المبــــارزة الأميركيــــة التركيــــة علــــى حلبــــة الوهـــم

 

لا يمكن وصف الاتفاق الأميركي – التركي المزعوم على إنشاء )منطقة أمنة(في الشمال السوري، إلا بأنه اتفاق )اللا اتفاق، على اعتبار أنه يجسد مساحات التباعد والتناقض بين مصالح وطموحات كل من الطرفين، فهو من المنظور الاستراتيجي يباعد بين الأميركي والتركي أكثر بكثير مما يقرب بينهما وهذا ما سوف نرى تبعاته خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة.
ورغم أن الاتفاق المزعوم لا تزال تفاصيله غير معلنة وغير واضحة، إلا أنه يمهد لمرحلة جديدة من الاشتباك بين واشنطن وأنقرة، وذلك على خلفية التداعيات الكارثية التي سوف ينتجها هذا الاتفاق نتيجة تشابك الملفات والقضايا، وكذلك بسبب الانزياحات المتدحرجة لكلا الطرفين، فالولايات المتحدة تسير في إستراتيجيتها البعيدة باتجاه مناقض تماماً لأنقرة رغم تشابه الأهداف في كثير من المحطات، وهذا لا ينطبق على الأزمة في سورية فحسب، بل يحاكي الكثير من الملفات الإقليمية والدولية، كذلك تشكل تحالفات واصطفافات ترامب وأردوغان المتناقضة عائقاً كبيراً أمام تعاون واتفاق وتقارب الطرفين.
فالولايات المتحدة ليست في هذه اللحظة الاستثنائية في وارد التخلي عن مرتزقتها وأدواتها في قسد بالجزيرة السورية كونها لم تحقق بعد أي من طموحاتها وأهدافها بعيدة المدى على الأرض، ولاسيما أن أولئك الإرهابيين لا يزالون ينفذون بنود الأجندة التي يستدعيها الحضور الأميركي الدائم في الجغرافيا السورية لاستكمال تنفيذ المشروع الأميركي على مستوى المنطقة، فإلى جانب تحقيق أعلى درجات المصلحة العليا لواشنطن، هناك أيضاً حماية أمن الكيان الصهيوني الذي يحظى بالحصة الأكبر من اهتمام إدارة ترامب، وكذلك السيطرة على ثروات ومقدرات شعوب المنطقة.
في المقابل النظام غير قادر في هذا التوقيت تحديداً على المغامرة بعلاقاته الجيدة مع الروسي والإيراني، وهي العلاقات التي أثمرت اتفاقات والتزامات تعهد اردوغان بتنفيذها مقابل الدفع بتلك العلاقات نحو الأحسن وتجسيد ذلك على الأرض، وكان الروسي حريصاً على جذب النظام التركي نحوه، ولعل إنجاح صفقة الـ س 400 كان ضمن هذا السياق، أي من أجل إجبار التركي على الابتعاد عن الأميركي والسير تحت مظلة الروسي، وبالتالي فإن رجب أردوغان لن يجرؤ ضمن هذه المعطيات والاصطفافات الجديدة على الاستدارة الكاملة نحو الأميركي، وهو الذي بدأ بتشكيل ما يشبه التحالف أو التعاون الاستراتيجي مع الروسي، لمواجهة النهم الأميركي بالسيطرة على كل شيء، لان مجرد التفكير بذلك هو لعب بالنار ، وخاصة أن أردوغان قد كان اختبر في الماضي غضب الدب الروسي وقدرته على معاقبة خصومه .
كل تلك النقاط الخلافية والإشكالية بين الأميركي والتركي لا يمكنها أن تصنع اتفاقاً كاملاً، وبالتالي فإن هكذا اتفاق مزعوم هو ساقط ومجهض لأنه بالأصل غير شرعي وغير قانوني، والاهم أنه خارج قدرة الطرفين على التنفيذ الفعلي على الأرض، وهذا ببساطة لأن الدولة السورية التي تمتلك زمام المبادرة وتتحكم في الميدان بشكل كبير لن تسمح للأميركي والتركي بالبقاء طويلاً في هذه المنطقة الحيوية مهما كانت النتائج.
كل ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية من اجتماعات بين مسؤولين أميركيين ونظرائهم الأتراك يندرج ضمن المحاولات البائسة لكلا الطرفين لتحسين العلاقات بين شركاء وحلفاء الإرهاب، فالتركي يبدو هدفه أكثر من واضح من وراء هذا الاتفاق المزعوم وهو كسب أوراق مبارزة جديدة تمكنه من الحصول على ورقة ضغط مهمة على حلفائه الروس والإيرانيين، ما يوسّع هامش المناورة والمراوغة أمامه في تطبيق اتفاق أستنة، بالمقابل يجهد الأميركي لاستعادة اردوغان من الحضن الروسي.
فشل الاتفاق، يجيب عليه بيان البنتاغون الغامض حول آليات ومضامين الاتفاق، وهو البيان الذي آثار حفيظة وزير خارجية النظام التركي الذي كان رده تأكيداً على ما أسلفناه .. وهو أن الاتفاق هو تجسيد لهزيمة واشنطن وأنقرة ، وهو مجرد بداية لمرحلة كباش جديدة بين الطرفين.
فؤاد الوادي

 

التاريخ: الأربعاء 21-8-2019
رقم العدد : 17052

 

آخر الأخبار
70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس حمص.. حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال تستهدف ١٤٣١٤ طفلاً الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات عن سوريا 4 آلاف معلم ومعلمة في إدلب يطالبون بعودتهم للعمل تأهيل محطة مياه الصالحية.. وصيانة مجموعات الضخ في البوكمال بدء التقدم للمفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية والهندسية "العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار" في جامعة حمص توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم منح دراسية تركية لطلاب الدراسات العليا "التعليم العالي".. "إحياء وتأهيل المباني والمواقع التاريخية" "مياه اللاذقية"... إصلاحات متفرقة بالمدينة "صحة اللاذقية": حملة تعزيز اللقاح تستهدف أكثر من 115 ألف طفل تفعيل عمل عيادة الجراحة في مستشفى درعا الوطني "المستشفى الوطني بحماة".. إطلاق قسم لعلاج الكلى بتكلفة 200 ألف دولار إطلاق حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال بالقنيطرة الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد صندوق النقد والبنك الدوليين يبحثان استعادة الدعم لسوريا سفير سوداني: نعارض أيّ شكلٍ من أشكال تهجير الفلسطينيين