحروب كمعهد (دراسات الحرب)(ISW) المؤسسة البحثية غير الحكومية، ولعل أكبر الأسئلة هنا مادور الولايات المتحدة في هذه العودة المحتملة للتنظيم وهي التي أنشأت تحالفاً دولياً مزعوماً لمحاربته وتدخلت في سورية والعراق تحت عنوان الحرب على داعش؟.
في البداية ينبغي التوقف قليلاً عند التقرير الأميركي الذي حذر من أن التنظيم الإرهابي لم يهزم ـ وهذا مخالف للرواية الأميركية التي زعمت هزيمة التنظيم العام الماضي ـ وأن التنظيم يستعد للعودة مجدداً وعلى نحو أكثر وأشد خطورة رغم خسارته معظم الأراضي التي أعلن قيام (دولته) أو(خلافته) عليها في كل من سورية والعراق، فقد جاء التقرير الذي أعده معهد (دراسات الحرب) الأميركي تحت عنوان: (عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل).
وقال التقرير، المؤلف من 76 صفحة، إن التنظيم اليوم أقوى من سلفه (تنظيم القاعدة) في العراق في عام 2011 حين بدأ يضعف.
وأشار التقرير إلى أن تنظيم (القاعدة) في العراق كان لديه ما بين سبعمئة وألف مسلح آنذاك، بينما كان (داعش) لديه ما يصل إلى 30 ألف مسلح في العراق وسوريا في آب 2018 وفقاً لتقديرات وكالة الاستخبارات العسكرية، وهنا ينبغي التوقف عند دقة الأرقام الواردة، لأن من يملك هذه الأرقام الدقيقة حول التنظيم لا بد أنه يملك تفاصيل أوسع وأدق عن الجنسيات، التمويل والخطط والأهداف ونقاط التمركز والانتشار ـ وقد لا نبالغ إذ قلنا ـ يملك معلومات أوفى وأدق عن مكان وجود البغدادي الذي أفرج عنه من السجون الأميركية في العراق إبان الاحتلال، وقام بإنشاء تنظيمه الإرهابي تحت رعاية الاستخبارات الأميركية وبقية القصة معروفة من تسلل عناصره من العراق إلى سورية وقدوم مرتزقته من جميع أنحاء العالم عبر تركيا حليف واشنطن إلى سورية والعراق للقتال، وصولاً إلى استخدام ذريعة محاربة الإرهاب من أجل التدخل العسكري في سورية وارتكاب مئات المجازر بحق المدنيين الأبرياء في شمال شرق سورية، إضافة إلى تدمير مدن وبلدات وقرى بحجة مطاردة فلول التنظيم.
وقد لفت التقرير الأميركي ــ المطلع على خفايا استخباراتية كثيرة كما يبدو ــ إلى أن (داعش) بنى من مجموعات صغيرة من الفلول عام 2011 جيشاً كبيراً بما يكفي للسيطرة على الفلوجة والموصل (شمال) ومدن أخرى في العراق والسيطرة على معظم شرق سورية في ثلاث سنوات فقط.
وتوقع التقرير أن التنظيم سوف يستعيد قوته بشكل أسرع بكثير وإلى مستوى أكثر خطورة من القوة الأكبر بكثير التي لا تزال لديه حتى اليوم، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه وهو كيف ستحدث هذه العودة الداعشية للنشاط في ظل الوجود الأميركي في شرقي سورية وغربي العراق ما لم يكن هناك مصلحة أميركية بها، إذ كثيراً ما كشف الأميركيون عن رغبتهم بقطع التواصل الجغرافي بين سورية والعراق ومنع إيران ــ الوجود الإيراني في سورية أبرز حجج ترامب للتنصل من قرار الانسحاب ــ من مؤازرة سورية في حربها على الإرهاب، ويبدو هنا أن عودة داعش لإشغال الجيش العربي السوري وحلفائه واستنزاف قوتهم في هذه المنطقة أمر مطلوب لتمكين القوات الأميركية من البقاء طويلاً في الجزيرة السورية، بعيداً عن المواجهة مع الدولة السورية وحلفائها.
يوضح التقرير الأميركي أن التقليص بطيء الحركة للأراضي التي يسيطر عليها (داعش) واستخدام القوة التي استهلها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، واستأنفها خلفه دونالد ترامب، أعطى الكثير من الوقت للمجموعة، للتخطيط والإعداد للمرحلة التالية من الحرب.
ورجح التقرير أنه كان لدى التنظيم خطة للعودة جاهزة قبل سقوط (خلافته) المزعومة، وكان يقوم بتنفيذها أثناء الحملة العسكرية التي شنتها قوات الأمن العراقية، وما يسمى قوات(قسد) والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ولفت التقرير الأميركي إلى أن (داعش) انسحب عن عمد ونقل العديد من مقاتليه وعائلاتهم من مدن الموصل، والرقة السورية وغيرها من المدن المهمة إلى مناطق الدعم الجديدة والقديمة في العراق وسورية، حيث لا تزال قواته منتشرة الآن في البلدين وتشن عمليات تمرد. ونوه التقرير إلى أن التنظيم يحتفظ بشبكة تمويل عالمية مولت عودته مجدداً إلى التمرد، وتمكن من إعادة بناء قدراته الإعلامية الرئيسية، وكذلك الحفاظ على الأسلحة وغيرها من الإمدادات في شبكات الأنفاق ومناطق الدعم الأخرى من أجل تجهيز قوات المتمردين المجددة.
ووفقًا للتقرير، بدأ (داعش) إعادة بناء القدرات الرئيسية في أواخر عام 2018، التي ستمكنه من شن تمرد أكثر عدوانية في الأشهر المقبلة، حيث أكد زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، سيطرة أكبر على التحكم في عمليات قواته في العراق وسورية في حزيران 2018 ويقوم بإعادة تشكيل هياكل القيادة والسيطرة.
واختتم التقرير بالقول إن إعادة تشكيل التنظيم بنجاح لخلافة مادية في العراق وسوريا سيفضي إلى موجات جديدة من الهجمات في أوروبا ويضفي الشرعية على روايته عن (النصر طويل الأمد الذي لا مفر منه).
يذكر أنه لا يزال لداعش بعض الجيوب في العراق رغم إعلان واشنطن الانتصار عليه ووجود قوات أميركية على الأراضي العراقية تحت عنوان محاربة داعش، وهو يشن هجمات خاطفة من حين لآخر كما كان يفعل قبل 2014، الأمر الذي يؤكد عدم جدية واشنطن في التخلص منه لغايات باتت معروفة وعلى رأسها ديمومة بقائها في العراق كقوة تدخل في شؤونه الداخلية والحيلولة دون التعاون بين دمشق وبغداد وكذلك تقليص النفوذ الإيراني في العراق بوصفه التهديد الأكبر للمصالح الأميركية والصهيونية.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 3-7-2019
رقم العدد : 17015