الثورة – ثورة زينية:
لا صوت يعلو فوق ضجيج الدراجات النارية في شوارع العاصمة دمشق التي انتشرت فيها بكثرة، في كل حارة وشارع دراجات تتجول كما لو أنها في منطقة نائية بلا رقيب ولا حسيب، ويشهد عدد الإصابات الناجمة عن حوادث الدراجات النارية في دمشق ومحيطها على خطورة الوضع الذي آلت اليه ظاهرة تفاقم وجود هذه الآليات، والذي وصل حسب شهادات أطباء من مستشفى المواساة الجامعي إلى نحو 300 إصابة فقط خلال أول يومين من العيد.
ورغم قرار محافظة دمشق الصادر بتاريخ 4 آذار 2025 منع تجوال الدراجات النارية داخل المدينة والأماكن العامة، في خطوة تهدف إلى الحدّ من الحوادث المرورية المتزايدة والحفاظ على السلامة العامة والذي كان من المقرر أن يدخل حيّز التنفيذ في 6 آذار الماضي، إلا أنه بقي حبيس الأدراج حتى الساعة.
“لم نعد نشعر بالأمان لا على أنفسنا ولا على أولادنا، ونحن نقطع الشوارع في دمشق لأنه قد تفاجئك دراجة نارية تعاكس اتجاه السير أو تقطع الإشارة المرورية ولا تلتزم بقواعد وتعليمات المرور، وقد تودي بحياة شخص ما أو تسبب له عاهة دائمة”.. هكذا وصف المواطن نبيل زمام ما يدور حالياً من فوضى مرورية وإزعاج غير مبرر تسببت به هذه الآليات غير الآمنة، موضحاً أن هذه المشكلة ليست جديدة، فهي موجودة من سنوات، لكنها تفاقمت بشكل غير مسبوق في الآونة الاخيرة.
مضيفاً: طالبنا كثيراً بوضع حد لها، ولكن للأسف لاتزال موجودة بل وتزداد كل عام عن سابقه، والحل بسيط من وجهة نظري وهو الغرامة الرادعة ومصادرة الدراجة، ويجب تنظيم حملات توعية وإرشادات لفترة معينة بعدها تتم معاقبة المخالف، ونحن ننتظر من الجهات المعنية أن تتخذ موقفاً حازماً وحاسماً لمنع هذا العبث من الشوارع.
هواية بطعم الموت
ربيعة سماق– مدرسة، قالت: ما نجده هذه الأيام من فوضى قيادة الدراجات النارية في المناطق السكنية أمر يبعث على القلق تراها منتشرة في منتصف الطريق وعلى جانبيه وعلى رصيف المشاة وفي الحارات وكل الأماكن، تعيق الحركة وتسبب الكثير من المخاطر لراكبيها ولحركة السير عموماً.
وأضافت: هناك ظاهرة قديمة متجددة تأبى إلا أن تقلق راحة السكان، وتشكل خطراً على حياتهم ومصدراً للإزعاج غير المحتمل، وهي ظاهرة هواية ركوب الدراجات النارية التي تصدر عنها أصوات مزعجة وروائح عوادم الاحتراق من محركاتها ممن ينشطون ليلاً في فصل الصيف من كل عام، سرعة جنونية وحركات بهلوانية وأصوات مرتفعة، ومما يقلق راحة السكان أنه لا يحلو لبعض الشباب ممارسة هذه الهوايات إلا في ساعة متأخرة من الليل، ما يعني أن مثل هؤلاء الشباب لا يقيم وزناً لراحة الآخرين، فهنا يقع اللوم على الأسر التي تسمح لأولادها بالخروج في هذا الوقت المتأخر من الليل بالدراجات، كما تشهد الشوارع في الآونة الأخيرة مسيرات للدراجات النارية التي تجوب الشوارع بسرعة جنونية دون مبالاة بالخطر الناتج عن هذا.
عقوبات رادعة
الطبيب وائل العلي، أكد أن الأمر يحتاج إلى تعاون المواطنين مع المرور للقضاء على تلك الظاهرة أو الفوضى، إذ ليس من المعقول وجود رجل مرور في كل شارع، وأيضاً نحتاج إلى حملات من وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لكبح جماح انتشار الدراجات النارية بشكل عشوائي.
