كلمة تداخل أو تشابك لا تعطي المعنى الدقيق لموقع روسيا-ايران في رقعة الشطرنج الجيو- سياسية ما هو واضح في لحظتنا الراهنة غير المستقرة أنهما شريكان، وعلى الرغم من أن الأمر لا علاقة له بشراكة استراتيجية كما هو الحال في عملية التقارب بين روسيا والصين، بيد أن روسيا- الصين- ايران يظل الثالوث الأساسي في تطور عملية الاندماج الأوراسي القائمة على مستويات مختلفة ومدى طويل.
بعد أيام من نشر تقريرنا في مجلة (آسيا تايمز)، خرج مقال – وإن كان يعتمد على (مصادر رفيعة المستوى قريبة من طهران) إلا أنه حافل باتهامات باطلة بالفساد ودون دليل تتعلق بقضايا عسكرية أساسية – يؤكد أن روسيا ماضية في تحويل الموانىء الإيرانية مثل بندر عباس وتشابهار إلى قواعد عسكرية مزودة بغواصات وقوات خاصة ومقاتلات سوخوي 57, لاستخدامها كـ (فكي كماشة في منطقة الخليج).
واتضح فيما بعد أن (المصادر رفيعة المستوى) لم تكشف أي معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي، ولاسيما وسائل الإعلام الأنغلو -أميركية، وكما كان متوقعاً، فإن التقرير أزال كل لبس وغموض، فقد أجابني أحد أفضل مصادري في ايران عن صحة هذا الكلام مباشرة: على الإطلاق، فالدستور الإيراني لا يسمح نهائياً بتوقف قوات أجنبية على الأراضي الإيرانية، كما أن البرلمان لن يصادق البتة على هكذا قرار إلا في حالة قصوى وهو استمرار العدوان العسكري الأميركي.
أما بخصوص التعاون العسكري الروسي- الإيراني، فإن المناورات العسكرية المقبلة في(الجزء الشمالي من المحيط الهندي) وخصوصاً في مضيق هرمز، هي الأولى ويمكن أن تتم فقط في حال وجود اتفاق خاص.
المحلل السياسي غينادي نيشاييف كان أقرب إلى الحقيقة عندما أشار إلى أنه في حال استمرار التعاون العسكري الروسي – الإيراني سيكون متاحاً إقامة دائمة للبحرية الروسية في أحد الموانىء الإيرانية مع مطار قريب – على غرار النمط الذي تم في طرطوس وحميميم على شاطىء البحر المتوسط في سورية- إلا أنه لكي يتم هذا الأمر، فإن الطريق ستكون طويلة ومتعرجة.
وما يقودنا إلى تشابهار الذي يطرح سؤالاً مهماً، هو أنه ميناء في المياه العميقة ويقع في خليج عمان ويعتبر نقطة أساسية في طريق الحرير المتجه إلى الهند، والهند بدورها استثمرت كثيراً في تشابهار لربطه بأفغانستان وآسيا الوسطى بشبكة طرق، وفي المستقبل بخط حديدي باتجاه القوقاز، وكل ذلك لتتمكن الهند من تفادي باكستان فيما يخص الطرق التجارية.
تشابهار يمكن أن تصبح عندئذٍ عقدة مهمة في طرق الحرير الجديدة، أو حزاماً أساسياً وطريقاً، فالهند والصين وروسيا هم أعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون، وعاجلاً أم آجلاً ستصبح ايران كاملة العضوية في هذه المنظمة، وهذا لن يكون حينئذٍ إلا إمكانية الاقتراب، والتشديد على كلمة (يمكن) – لتصبح تشابهار متاحة للبحرية الروسية والصينية، ولكن دائماً ليس لاستخدامه كقاعدة عسكرية متقدمة.
فيما يخص ايران والشراكة الاستراتيجية، فإن روسيا والصين تعملان بالتوازي، أولوية الصين هو الإمداد بالطاقة، وبالتالي تضع بكين أحجارها على رقعة الشطرنج، السفير الصيني في الإمارات العربية أطلق بالون اختبار، ذاكراً أن بكين يمكن أن تفكر بمواكبة ناقلات النفط التي تعبر الخليج ومضيق هرمز، وهذا يمكن أن يتم بصورة مستقلة أو في إطار التعاون مع واشنطن التي لم تجد حتى الآن إلا عضواً واحداً في (تحالف المتطوعين) وهو:المملكة المتحدة.
ما يجري حالياً في الخليج هو مجرد فاصل مسلٍ، وهذا ما جرى تأكيده مع المفاوضين من أجل الطاقة في الدوحة نهاية الشهر الماضي، فالطلب الحالي للنفط هو أكبر من العام الماضي أي 2018 ، والخلاصة أن ايران مستمرة ببيع الجزء الأكبر من نفطها.
ناقلة النفط تغادر ايران، وفي أعالي البحار يحول النفط إلى ناقلة أخرى ويتم تغيير هوية الناقلة، وحسب كلام أحد المفاوضين أنه (إذا ما أخذتم اثنين إلى ثلاثة ملايين برميل نفط مع وجود العقوبات على ايران وفنزويلا، وتخفيضات منظمة الدول المصدرة للنفط، فلابد أنكم ستلاحظون أن ثمة سعر أعلى).
والحقيقة ليس هناك من سعر أعلى، فالنفط الخام برنت ظل في أدنى مستوى منذ ستة أشهر، أي 60 دولاراً للبرميل الواحد، هذا يعني أن ايران مستمرة في بيع نفطها، ولاسيما الصين، وبالون الاختبار الذي أطلق في الإمارات يمكن أن يكون تمويهاً من قبل الصين لتغطية شرائها المستمر للنفط الإيراني.
ما أظهرته الأشهر الأخيرة بوضوح، هو كيف أن الجاذبية المغنطيسية لروسيا والصين شدت إليها الفاعلين الأوراسيين الثلاث: ايران وتركيا وباكستان، ولكي نحسن الفهم: ربما كانت طهران مزهوة إلى أقصى الحدود باستقلالها السياسي، لكن ما يجب معرفته أن ايران كانت وستظل خطاً أحمر لا رجعة فيه بالنسبة لروسيا والصين.
بقلم: بيبي اسكوبار
Mondialisation
ترجمة: حسن حسن
التاريخ: الأربعاء 21-8-2019
رقم العدد : 17052