بعد مادلين أولبرايت، وهيلاري كلينتون وكوندوليزا رايس، ها هي سيدة أخرى تتصدر مسرح السياسة الخارجية الأميركية، إنها السيدة ذات الأصول الهندية، التي وُلدت في 1972 باسم نيمراتا رانداوا، قبل أن يصير اسمها نيكي هيلي، وتقتحم ساحة السياسة، بعد أن درست المحاسبة وعملت فيها. ولكن، وعلى خلاف أولبرايت الهادئة، وكلينتون البراغماتية، تبدو السيدة هيلي منسجمة تماماً مع العهد الترامبي، فلا ينقصها طول لسان، ولا صلافة لغة.
إن هيلي شيء آخر، حقيقية، في عينيها وفي نظراتها تعصّب اليمين الجمهوري المتصهين، تماماً مثلما هو حال كل السياسيين الأمريكيين من الرئيس ترامب إلى نائبه بينس ووزير خارجيته بومبيو، وهذا أمر مخيف جداً، أن يكون على رأس السلطة قادة موالون للمصالح الإسرائيلية، لا يفكرون إلا بعقلية صهيونية ولا يرون إلا بعيون الصهيونية قبل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية .
صارت السيدة هيلي، في فترة وجيزة، أقرب إلى قلب الرئيس دونالد ترامب، وعقله، علماً أنها لم تكن من أصدقائه، أو المقربين منه، بل كانت من أشد منتقديه في أثناء حملته الانتخابية، وقالت عنه في شباط 2016 «كل شيء لا يرغب فيه أي حاكم يوجد في المرشح ترامب».
خلافات عميقة التي تجعل ترامب وهيلي ليسا على وئام مطلق حتى في لحظات الصفاء وتوترات كثيرة تلك التي شابت علاقتهما رغم ظهورهما في الصور في إطار من التوافق التام والمطلق، وكانت تدعم ترشيح السيناتور، ماركو روبيو، في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، قبل أن تدعم السيناتور تيد كروز.
السيدة التي تصفها بعض الصحافة الأميركية «بوق ترامب»، مع أن الأخير يعادل ألف بوق، تفوّقت، في غير مناسبة، على يمينية رئيسها، فقد توعّدت، منظمات الأمم المتحدة، بمزيد من المشكلات، إذا استمرت بانتقاد واشنطن، وكانت مناسبة التهديد، انسحاب أميركا من منظمة اليونسكو، بعد «تمادي المنظمة في انتقاد إسرائيل»، وقد سبق للسيدة هيلي أن توعدت المجتمع الدولي بأسوأ من ذلك، عندما قالت سابقاً، أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك): «أنا أرتدي حذاء ذا كعبٍ عالٍ، ليس من أجل الموضة، ولكن لركل أي شخص يوجه انتقاداً لإسرائيل»، محذّرة منظمة الأمم المتحدة بأن الـ» الشريف الأمريكي» كبير الشرطة في مسلسلات الكاوبوي لن يسمح بارتكاب خطأ بحق أمريكا وحليفتها إسرائيل.
مع إعلان نيكي هيلي لاستقالتها من منصب مندوب أميركا لدى الأمم المتحدة، فإننا نتذكر قصة صعودها، والتي بدأت باستنادها على القيم التي ناصرت الضعفاء والمسحوقين، ثم تبدلت نحو سياسة براغماتية مناصرة لترامب في شتى مواقفه التي أثارت جدلاً واسعاً عبر تهديدها المستمر للدول التي لا تنحاز للتوجه الأميركي، وللسيدة مواقف عدائية واضحة إزاء الفلسطينيين، وأكثر محاباة لإسرائيل، فقد عارضت بصلف تولي رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، سلام فياض، منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، «لأنه فلسطيني» فقط.
وعندما كانت حاكمة لجنوب كارولينا، كانت هيلي أول من سنّت القوانين ضد حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل وهي من دفعت رئيسة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، ريما خلف، للاستقالة بعد صدور تقرير عن اللجنة يعتبر إسرائيل «نظام تمييز عنصري».. إنها تحرص وبشدّة على كل مصالح تل أبيب كما لو كانت عميلاً مؤثراً تم تجنيده من قبل الموساد الإسرائيلي، لشدة ما كانت تتفانى في خدمة إسرائيل.
ومما لا يثير الاستغراب، أن هيلي كان دائماً تدعم الموقف الأميركي المتشدد ضد كوريا الشمالية وكذلك إيران، وتؤيّد بقوة إلغاء ترامب لاتفاقية الحد من الأسلحة النووية، بما في ذلك التحذير من أن واشنطن «ستتخذ عقوبات ضد من يعارضها في هذه الخطوة.
وهناك أكثر من مصدر عارف بخفايا السياسة الأميركية يؤكد أنها هي من همس في أذن الرئيس ترامب، ليقول ما قاله بشأن ايران ويكيل الاتهامات لها، فقد أكدت مجلة بوليتيكو الأميركية أن هيلي هي من أوحى لترامب، بأن الاتفاق هو أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة، وبأن طهران تتملص من احترام بنوده وتعهداته.
ولا يجب أن نتفاجأ، فعندما زارت نيكي هيلي إسرائيل في الأشهر الأخيرة كضيف عن الحزب الجمهوري، رحّبت صحيفة صحيفة هآرتس الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي بهيلي بحرارة شديدة ووصفتها بأنها صديقة جديرة بالاحترام حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شد على يد هيلي مهنئاً وكأنه يبارك ترشيحها للوصول إلى البيت الأبيض، ويبدو أن من يريد أن يسلك الطريق إلى البيت الأبيض لا بدّ أن يمرّ عبر بوابة القدس والبكاء عند حائط المبكى.
بقلم: جيرالد ريس
Mondialisation.ca
ترجمة: محمود لحام
التاريخ: الأربعاء 21-8-2019
رقم العدد : 17052