الملحق الثقافي:نبوغ أسعد:
أسلوب آخر يستخدمه الأديب مالك صقور في مجموعته القصصية «السماء ليست عالية»، وهو الأسلوب الساخر الجاد أي يجمع بين التهكم والواقع المرير، وبين النقد بشكل مضحك مبك أحياناً.
هكذا تبدو جلية قصص مالك صقور. وعندما يتجول القارئ مع أحداثها يخال له في أول مدخله للنص أنه أمام حركة سهلة يمكن أن يكتبها أي إنسان عادي. وعندما يتابع القارئ الحركة التفاعلية للحدث، يشعر أن هناك امتناعاً صريحاً عن إمكانية التوغل في مثل هذه الكتابة لأي كان. فالمواضيع التي تأتي بالمجمل هي مواضيع مبتكرة، وقصة «السماء ليست عالية» دليل واضح على أن النص السردي عند صقور نص جديد، لأنه يمزج ترف التاريخ بما يمتلكه من متناقضات ليصل في النتيجة إلى هيكلية أدبية صادمة ومؤثرة على ذهنية المتلقي أو القارئ، لأن خاتمة النص هي خاتمة تحتمل السخرية أكثر من الجد، وإن كان الناتج هو الوصول إلى الواقع الجاد.
وإن كانت قصة مرثية صادمة جداً لما تحمله من انعكاس للواقع، إلا أنها تخفف من ورطة الصدمة بما تحمله من دهشة في مكوناتها.. الألم والمرارة وطغيان الوجع على مجتمع يحلم بالانتقال إلى واقع آخر، لكنه في النتيجة يصطدم بالماضي والحاضر الذي يهدد بسوء المستقبل، فما بني على باطل سيبقى باطلاً.
السمة الإبداعية التي جاءت خلال لقطة سائق السيارة (هي.. هي) تروح من خلال هاتين اللقطتين العاديتين إلى تقديم انعكاسات الواقع.. وإن كان الأديب لم يستخدم الزخرفة اللغوية والشطح الخيالي.. إلا أنه تمسك ببنيان شائق وصل فيه إلى نتيجة إبداعية ارتقت بالذي قدمه إلى مكان ليس بقليل.
القصتان الأخريان «شهوة للشتاء» و»جرح وملح»، وإن اختلفتا في الموضوع فهما تحملان الإشارات التي لا تشبه بقية النصوص إلى نقد الفساد والعمل على كشف الحقيقة التي ذهبت إليها النصوص الأخرى.
ويحاول الكاتب في طريقته الإبداعية أن يربط العنصر الحكائي بين الحاضر والماضي بلفتة فنية عاجلة تسرقنا من قلب الحاضر إلى حضن الماضي وما يكتنز به من ذكريات أحلاها مر، لا يستطيع الزمن مهما طال أن يمحو طعم المرار وفضله، وإن كان سيئاً، في أخذ العبر والحكم لتكون لنا درساً وعوناً على قهر الحياة وعوائقها.
مجمل القصص عند صقور هي من الواقع لها أهداف سامية للحفاظ على المبادئ والقيم التي تتمسك بها شريحة الفقراء والمضطهدين من قبل نماذج أخرى مختلفة بمفاعلات الخير والشر والتناقضات الفكرية والمفارقات الاجتماعية.. لتصل لنا بهذا المستوى الفكري الغني بالثقافة الواسعة والإبداع المتميز في استحضار الحدث الذي يتأرجح بين ضفتي الحاضر المهشم وقسوة الماضي، معلناً استنكاراً واستهجاناً لكل أنواع الفساد والجهل، ليبقى الإنسان في بوتقته صاغراً مجرداً من أبسط حقوقه وهو الذي خلقه الله ليكون حراً عزيزاً ومكرماً.
السماء ليست عالية، ورغم قلة عدد صفحاتها التي لم تتجاوز المئة صفحة، فإنها تكثف أحداثاً ووقائع ليست بالهينة، تعالج قضايا اجتماعية وإنسانية مهمة مازالت تتفشى في أوصال الأمم بفعل الخوف وعدم الجرأة على قول الحقيقة التي تؤلم كل من يساهم في بناء جدار الظلم لتخلوا لهم ساحات الفساد.
التاريخ: الثلاثاء9-7-2019
رقم العدد : 16019