الثورة – فؤاد الوادي:
في دلالة واضحة على رمزية المكان والزمان، قرر السيد الرئيس أحمد الشرع أن يكون خطابه الأول بعد مشاركته “التاريخية” في اجتماعات الأمم المتحدة في الولايات المتحدة من مدينة إدلب، وخلال “حملة الوفاء” للمدينة التي صاغت حكاية آلام السوريين وأملهم.
في دلالة المكان فإن إدلب، المدينة التي احتضنت عبر عقود مخاضات الثورة وولادتها ونشأتها، ستبقى حاضرة في قلوب وعقول أبناء الشعب السوري، لا سيما الرئيس الشرع الذي يحمل لها ورفاق النضال والكفاح ضد طغيان واستبداد النظام البائد الكثير من مشاعر الحب والوفاء، فهي المكان الذي ولدت فيه حكايتهم، الحكاية السورية التي تحدث عنها الرئيس الشرع من على منبر الأمم المتحدة، الحكاية المضمخة بالتضحيات والبطولات، لذلك وصفها الرئيس الشرع بـ “العشق”، ولذلك آثر، بحسب تعبيره أن يكون خطابه منها، وفاء لها.
أما في دلالة الزمان، فقد كان حضور الرئيس الشرع في هذا التوقيت، ضرورياً، ليشارك في حملة الوفاء للمدينة التي لم تبخل يوماً بالعطاء والإثراء الثوري والمعنوي والإنساني لكل المظلومين والمعذبين والمضطهدين في عهد النظام المخلوع، وهذا ما عبر عنه الرئيس الشرع بشكل واضح عندما قال أمس إنه اختار إدلب ليخاطب منها أهل سوريا عرفاناً لها، لأنها كانت هي الأم التي فاء إليها أبناؤها، بعد أن تحولت إلى سوريا مصغرة حين عزّت الأرض وضاقت عليها بما رحبت، فانحاز إليها الناس وشاركوا جميعاً في هذا الإنجاز التاريخي.
الرئيس الشرع قال أيضاً: “اليوم يوم الوفاء لأمّنا، لإدلب العزّ، العزيزة بأبنائها وبمن احتضنت من كافة المحافظات السورية، فإنه في كل زاوية ذكرى وتاريخ، فدينها في عنق سوريا كبير، واليوم أدعوكم لتوفّوها جزءاً من حقها لإعادة بنائها وتمكين النازحين من العودة إلى بيوتهم وهدم آخر خيمة فيها”.
الرئيس الشرع وفور وصوله إلى مدينة إدلب أمس وجه كلمة إلى الشعب السوري قال فيها: “أيها الشعب العظيم أبطال الحكاية السورية، نعم أنتم أبطالها وأنتم أهلها وأصحاب قضيتها، أنتم من ضحى وعانى وشُرِّد وقُتل وعُذّب، بدماء شهدائكم وصرخات أطفالكم وحزن أيتامكم ودموع ثكلاكم، بصبركم وثباتكم وشكركم إلى الله، صدقتم الله فصدقكم الله”.
وخاطب الرئيس الشرع الشعب السوري بالقول: “بكم جميعاً رفعت سوريا رأسها عالياً بين الأمم واستعادت كرامتها وعزتها، إنكم بصنيعكم هذا قد أصبتم العالم بالدهشة والذهول، لقد التقيت بعظماء العالم وكبار ساسته فرأيت إجلالاً واحتراماً وتقديراً لعظيم ما فعلتم، لقد دخلتم التاريخ من أوسع أبوابه وبنيتم اليوم رمزاً للتضحية والصمود ومنارة للعزة والإباء تقتدي بها الأجيال بعدكم، وجسدتم عملياً فصلاً من ملحمة سرمدية بين الحق والباطل، كل ذلك أعانني بعد الله أن أنقل صورتكم إلى العالم أجمع، وأنقل معها آلامكم وآمالكم مع الحفاظ على كرامتكم وعزتكم”.
وقال الرئيس الشرع: لقد سعينا للبحث مع كل دولة اجتمعنا معها على نقاط التقاء المصالح وربطها بما يصب في صالح بلدنا الحبيب، ولقد رأيت من جميع الدول وبعيداً عن لغة المصالح، حباً صادقاً وأمنيات حية بأن تزدهر سوريا وتنمو وتستعيد عافيتها، ورأيت أيضاً إصرار الدول بالإجماع على وحدة سوريا واستقرارها ورفض دعوات التقسيم.
وأضاف الرئيس الشرع: أيها الشعب السوري، إن هذا التفاعل الإيجابي يحمّلنا جميعاً مسؤوليات عظيمة، ويضعنا أمام استحقاقات لا بدّ منها، إن سوريا تحتاج جميع أبنائها لإعادة بنائها، إن وحدة الشعب السوري واجب لا مفرّ منه، وهو أساس لإعادة بناء سوريا الجديدة التي يشارك فيها أبناؤها جميعاً دون تفرقة، وينظم الجميع تحت ظل القانون وبحقوقه المتساوية.
وشدد الرئيس الشرع ضرورة تضافر الجهود والاستفادة من حالة التفاعل العالمي مع قضية الشعب السوري، مشيراً إلى أن رفع العقوبات ليس غاية بحدّ ذاته، بل وسيلة لخدمة الشعب وجذب الاستثمارات وتحسين الاقتصاد وتطوير البنية التحتية وخلق فرص عمل لإعادة بناء البلد من داخلها.
الرئيس الشرع أكد أن سوريا لم تعد معزولة عن العالم، فقد أعادت وصل ما انقطع، وأثبتت أنها قادرة على تقديم الكثير، وها قد عادت سوريا إلى مكانتها التاريخية الفاعلة بين الأمم، وكما نصرنا الله على أبشع نظام عرفه التاريخ الحديث، فإننا قادرون بإذن الله على بناء بلدنا من جديد.
وأوضح الرئيس الشرع: أننا اليوم مطالبون بالعمل والكدح والصبر وتقديم كل ما نستطيع لهذه الغاية، واليوم فرصتنا عظيمة للم شملنا، وإن قوتنا تكمن في وحدتنا، وإن الوحدة رحمة والفرقة عذاب.