الثورة – خاص
حذّر تقرير صادر عن “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” من أن غياب العدالة الانتقالية والمساءلة عن الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد المخلوع يهدّد بتفاقم العنف الطائفي في سوريا خلال المرحلة القادمة، مؤكداً أن معالجة هذه الملفات بشكل عادل وشفاف بات من أكثر التحديات إلحاحاً أمام الحكومة السورية الجديدة.
وبحسب التقرير، الذي أعدّه كيلا كونتز وغرغوري ووتز، فإن حالة الغموض المحيطة بملف المساءلة القانونية، والالتباس في تصنيف من يُعتبر “مذنباً” أو “مُعفى عنه”، إلى جانب استمرار حرية بعض الشخصيات المعروفة بارتكاب جرائم جسيمة، قد فجّرت “غضباً شعبياً واسعاً”، غالباً ما يأخذ أبعاداً طائفية.
ولفت التقرير إلى أن استجابة الحكومة لملف محاسبة مجرمي النظام كانت متذبذبة، تفتقر إلى الاتساق والتواصل المؤسسي الفعّال، ففي حين نُشرت تقارير رسمية عن اعتقال بعض المسؤولين رفيعي المستوى المتورطين في مذابح موثّقة، إلا أن العشرات من المخبرين والموظفين الأمنيين من ذوي الرتب الدنيا لا يزالون يتحركون بحرية، رغم تلقي الجهات الأمنية شكاوى مستمرة من الأهالي حولهم.
وأضاف التقرير أن ما زاد المشهد تعقيداً هو ما يسمى بـ”عملية التسوية”، التي أطلقتها القيادة الجديدة في كانون الأول/ديسمبر، والتي هدفت إلى تسجيل عناصر الأمن السابقين في سجلات مدنية مؤقتة.
كما لفت التقرير إلى تنامي الإحباط لدى عدد كبير من المتضررين من النظام السابق الذين لطالما انتظروا محاسبة رموز النظام المخلوع، إذ يرى كثيرون أن العدالة تسير بوتيرة بطيئة، ما يدفع بعض الأفراد إلى اتخاذ خطوات انتقامية فردية.
ووفق التقرير، “يخشى” عدد من أبناء الساحل السوري أن “تتحوّل إجراءات المساءلة إلى عقاب جماعي يستهدف مجتمعهم بأسره”.
تلك المخاوف الذي تحدث عنها التقرير تنافي تصريحات الحكومة السورية منذ سقوط النظام السوري، وذلك عبر تصريحات مختلفة لمسؤولين سوريين في عدة مناسبات، حيث أكدوا على محاسبة المتورطين بارتكاب جرائم بحق السوريين بعيداً عن طوائفهم وانتماءاتهم.
واتهم التقرير “لجنة العدالة الانتقالية” بما وصفه “افتقار” اللجنة للشفافية، مشيراً إلى مخاوف من اقتصار عملها على جرائم النظام السابق، دون التطرّق إلى الانتهاكات التي وقعت بعد سقوط الأسد.
ولمنع الانزلاق نحو مزيد من الانقسام المجتمعي، دعا التقرير الحكومة السورية إلى التحرك السريع نحو تنفيذ عدالة شفافة وفاعلة، تشمل محاكمة المتورطين في جرائم الحرب، ووضع سياسة عفو واضحة ومعلنة.
أما على الصعيد الدولي، فقد شدد التقرير على أهمية الدور الأميركي في دعم مسار العدالة الانتقالية، من خلال “الاستمرار في تمويل المنظمات غير الحكومية الدولية التي تمتلك خبرة فنية قادرة على بناء قدرات لجنة العدالة الانتقالية في سوريا، والاستفادة من الوثائق الضخمة التي تم استردادها من مراكز النظام العسكرية والأمنية، مع توفير الدعم البشري والتقني اللازم لتحليلها واستخدامها في الملاحقات القضائية.
وختم التقرير بالتأكيد أن مصير العملية الانتقالية في سوريا يتوقف على قدرة الحكومة الجديدة على تحقيق العدالة الفعلية، بعيداً عن الاعتبارات السياسية أو الطائفية، باعتبارها حجر الأساس لأي استقرار طويل الأمد في البلاد.