الثورة – خاص
أصدر وزير الرياضة والشباب في الحكومة السورية، محمد سامح حامض، قراراً يقضي بإطلاق اسم الشهيد عبد الباسط الساروت على ملعب كرة القدم الرئيسي في مدينة حمص، وذلك تخليداً لذكرى حارس منتخب سوريا للشباب ونادي الكرامة، وأحد أبرز رموز الثورة السورية.
ويأتي القرار تكريماً للساروت، الذي شكّل خلال مسيرته رمزاً للتفاني والتضحية، بعدما جمع بين التألق الرياضي والموقف الوطني، ليُصبح أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في وجدان السوريين خلال العقد الماضي، وخاصة في مدينة حمص التي شهدت بداياته الرياضية ونضاله الثوري.
ونصّ القرار على اعتماد التسمية الجديدة “ملعب الشهيد عبد الباسط الساروت” في جميع المخاطبات الرسمية، والأنشطة الإعلامية والرياضية، واللوحات التعريفية الخاصة بالملعب.
كما كلفت الوزارة مديرية الرياضة والشباب في محافظة حمص بالتنسيق مع مجلس المدينة والجهات المعنية لتركيب اللوحات الجديدة، وتنظيم فعالية رسمية بحضور عائلة الشهيد، تكريماً لذكراه ودوره البارز في مسيرة النضال السوري.
عرف السوريون الساروت منذ الأيام الأولى للثورة، حين صدح صوته في ساحات المظاهرات، حاملاً شعارات الكرامة والحرية، صار اسمه يتردد على لسان كل كبير وصغير، وأهازيجه باتت جزءاً من الذاكرة الثورية، لا تُردّد إلا وتُستحضر معها وجوه الشهداء، وصور ميادين الغضب والأمل.
وُلد عبد الباسط الساروت في كانون الثاني/ يناير 1992 في حي البياضة بمدينة حمص، وسط عائلة مكوّنة من تسعة إخوة، ونشأ في بيئة فقيرة بين تحديات الحياة اليومية وصخب أزقتها، ترك المدرسة مبكراً ليعمل في الحدادة إلى جانب والده، لكن موهبته الرياضية ظهرت باكراً، فحمل قفّاز الحراسة في نادي الكرامة، وارتقى إلى حارس مرمى منتخب سوريا للشباب، حيث حقق عدة جوائز، أبرزها جائزة ثاني أفضل حارس مرمى في آسيا.
إلا أن الحلم الرياضي لم يكن وحده ما يحمله الساروت، بل كان في داخله توق للحرية، ومع انطلاق الثورة في آذار 2011، وكان حينها في التاسعة عشرة من عمره، قرر ترك الملاعب والانخراط في الحراك السلمي، ليصبح خلال فترة قصيرة أبرز الوجوه الثورية، بلبل الميادين، وصوت الحرية الذي هتف بـ”جنة يا وطنا”، و”لأجل عيونك يا حمص”، و”حانن للحرية”، كلمات تحولت إلى نشيدٍ جماعي يلهب الحشود ويقضّ مضاجع الطغاة.
ومع دخول الثورة مرحلة الكفاح المسلح، انضم الساروت إلى صفوف المقاومة دفاعاً عن مدينته، وأسس “كتيبة شهداء البياضة” إلى جانب أبناء حيّه، وواجهوا معاً آلة القمع العسكرية، صمد خلال حصار حمص، وخاض معارك ضارية، أبرزها معركة “المطاحن”، التي كانت رمزاً للتحدي تحت الحصار، ودفعت الساروت ثمناً باهظاً، بفقدان عدد من رفاقه، بينهم اثنان من أشقائه، إلا أن تلك المحن لم تكسر عزيمته.
أُصيب الساروت مرة ثانية أثناء محاولته إسعاف اثنين من المقاتلين، ثم نُقل إلى خان شيخون فإدلب، ثم إلى الدانا، حيث تقرر نقله إلى تركيا بسبب حالته الحرجة. وهناك، في أحد مستشفياتها، ارتقى شهيداً في الثامن من حزيران 2019.
لم يكن الساروت مجرد منشد أو مقاتل، بل أيقونة وطنية، قصيدةً حية كُتبت بدمه، ورايةً خفّاقة في ذاكرة الثورة، له ولأمثاله المجد والخلود، فذكراه تتجاوز القبور، وتعيش في صوت يهتف في الساحات، وفي كل زهرة تنمو على أرضٍ حلم بها حرة، وسيبقى الساروت وصوته الذي يصدح عالياً حاضراً في ذاكرة ووجدان السوريين، كرمز لسوريا الحرة، هو وصحبه الذين سبقوه ومن جاء بعدهم على درب الحرية، ضحوا بدمائهم ليخلدوا أسماءهم في سطور المجد.