الثورة – فؤاد الوادي:
تحمل زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى روسيا الكثير من الدلالات والأبعاد الاستراتيجية التي يمكن أن تشكل خطوة حقيقية على طريق ردم الهوة بين البلدين وفتح صفحة جديدة تقود إلى إعادة مسار العلاقات إلى سكته ووجهته الصحيحة.
الشيباني يحمل في جعبته الكثير من الملفات والقضايا الإشكالية، والتي أدت إلى شرخ كبير في علاقات البلدين ، خصوصاً تلك الموروثة عن النظام المخلوع، والتي يحتاج حلها إلى مقاربة روسية مختلفة تحاكي من جهة مرحلة ما بعد انتصار الثورة وسقوط الأسد، وتحاكي من جهة أخرى طموحات الشعب السوري في استثمار العلاقات مع روسيا بالشكل الأمثل والصحيح، لاسيما وأن دمشق تدرك جيداً أهمية الدور والتأثير الروسي في قضايا وملفات المنطقة.
الزيارة التي تعد الأبرز لمسؤول سوري منذ اندحار النظام المخلوع ،والذي كان الحليف الأهم لموسكو في المنطقة، تأتي وسط ظروف صعبة وتحديات داخلية وخارجية بالغة الخطورة، يضاعفها تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، وهو الأمر الذي يزيد من أهميتها، كونها تعد امتداداً للجهود الدبلوماسية والسياسية الاستثنائية التي ما تزال تقوم بها دمشق لإعادة بناء علاقاتها مع دول العالم على أسس صحيحة وراسخة، بعيداً عن كل المشاريع والآجندات الأيدلوجية التي كانت تتلطى خلف القضايا القومية والوطنية لاستخدامها وسيلة وذريعة لقهر وقتل السوريين وتجويعهم وابتزازهم، وإحكام طوق الاستبداد والفساد حول عنقهم “إلى الأبد”.
ضمن هذا السياق، تحمل هذا الزيارة أبعاداً استثنائية، لاسيما لجهة توقيتها الذي يأتي في مرحلة حساسة وفاصلة في تاريخ سوريا، مرحلة متخمة بالرهانات والاستهدافات المتواصلة من قبل أعداء الوطن في الداخل والخارج للنيل من الدولة السورية الجديدة، وإنجازاتها الكبيرة خلال الأشهر القليلة الماضية ، ولعل جزءاً من تلك الاستهدافات يرتبط بمحاولات البعض في الداخل السوري التغريد خارج السرب والمطالبة جهراً وعلناً بالتقسيم والانفصال والاحتماء بالخارج، واستدعاء التدخل الدولي والإسرائيلي.
ملفات كثيرة هامة على طاولة البحث، يتصدرها ملف العدالة الانتقالية الذي يحتاج دعماً وتعاوناً روسياً، على اعتبار أن الكثير من مجرمي الحرب وقتلة الشعب السوري موجودين على الأراضي الروسية، وفي مقدمتهم رئيس النظام المخلوع، لكن يمكننا القول إن جميع تلك الملفات التي سوف تكون مجال بحث ونقاش، تتقاطع وتلتقي جميعاً تحت عنوان عريض جامع ، هو ” تصحيح مسار العلاقات بين دمشق وموسكو على أسس صحيحة وسليمة) ، ذلك أن حل كل القضايا يمر عبر تصحيح هذا المسار، خاصة وأن للبلدين وبحسب ما قاله الوزير الشيباني اليوم ،رغبة مشتركة في فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما تقوم على أساس الاحترام المتبادل.
يذكر أن الوزير الشيباني والوفد المرافق له كان قد وصل صباح اليوم إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة رسمية لبحث علاقات البلدين وعدد من الملفات والقضايا المشتركة.
وعقب محادثات له مع نظيره الروسي، قال الشيباني :إن سوريا فتحت أبوابها للعالم منذ الإطاحة بالنظام البائد، وتتطلع لإقامة علاقات دولية قائمة على أساس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، مضيفاً أن سوريا تتطلع إلى تعاون وتنسيق كامل مع روسيا لدعم مسار العدالة الانتقالية فيها بما يضمن إعادة الاعتبار للضحايا.
وأكد وزير الخارجية أن العلاقات السورية الروسية تمر بمنعطف حاسم وتاريخي، والتعاون مع روسيا يقوم على أساس الاحترام.
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد قال بدوره:” إن روسيا تتطلع لتكثيف الحوار مع دمشق واتفقنا على التعاون لتجاوز التحديات كما أكدنا حرصنا على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا واحترام سيادتها واستقلالها”.
وشدد لافروف على دعم بلاده تنمية العلاقات الثنائية على أساس الاحترام والمصلحة المتبادلة، مضيفاً أن الخطوات التي اتخذتها سوريا وأعلن عنها الرئيس الشرع ستساعدها على تجاوز الأزمة التي تمر بها.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قد قالت في وقت سابق، إنه من المقرر أن يناقش الطرفان القضايا الراهنة، إلى جانب ملفات دولية وإقليمية ، بحسب ما ذكرت وكالة “تاس”.
وفور تولي الرئيس الشرع مهامه كرئيس لسوريا، تلقى اتصالاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هنأه خلاله بتوليه مهام الرئاسة، كما زار نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف دمشق والتقى كبار المسؤولين.
وأعلن لافروف في وقت سابق أن موسكو تعتزم إجراء مزيد من الاتصالات الرفيعة المستوى مع سوريا، مشيراً إلى أن “السلطات السورية الجديدة تؤكد علناً ضرورة احترام الطبيعة الاستراتيجية والتاريخية لعلاقاتنا”.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية “الكرملين”، دميتري بيسكوف، إن روسيا لديها “مصالح خاصة” في سوريا، ويجب عليها تأمين هذه المصالح من خلال الحوار مع السلطات السورية الحالية، مشدداً على ضرورة التعامل مع من هم في موقع السلطة الفعلية في البلاد.