نظافة حلب في صيف ملتهب.. تهديد لصحة الإنسان والبيئة  

الثورة – خاص:

مع كل صباح جديد، يجد مواطنو حلب أنفسهم أمام معركة مفتوحة مع النفايات المتراكمة، التي باتت تُشكّل مشهداً مألوفاً في شوارع المدينة وأحيائها، أكوام القمامة المتناثرة حول الحاويات، الروائح الكريهة التي تتصاعد مع حرارة الصيف، وانتشار الأمراض المنقولة عبر الحشرات والهواء، كلها مؤشرات على كارثة بيئية وصحية تتفاقم يوماً بعد يوم.

مدينة محاصرة بالنفايات

بين تلال القمامة التي تتراكم قرب المنازل والمدارس والمستشفيات، يبدو أن حلب تُركت لمصير بيئي قاتم، لم يعد الأمر يتعلق بمشهد مزعج أو سوء خدمة بلدية، بل تحول إلى تهديد مباشر لصحة المواطنين، يقول أبو سعيد، أحد سكان حي السكري: أخرج كل صباح من منزلي لأرمي القمامة، فأتفاجأ أن الحاوية ممتلئة عن آخرها، وأكوام القمامة تفيض منها، فأضطر للبحث عن حاوية فارغة، من دون جدوى.. كأن المدينة بأكملها تنوء تحت القمامة.

أمراض تتكاثر

في مركز معالجة اللايشمانيا، تستقبل الممرضة، أم علاء وأبناءها للعلاج من “حبة حلب”، أو كما تُعرف محلياً بـ”حبة السنة”، الناتجة عن لدغات ذبابة الرمل، التي وجدت في أكوام القمامة موئلاً مثالياً لتكاثرها.

تقول أم علاء: منزلنا يقع في منطقة تل الزرازير في حي السكري، والقمامة تحاصرنا من كل الجهات. لم نعد نعرف كيف نقي أطفالنا من الأمراض.

بدوره، يؤكد المثقف الصحي عبد الله أن الحالات المسجلة في المركز في تزايد مستمر، ويقول: معظم المصابين يأتون من أحياء مثل السكري، الصاخور، الشيخ سعيد، المشهد، صلاح الدين، الأنصاري… وهي مناطق تعاني من تراجع كبير في خدمات النظافة.

نقص في العمالة

يُرجع العديد من عمال النظافة والمسؤولين عن هذا القطاع الواقع المتدهور إلى نقص حاد في عدد العمال، كثير من العاملين أحيلوا على التقاعد دون تعويضهم بموظفين جدد، بينما من تبقى هم من كبار السن أو يعانون من أمراض مزمنة.

أبو هيثم، عامل نظافة في حي الكلاسة، يقول: أنا المسؤول الوحيد عن تنظيف منطقة وادي العرايس بعد أن كان هناك أربعة عمال، أبدأ عملي من السادسة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، وأضطر أحياناً لتفريغ عربة القمامة يدوياً بجانب الحاويات، لأن الضاغطة لا تأتي.

ويضيف آخرون: إن تقصير الإدارات السابقة في تقديم الرعاية الصحية والتأمينات دفع الكثيرين للعزوف عن هذه المهنة الشاقة.

حاويات مهترئة ومكبات في الحارات

ليست المشكلة في تراكم القمامة فقط، بل أيضاً في قلة عدد الحاويات وتلف الموجودة منها؛ في أحياء صلاح الدين، السكري، كرم الميسر، وبستان الباشا، يشير السكان إلى أن الحاويات لا تُفرغ إلا بفترات متباعدة، ما يدفعهم إلى رمي الأكياس في الشوارع.

يقول أبو أحمد، من سكان بستان الباشا: أحمل القمامة بسيارتي الخاصة وأنقلها إلى مكب وسيط بعيد، لأن الحاوية القريبة من منزلي امتلأت منذ أيام، ولم يأت أحد لإفراغها.

أما أبو نهاد- من حي السريان الجديدة، فيقول بغصة: الحدائق تحولت إلى مكبات، لا أستطيع حتى الجلوس في شرفتي لأن المنظر والروائح لا تطاق.

أجور لا تكفي

رغم إعلان مجلس مدينة حلب عن مسابقات لتعيين عمال نظافة، لم يتقدم أحد، والأسباب واضحة، ضعف الرواتب، انعدام التأمين الصحي، وغياب وسائل الوقاية.

مصادر في مديرية النظافة كشفت لـ”الثورة” أن إعادة هيكلة القطاع باتت ضرورة ملحة، وتقول المصادر: نحتاج موازنة مالية كافية لتوفير رواتب مجزية، حوافز، تعويض صحي، تأمين وجبات وقائية، ولباس مهني، كما أننا بحاجة ماسة لحاويات جديدة وضاغطات وكانسات، فمعظم الآليات المتوفرة متهالكة، وبعضها لا يعمل.

كما أشاروا إلى أن آليات النظافة لا تتلقى مخصصات كافية من المحروقات، ما ينعكس سلباً على عمليات الترحيل اليومية.

