الملحق الثقافي:رشا سلوم:
مئة وسبعة أعوام على ولادة سعيد عقل الشاعر اللبناني الذي ملأ الكون بما قدمه، ولعل في طليعته، أو أكثره شهرة خوالده في دمشق التي تعني الكون كله، ازداد الخلود بصوت فيروز، في محطات حياته الكثير، ورحلة عمره الطويلة ثرة بكل ما هو غريب وعجيب ومبدع.
وُلد سعيد عقل في 4 تموز /يوليو عام 1912 في مدينة زحلة اللبنانية. تلقى عقل علومه الابتدائية في مدرسة المعلمة صوفيا في زحلة. في حين أمضى المرحلة الثانوية في مدرسة الأخوة المريميين التي عرفت لاحقاً بالكلية الشرقية.
أدى إفلاس والد سعيد عقل عام 1927 وبيعه لأراضيه إلى هجرة أخ سعيد المعروف باسم عقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. في حين أُجبر سعيد على ترك المدرسة والبحث عن عمل. وفي عام 1930 انتقل سعيد عقل إلى بيروت ليعمل فيها حيناً كمدرس وحيناً آخر محرراً في بعض الصحف.
عاد بعد ذلك إلى الدراسة حيث التحق بمعهد الحكمة عام 1939، ودرس في مدرسة الآداب العليا الفرنسية عام 1943. ورغم أن عقل درس اللاهوت والأدب والتاريخ الإسلامي، لكنه لم يحصل على أي شهادةٍ جامعية. عمل سعيد عقل أيضاً كمحاضرٍ في العديد من الجامعات اللبنانية والمعاهد السياسية في لبنان.
الكتابة
بدأ سعيد عقل مسيرته في الكتابة مع انضمامه إلى جريدة الوادي في زحلة، حيث كان مؤسس هذه الجريدة هو الشاعر بشارة الخوري الملقب بالأخطل الصغير.
تعلم سعيد عقل أموراً كثيرةً عن الآداب السنسكريتية والصينية والفينيقية من خلال ملازمته لمكتبة ضابط فرنسي. كما قام عقل بالتدريس في مدرسة الآداب وفي معهد الآداب التابع للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة التي أنشأها ألكسي بطرس. قام أيضاً بالتدريس في دار المعلمين، ثم في الجامعة اللبنانية (علماً أنه لم يكن حاصلاً على أي شهادةٍ جامعية). بعد ذلك انتقل إلى جامعة الروح القدس ليدرس فيها تاريخ الفكر اللبناني، وكذلك أعطى دروساً في اللاهوت في الكسليك.
دخل بعد ذلك مجال الكتابة والتحرير من خلال عمله لصالح بعض الصحف، حيث حرر في جريدة البرق، التي كان مؤسسها الشاعر بشارة الخوري الملقب بالأخطل الصغير. وعمل في صحيفة المعرض لصاحبها ميشال ذكور وصحيفة لسان الحال لخليل سركيس وجريدة الجريدة لجورج نقاش والصياد لسعيد فريحة.
أخذت كتاباته بالانتشار والشهرة، فقد نال جائزة الجامعة الذهبية للرواية عام 1935.
عام 1950 استأجر عقل بالاشتراك مع جورج غرة مدرسة مار أفرام للسريان الكاثوليك، وحولها من مدرسةٍ ابتدائية إلى ثانوية، وسماها كلية مار أفرام. ازدهرت كثيراً في عهده وانهارت كلياً عندما تخلى عنها، فانتقلت إلى القطاع العام عام 1966.
من الإنجازات الأدبية لسعيد عقل كتابته أكثر من مئةٍ مقدمةٍ لكتب مشاهير. وتناولت هذه الكتب جوانبَ متنوعة كالفكر والفن والشعر والسياسة. كما كُتب عن شعر عقل نحو أربعين أطروحة دكتوراه وماجستير.
كان من بين الأهداف السياسية لسعيد عقل، وصوله إلى كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية. وترشح لهذا المنصب، ولكنه لم ينجح في بلوغه. كما خاض الانتخابات البلدية عام 1963 وخسر بفارق ثلاثين صوتاً.
