الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
عبد الله عبد هو قاص سوري، عاش في الساحل السوري، عاملاً وكادحاً، وثقف نفسه بنفسه، وحاز الشهادة وتابع تعليمه، فعُجن بالعمال وعُجنوا به!! وانتمى إلى الأدباء فكان محلقاً.
صوّر في أدبه وإبداعاته الكثير من معاناة العامل الإنسان، الفقير، والكادح. وأخلص لأدب الطفل وللكتابة فيه من خلال الدوريات الموجودة في سورية وعلى رأسها مجلة أسامة للأطفال.
كان عبد الله عبد نشطاً جداً غير أنه لم يحظَ بالدراسة والتقويم، ولم يلتفت إليه الدارسون كثيراً، لأن هذا الأديب لم يعمر طويلاً، وكان إبداعه بعيداً عن المركز نوعاً ما.
والكتاب الذي نتناوله اليوم بالعرض والذي يحمل عنوان (عبد الله عبد… القاص المنسي)، إعداد وتوثيق: د. إسماعيل مروة، ونزيه الخوري، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يتضمن وقائع ندوة الأربعاء الثقافية التي احتفت بهذا القاص المنسي.
الطفولة
افتتح الأديب حسن م. يوسف مداخلته هذه بالحديث عن منشأ عبد الله عبد، مبيناً أن هذا الأديب ولد في مدينة اللاذقية في ٨ تشرين الثاني من عام ١٩٢٨. في عام ١٩٤٨ حصل على شهادة البكالوريا ليعمل بعدها معلماً في قرية التركمان، ثم لينتقل لاحقاً إلى مدينة اللاذقية كموظف في المحجر الصحي للعمل على مكافحة البعوض.
في عام ١٩٦٠ يبدأ عبد الله عبد العمل في إدارة التبغ في اللاذقية، ثم يسجل في كلية الفلسفة في جامعة دمشق، متابعاً دراسته، ويتخرج فيها عام ١٩٦٦، ويستمر في العمل في (الريجي) دون تعديل وضعه الوظيفي، حتى وفاته في صبيحة ٤ أيلول عام ١٩٧٦ إثر نوبة قلبية، قبل أن يتم الخمسين من عمره.
يتابع حسن م. يوسف مداخلته متناولاً موضوعة القصة عند عبد الله عبد، موضحاً أن القصة عنده تولد ويولد شكلها المتميز معها؛ فعبد الله عبد في مجمل قصصه يأخذ شخصياته وأفكاره من قاع المدينة، من الأزقة الضيقة والبيوت المتراصة، من البؤس الذي يعانيه والبؤس الذي يعيشه مع الناس من حوله. وحينما يتوجه في قصصه إلى الأطفال فإنه يحترم قراءه الصغار بقدر احترامه لقرائه الكبار، وربما أكثر. فهو يخاطب الطفل كصديق له ولا يغالي في التأستذ عليه، كما يحترم ذكاءه ولا يستخف بقدراته. وهو أيضاً عبر قصصه تلك يعمل على تقريب المفاهيم المجردة بما يتناسب ومستوى الإدراك لدى الطفل، ويسعى إلى تحريره من محدودية واقعه كي ينطلق بخياله إلى عوالم أخرى. يسنده في ذلك سلاسة الأسلوب الذي اتسمت به قصصه مما ساهم في نجاحها بسهولة في استدراج الطفل القارئ كي يشارك أبطال القصة في مشاكلهم ومواقفهم وأوضاعهم.
من القصة إلى الرواية
في هذه المداخلة يؤكد د. عاطف البطرس بأن المرجعية الواقعية لعبد الله عبد، وموقفه من المظلومين، وانحيازه إلى أبناء الفئة الاجتماعية التي خرج منها، تبقى أهم مكوناته الفنية والفكرية التي تجسدت فنياً في أعماله الإبداعية.
فعبد الله عبد في مجمل أعماله اعتمد البساطة دون الوقوع في فخ التبسيط، معتمداً على حبكة مشوقة، بلغة سهلة تتجاوز الواقع دون أن تقطع صلتها به. كما أن اللغة لم تسرقه كما فعلت عند غيره من كتاب القصة والرواية، إذ إنه بقي أميناً للسرد وليس للغة بوصفها إنشائية متعالية. فهو لم يؤخذ بحداثوية الشكل مفصولاً عن المضمون، ولم تسرقه ألاعيب وحذلقات من ادعوا الحداثة لإبهار الناس. وعليه فإن عبد الله عبد قد احتل مكانته ككاتب قصة قصيرة بامتياز، كما أن الكثير من قصصه يخرج نصه السردي عن بنية القصة القصيرة ليقارب مفهوم الرواية أو يلمس ضفافها، وهذا ما دفعه للانتقال من القصة القصيرة إلى الرواية التي لم يكتب منها سوى رواية واحدة فقط قد يكون الموت المبكر هو من دفعه إلى الإحجام عن مواصلة الخوض في هذا الجنس الأدبي، أو ربما نتيجة اكتشافه الباكر أن مكانته في السردية السورية العربية تتأتى من القصة وليس من الرواية.
التراث في قصصه
في هذه المداخلة يرى د. إسماعيل مروة أن القاص والأديب عبد الله عبد والذي تعلم متأخراً، وحاز شهادته، ولم يمنعه من ذلك أي مانع، قد تأثر بالأدب العربي القديم، وتأثر بالقرآن الكريم، وتأثر بحكايا الجدات، وبالموروث، والمثل التي تركت أثرها في أدبه، وتمثل قصته (السيران ولعبة يعقوب) قمة هذا التأثر.
وقد تجلى تأثره هذا بالتراث في عدة مناح برزت في لغته التي كانت سليمة، وتميل إلى العلو في كثير من مفاصلها. وفي الصورة التي وجدت منفسحاً في كتاباته.
ويختتم د. إسماعيل مروة مداخلته هذه بالتأكيد أن عبد الله عبد أصر أن يكون منسياً لكنه يبقى كبيراً. فهو كاتب يستحق أن يُعرف خاصة في إسهامه بأدب الأطفال، ولا يقل مكانة عن غيره من أدباء عصره.
بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب يقع في ١٢٦ صفحة من القطع الكبير، ويتضمن في ختامه مجموعة مختارات من أعمال الكاتب والقاص عبد الله عبد.
التاريخ: الثلاثاء6-8-2019
رقم العدد : 17042