بين البحث عن مخارج للأزمة الناتجة عن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وما تلاها من تصعيد متدحرج على صلة بها، وبين حفظ ماء الوجه الأميركي، ثمة مسافة فاصلة لا يمكن بأي حال من الأحوال الوصول إلى نتائج حاسمة من دون معرفة الكثير من التفاصيل الملحقة وما تعنيه في سياسة المواجهة القائمة.
المحاولات التي بدت على محدوديتها تفتح الباب أمام ترقب لما ستؤول إليه، وهل بمقدورها أن تؤمن الحد الأدنى لما هو مطلوب منها في لجم التصعيد وإبعاد الأميركي عن سياسة حافة الهاوية؟ خصوصاً أنه ذهب بعيداً وبالغ في صعوده على الشجرة، في وقت لم يبدِ الكثيرون اهتماماً بتأمين السلّم الذي يحتاجه، ومن اهتم لا يمتلك عوامل كافية أو قدرة على توفير ذلك.
الفرنسيون الذين بادروا إلى التقاط فرصة اللحظة الأخيرة يجزمون أن دورهم وحده لا يكفي، ولديهم القناعة المطلقة بأن الأوراق التي يملكونها ليست ذات جدوى بالقياس إلى ظروف الأزمة وتعقيداتها وتداخل العامل الثنائي بالدولي، واختلاط الحسابات الإقليمية والدولية، وتشابك المعادلات بين محرض ينفخ في رماد النار المتقدة، ومن يحذّر من العواقب، لكنه لا يملك أكثر من ورقة التحذير من التداعيات والمخاطر والانعكاسات.
وفق هذا المعيار ثمة شكوك وهواجس ترتفع كل يوم، خصوصاً أن المبادرة الفرنسية تأخرت كثيراً، وبعض جوانبها يبدو هلامياً وهشاً، وبعضها الآخر قابل للتفسير المزدوج والتأويل في غير موقعه، فيما ضمانات التنفيذ تبدو غير كافية للبدء بالخطوة الأولى، وهو ما يثير المخاوف من محدودية الدور الفرنسي، يُضاف إليها غياب الرؤية الفعلية للبدائل الحقيقية التي يمكن أن تشكل نقطة ارتكاز تصلح للبناء عليها.
فالتجربة راكمت على مدى السنوات الماضية الكثير من الهواجس والشكوك بمدى الالتزام الأميركي بأي اتفاق أو معاهدة، خصوصاً أن الإدارة الحالية فقدت آخر ما في الجعبة من مصداقية بعد تكرار التجارب معها، والتي تجزم باستحالة الوثوق بوعودها، والأخطر هو البناء على هذا الأمر في هذا الوقت الضيق، وربما بعد فوات الأوان، حيث المناورة محدودة والخيارات فيها قليلة والهامش المتاح أقل.
والسؤال.. عندما كان هناك متسع من الوقت أين كانت تلك المحاولات؟ أم إن للأمر أبعاداً أخرى وأسباباً لا تتعلق بمحاولة حل المعضلة، ولا الرغبة في عدم إيصال الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك، بقدر ما هي محاولة لحفظ ماء وجه الأميركي قبل أي شيء آخر، بدليل أن المواجهة واحتمالاتها التي كانت تلوح في الأفق لم تستدعِ تحركاً، والأوروبيون ذاتهم تعاملوا مع التحذيرات الإيرانية من نفاد الوقت بكثير من اللامبالاة، ولم يأخذوا تلك التحذيرات على محمل الجد.
الأهم أن الأوروبيين لم يعتادوا التحرك من تلقاء أنفسهم، وخصوصاً حين يتعلق بأمر يخص أميركا ورعونتها، ليقينهم بأنه لا جدوى منه من جهة، وعدم امتلاكهم الجرأة من جهة ثانية، وكل ما ذهبوا إليه بمن فيهم الفرنسيون كان من أجل تأمين سلّم ينزل عليه الأميركيون، وما عدا ذلك ليس للأوروبيين فيه ناقة ولا جمل، وهم الذين بلعوا لسانهم وراوغوا وسوّفوا طوال الأشهر الماضية…!!
بقلم رئيس التحرير عـلي قـاسـم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الأربعاء 17-7-2019
رقم العدد : 17026