وأضاف: لن تختفي هذه الظاهرة إلا بعقوبات رادعة أقلها مصادرة الدراجة وتغريم صاحبها غرامة كبيرة تجعله يفكر ألف مرة إذا حاول إعادة ارتكاب هذه المخالفات، وخاصة فئة المراهقين منهم، ومراجعة حالة الدراجة حتى لا يتم العبث بمحركاتها بهدف رفع الصوت، لأن رفع صوت المحرك من الإزعاجات التي يتعمد الشباب القيام بها، بهدف لفت الأنظار، فهناك من يقوم بوضع أشياء خاصة لتضخيم صوتها بشكل لا يتحمله السمع.
صعوبة المواصلات تفرض إيقاعها
في المقابل فإن الواقع الاقتصادي الصعب وصعوبة المواصلات تجعل وجود الدراجات النارية يفرض إيقاعه بقوة ليس في الأرياف أو المحافظات النائية، وإنما في العاصمة أيضاً.
أبو ربيع- بائع خضار من قرية حفير التحتا، يقول: تجنباً لتكاليف نقلها العالية بسيارات مأجورة اضطر إلى نقل الخضار والفواكه على دراجتي النارية من سوق الهال بالزبلطاني في دمشق إلى محلي الصغير في قريتي.
سامر طالب– طالب- في كلية الهندسة الكهربائية بجامعة دمشق يؤكد أن وسائل النقل محدودة جداً في قرية الروضة بمنطقة الزبداني ليس لديهم وسيلة للتنقل من وإلى مكان خدمتهم سوى الدراجة النارية، إذ إنه لا يوجد مواصلات لهم، ولا يمكنهم تحمل تكاليف النقل بالتاكسي، لذا تعتبر الدراجة النارية وسيلة النقل شبه الوحيدة المتاحة لهم.
عضو سابق في جمعية الوقاية من حوادث السير بين لـ”الثورة أن استخدام الدراجات النارية يظهر كحل على مبدأ المثل الشعبي “شو جابرك على المر غير الأمر”، لأنها غير آمنة ومخاطرها كبيرة، ولكن لا بديل عنها لصعوبة اقتناء سيارات خاصة ولصعوبة استخدام المواصلات العامة.
وشدد على أن هنالك استخدامات غير قانونية للدراجة يساعد عليها سهولة حركتها وصغر حجمها كاستخدامها في عمليات النشل والسرقة.
ضعف تطبيق القانون
يقول الخبير المتخصص في حركة المرور واصف دهمان: إن استمرار المخالفات رغم صدور التعليمات يشير إلى ضعف تطبيق القانون، ما يخلق بيئة تسودها الفوضى وعدم احترام القواعد، مشدداً على أن الأسباب الرئيسية لعدم تطبيق التعليمات بشكل كامل يمكن تلخيصها في قلة عدد عناصر الشرطة، فانتشار الدوريات الأمنية غير كاف لملاحقة وضبط جميع المخالفات، غياب الدوريات عن العديد من المناطق، فبعض الأحياء لا تشهد أي وجود فعلي لعناصر الأمن، مما يجعل المخالفين يتحركون بحرية وضعف العقوبات أو عدم تنفيذها بشكل صارم، فحتى في الحالات التي يتم فيها ضبط المخالفين، فإن بعضهم يعودون إلى المخالفات بسبب ضعف الردع والتهاون مع المخالفين أحياناً.
واقترح لمكافحة انتشار الدراجات النارية في شوارع العاصمة زيادة عدد الدوريات الأمنية، وتعزيز انتشار الشرطة في المناطق الأكثر تضرراً من الظاهرة سيساهم في الحد من انتشار المخالفات، وتشديد العقوبات من خلال فرض غرامات كبيرة ومصادرة الدراجات غير المرخصة بشكل حازم ليحد من انتشارها، إضافة لتركيب كاميرات مراقبة وحملات توعية مستمرة، من خلال تنظيم حملات إعلامية وتفعيل شكاوى المواطنين، ومنح السكان دوراً في الإبلاغ عن المخالفات عبر تطبيقات أو أرقام طوارئ قد يعزز جهود ضبط المخالفين.
بين القرارات التي تصدر والواقع الذي لم يتغير، تبقى مشكلة الدراجات النارية في دمشق قائمة، مما يستدعي إجراءات أكثر حزماً في التنفيذ.
إن القضاء على هذه الظاهرة لا يتطلب تشديد القوانين فقط، بل يتطلب أيضاً تفعيل الرقابة، وتضافر الجهود بين الجهات الأمنية والمجتمع المدني لتحقيق بيئة أكثر أماناً وهدوءاً للجميع.