شعره الغنائي
كتب عقل للمبدعة فيروز العديد من القصائد الفصحى والعامية، وهو من أطلق على فيروز لقب سفيرة لبنان إلى النجوم. ومن أشهر هذه القصائد: مشوار، والقدس، وغنيت مكة، وسائليني يا شآم.
من أشهر المؤلفات الشعرية «بنت المفتاح» عام 1935 –و»المجدلية» عام 1937 و»رندلي» عام 1950 و»أجمل منك لا» عام 1960 و»يارا» عام 1960.
أما أشهر مؤلفاته النثرية فهي: «النخبة في الشرق» عام 1954 و»لبنان إن حكى» عام 1960، وتُرجم إلى الإسبانية.
تحتل الأعمال الشعرية معظم إنتاج سعيد عقل، ووفقاً لإحصائيةٍ قامت بها هند أديب، فقد كتب عقل 3521 بيتاً غنائياً من أصل 5564 بيتاً، أي حوالي الثلثين، وذلك خلال 23 عاماً. وعلى صعيد القصيدة، فقد كتب 233 قصيدةً غنائية من أصل 356 قصيدة.
في 3 تموز/ يوليو 2012 ، احتُفل ببلوغه المئة عام في قداسٍ احتفالي في دير مار سركيس وباخوس في بلدة قرطبا، جبيل، ولكن تعذر عليه الحضور بسبب ظروفه الصحية.
اشتهرت قصيدة «سائليني يا شآم» من بين قصائده الكثيرة، وغنتها فيروز، وطبقت شهرتها الآفاق. وهي من بين القصائد الفريدة في تاريخ الشعر العربي. يقول سعيد عقل:
سَائِلِيني حينَ عَطَّرْتُ السَلامْ
كيف غارَ الوَرْدُ واعْتَلَّ الخُزَامْ
وأنا لَوْ رُحْتُ أسْتَرْضِي الشَذَا
لانْثَنَى لُبنانُ عِطراً يا شَآمْ
ضِفَّتاكِ ارْتَاحَتَا في خَاطِرِي
واحْتَمَى طَيْرُكِ في الظنِّ وَحَامْ
نَقْلَةٌ في الزهرِ أمْ عَنْدَلَةٌ
أنتِ في الصَّحْوِ وتَصْفِيقُ يَمَامْ
أنا إنْ أَوْدَعْتُ شِعْرِي سَكْرَةً
كُنْتِ أنْتِ السَّكْبَ أوْ كُنْتِ المُدَامْ
رُدَّ لِي مِن صَبْوَتِي يا بَرَدَى
ذكرياتٍ زُرْنَ في لَيَّا قَوَامْ
لَيْلَةَ ارْتَاحَ لَنَا الحَوْرُ فَلا
غُصنٌ إلا شَجٍ أوْ مُسْتَهَامْ
وَجِعَتْ صَفْصَافَةٌ من حُسْنِهَا
وَعَرَى أغصانَها الخُضْرَ سَقَامْ
تَقِفُ النَّجمةُ عن دَوْرَتِها
عِنْدَ ثَغْرَيْنِ ويَنْهَارُ الظَّلامْ
ظَمِئَ الشرقُ فَيَا شامُ اسْكُبي
واملأي الكأسَ لَهُ حتّى الجَمَامْ
أهلُكِ التاريخُ من فُضْلَتِهِمْ
ذِكْرُهُمْ في عُرْوَةِ الدهْرِ وِسَامْ
أُمَوِيُونَ فإن ضِقْتِ بِهِمْ
أَلْحَقُوا الدنيا بِبُستانِ هِشامْ
أنا لَسْتُ الغَرِدَ الفَرْدَ إذا
قُلْتُ طابَ الجَرْحُ في شَجْوِ الحَمامْ
أنا حَسْبِي أنَّني من جَبَلٍ
هُوَ بين اللهِ والأرض كلامْ
قِمَمٌ كالشمسِ في قِسْمَتِها
تَلِدُ النورَ وتُعْطِيهِ الأنامْ
التاريخ: الثلاثاء9-7-2019
رقم العدد : 16019