الثورة- نور جوخدار:
لسنواتٍ طويلة، استباح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدم السوري، عبر دعم آلته العسكرية لنظام بشار الأسد بكل أدوات القتل والتدمير، بينما نجده اليوم يرتدي ثوب “الحمل الوديع”، معلناً استعداده للعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل لوقف الحرب المتصاعدة بينهما.
ازدواجية المعايير وفق المصالح، عقيدة ثابتة في سياسة بوتين، الذي يسعى لاستثمار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، لتحويل الأنظار عن حربه المستمرة في أوكرانيا، وإضعاف الدعم الغربي لكييف، متناسياً ما خلفته آلته العسكرية من دمار وخراب في سوريا وقتل وتهجير للسوريين.
دخول بوتين على خط التهدئة بين إيران وإسرائيل ليس نابعاً من باب الغيرة على مصلحة البلدين، او السلم العالمي، بل من حاجة سياسية ودبلوماسية، إذ أكدت وكالة أسوشيتدبرس أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، وضعت موسكو في موقف محرج يتطلب منها مهارات دبلوماسية رفيعة للحفاظ على العلاقات مع كلا الطرفين، فمن جهة، تمتلك موسكو علاقات اقتصادية وعسكرية قوية مع طهران، ومن جهة أخرى، تحتفظ بعلاقات ودية مع إسرائيل.
حتى الآن، اكتفى الموقف الروسي بإدانة الضربات الإسرائيلية، والتحذير من تداعيات التصعيد، داعية الطرفين لضبط النفس، بحسب بيان الخارجية الروسية، ليؤكد بيان “الكرملين” أن بوتين عرض خلال إجراء مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وساطة موسكو لتفادي التصعيد، مشيراً إلى: “أن الجانب الروسي سيواصل اتصالاته الوثيقة مع قيادتي إيران وإسرائيل، بهدف حل الوضع الحالي، الذي ينذر بعواقب كارثية على المنطقة بأكملها”.
رغم أن روسيا زودت إيران سابقاً بمنظومات دفاع جوي متطورة من طراز S-300، والتي قالت إسرائيل: إنها دمرتها خلال ضرباتها العام الماضي على إيران، فإن موسكو تباطأت في تسليم أسلحة مقاتلات سوخوي-35 المتطورة استجابة للمخاوف الإسرائيلية، وفق ما أفادت به اسوشيتدبرس.
بدورها، راعت إسرائيل مصالح موسكو، ولم تبد حماساً يُذكر لتزويد أوكرانيا بالأسلحة في الحرب الدائرة منذ 3 سنوات، مما أثارت العلاقة الودية بينهما استياء طهران، وسط تشكيك أعضاء القيادة السياسية والعسكرية في نوايا موسكو.
تاريخياً، اتسمت العلاقة بين موسكو وطهران بالتوتر خلال الحرب الباردة، لكنها توثقت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، حين أصبحت روسيا شريكاً تجارياً ومورداً أساسياً للأسلحة والتكنولوجيا لإيران، في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها.
لم تقتصر مصالح روسيا في إيران على السلاح والاقتصاد، إذ كانت موسكو جزءاً من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 بين طهران و6 قوى نووية، الذي قدم تخفيفاً للعقوبات على طهران مقابل كبح برنامجها النووي وفتحه أمام رقابة دولية أوسع.
كما دشنت روسيا في عام 2011 أول محطة للطاقة النووية في مدينة بوشهر الإيرانية، والتي بدأت العمل عام 2013، وبدأت بناء الوحدة الثانية في عام 2019 وتشمل الخطط بناء الوحدة الثالثة، والتي كان من المقرر سابقاً إكمالها في العامين 2025 و2027.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “أوراسيا ديلي” مؤخراً أن شركة روساتوم الروسية تعتزم بناء ثماني وحدات جديدة للطاقة النووية في إيران، كما يجري بناء الوحدتين الثانية والثالثة لمحطة بوشهر للطاقة النووية.
ويرى عدد من الخبراء أن التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران يعود بالفائدة على روسيا، إذ يضعها في موقع وسيط موثوق به من الطرفين ومشارك محتمل في أي اتفاق مستقبلي بشأن البرنامج النووي الإيراني، كما انها ستساعد في نجاح الجيش الروسي في أوكرانيا، وستضعف تركيز العالم على تلك الحرب.