3000 عامل مفقود

في منتصف شهر أيار الماضي، كشف معاون محافظ حلب، المهندس فراس مصري، عن فجوة هائلة في عدد العاملين، قائلاً: مدينة حلب بحاجة إلى 3000 عامل نظافة لتغطية احتياجاتها، و1000 عامل على الأقل بشكل إسعافي.

وأشار مصري إلى وجود تعهدات من رجال أعمال ومنظمات إنسانية لتغطية أجور 700 عامل لمدة 6 أشهر، بمعدل 100 دولار شهرياً، إلى جانب تمويل إصلاح ست ضاغطات بقيمة 20 ألف دولار، لكن هذه المبادرات تبقى محدودة التأثير ما لم تُتبع بإجراءات دائمة واستراتيجية شاملة لإعادة تأهيل القطاع.

تمييز بين الأحياء

في وقت تغرق فيه معظم الأحياء الشعبية مثل السكري، الصاخور، كرم الميسر، وبستان الباشا في النفايات، يلاحظ المواطنون أن بعض الأحياء الأخرى مثل الشهباء الجديدة، شارع فيصل، الموغامبو، والسريان الجديدة تبدو أكثر نظافة من غيرها.

وتشير مشاهدات السكان إلى أن وتيرة الترحيل تكون أعلى في تلك المناطق، خاصة القريبة من المنشآت الرسمية والمراكز الإدارية، دون أن تكون هناك توضيحات رسمية لسبب هذا التفاوت في مستوى الخدمات.

صيف ساخن

مع حلول الصيف، تزداد مخاطر انتشار الأمراض المعدية بفعل الحرارة المرتفعة، التي تُسرّع من تحلل النفايات وانتشار الروائح الكريهة والجراثيم في الهواء.

ويحذر الأطباء من أن استمرار تراكم القمامة بهذا الشكل قد يؤدي إلى تفشي أمراض تنفسية، جلدية، ومعدية، تتطلب علاجاً مكلفاً ومعقداً، ما يعني أن “الوقاية” عبر تنظيف المدينة هي الحل الأرخص والأكثر فاعلية.

خلال عيد الأضحى المنصرم، استجابت محافظة حلب لمناشدات الأهالي وسارعت إلى ترحيل مخلفات الأضاحي من الأحياء المكتظة، وهو ما أراح المواطنين وترك انطباعاً جيداً عن سرعة التفاعل عند الحاجة.

اليوم، ومع تزايد شكاوى السكان من تراكم القمامة، يأمل الحلبيون أن تتكرر تلك الاستجابة الإيجابية، وأن تُعطى قضية النظافة ما تستحقه من اهتمام، خاصة مع دخول فصل الصيف وما يحمله من مخاطر صحية وبيئية.

الأنظار تتجه إلى مجلس المدينة ومديرية النظافة، والآمال معلّقة على أن تشهد المرحلة القادمة حلولاً عملية، تعيد لشوارع حلب نظافتها، ولأحيائها توازن الخدمات، وللسكان شيئاً من الطمأنينة.

آخر الأخبار
سوريا: التوغل الإسرائيلي في بيت جن انتهاك واضح للقانون الدولي محافظ درعا يحاور الإعلاميين حول الواقع الخدمي والاحتياجات الضرورية جامعة إدلب تحتفل بتخريج "دفعة التحرير" من كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال وزارة الداخلية تُعلق على اقتحام الاحتلال لبيت جن: انتهاك للسيادة وتصعيد يهدد أمن المنطقة شريان طرطوس الحيوي.. بوابة سوريا الاستراتيجية عثمان لـ"الثورة": المزارع يقبض ثمن القمح وفق فاتورة تسعر بالدولار وتدفع بالليرة دور خدمي وعلاجي للعلوم الصحية يربط الجامعة بالمجتمع "التعليم العالي": جلسات تعويضية للطلاب للامتحانات العملية مكأفاة القمح.. ضمان للذهب الأصفر   مزارعون لـ"الثورة": تحفيز وتشجيع   وجاءت في الوقت المناسب ملايين السوريين في خطر..  نقص بالأمن الغذائي وارتفاع بتكاليف المعيشة وفجوة بين الدخول والاحتياجات من بوادر رفع العقوبات.. إبراهيم لـ"الثورة": انخفاض تكلفة الإنتاج الزراعي والحيواني وسط نمو مذهل للمصارف الإسلامية.. الكفة لمن ترجح..؟! استقطاب للزبائن وأريحية واسعة لجذب الودائع  إعادة افتتاح معبر البوكمال الحدودي مع العراق خلال أيام اجتماع تحضيري استعداداً للمؤتمر الدولي للاستثمار بدير الزور..  محور حيوي للتعافي وإعادة الإعمار الوط... حلم الأطفال ينهار تحت عبء أقساط التعليم بحلب  The New Arab : تنامي العلاقات الأمنية الخليجية الأميركية هل يؤثر على التفوق العسكري لإسرائيل؟ واشنطن تجلي بعض دبلوماسييها..هل تقود المفاوضات المتعثرة إلى حرب مع إيران؟ الدفاع التركية: هدفنا حماية وحدة أراضي سوريا والتعاون لمكافحة الإرهاب إيران.. بين التصعيد النووي والخوف من قبضة "كبح الزناد" وصول باخرة محملة بـ 8 آلاف طن قمح الى مرفأ طرطوس