80 عاماً وحبل المشيمة ممتد من لواء اسكندرون إلى إرادة كل سوري…الطربوش العثماني على رأس أردوغان.. من سلخ اللواء إلى «نبع السلام»!!
هي ذاتها اللعبة التركية ..لم تتغير .. ورجب أردوغان لم يخلع طربوش العثمانيين وسياستهم في الاعتداء على حرمة الجيران والدول والاستيلاء على خيراتها بحجة أو بأخرى.. فما فعله ويفعله في الشمال السوري من عدوان اليوم هو ذاته ما كان بالأمس البعيد حين امتدت أيدي المؤامرة التركية الغربية وسلخت لواء اسكندرون عن وطنه الأم سورية لتصرخ الذكرى اليوم في وجه المحتل التركي مرة أخرى.
لواء اسكندرون، هذا الجزء السوري الذي كان وسيبقى في وجدان كل سوري.. لما له من رمزية تاريخية ومكانة نضالية لاتزال تقاوم وجه المحتل التركي بكل ما استطاعت من وسيلة، وحبل المشيمة مازال يمتد ليصلنا صوت أهلنا في اللواء السليب مسموع ويؤازرنا في الأزمة التي مرّت وتمرّ بها سورية..
فالمظاهرات والاحتجاجات خرجت في اللواء طوال سنوات الأزمة في سورية تندد بسياسة أردوغان وتطالبه بوقف تمويل الإرهاب وتمريره عبر الحدود السورية التركية.
والأعلام السورية بقيت ترفرف على امتداد مساحة لواء اسكندرون التي تبلغ 4500 كيلو متر ولعلّ الأهمية الجغرافية للواء وطريقة سلخه عن وطنه الأم سورية تفسّر ما يحاول اللص أردوغان اليوم تمريره في الشمال السوري إذ تبدو المؤامرة مع الغرب متطابقة بين ما حصل عند سلخ اللواء وبينما يحاولون تمريره من أهداف وأطماع في الشمال السوري بما فيها محاولات التغيير الديمغرافي.
فالتاريخ يذكر كيف أن مراسلات الشريف حسين مع مكماهون عام 1515 أشارت بوضوح إلى تابعيته إلى الدولة العربية الموعودة وعندما احتلت فرنسا سورية كان لواء اسكندرون تابعاً لحلب وحتى اتفاقية سايكس – بيكو الاستعمارية لتقسيم وتقاسم بلاد الشام بين بريطانيا وفرنسا اعتبرته سورياً.
وفي معاهدة سيفر 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بعروبة منطقتي الاسكندرون وكيليكية وبقي الاسكندرون جزءاً من سورية وفي 15 تموز 1938 تسلل الغزاة الأتراك إلى مدن اللواء واحتلوها وتراجع المحتل الفرنسي وفقاً لمؤامرة فرنسية – تركية لضمان دخول تركيا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ومنذ عام 1939 بدأت سياسة تتريك واضحة لتهجير سكانه السوريين وسرقة أراضيهم وتغيير الأسماء العربية إلى التركية.
ورغم الاضطهاد والقمع الثقافي واللغوي والعرقي من جانب تركيا بهدف تتريك لواء اسكندرون بشكل كامل فإن السوريين يشكلون الأغلبية في مدنه وبقاعه المختلفة.
سكان اللواء ومحطة
من محطات المقاومة
من يقرأ عن سكان لواء الاسكندرون يدرك تماماً مقدار نضالهم وتمسّكهم بالوطن الأم سورية فمنذ عام 1937م قام عرب أنطاكية والقرى المجاورة بمسيرة شعبية أمام لجنة دولية عينتها عصبة الأمم المتحدة للبتّ في وضع اللواء نتيجة المطالبة التركية فيه وطلب إليهم السفر فوراً إلى اللواء للاطلاع على الحالة القائمة فيه، مشى فيها ما ينوف على الأربعين ألفاً من العرب والأرمن، حملوا فيها الأعلام السورية، واليافطات التي تعبّر عن أمانيهم ومطالبهم، بالمحافظة على ارتباط اللواء بالوطن السوري.
زارت اللجنة مدينة الريحانية، فقام فيها العرب بمظاهرة، شارك فيها أكثر من عشرين ألفاً من عرب سهل العمق، وكانوا يحملون الأعلام السورية ويهتفون لسورية والعروبة.
وكذلك استقبلت اللجنة في مدينة الاسكندرونة وبلدة السويدية وفي جميع القرى العربية، التي زارتها بمظاهرات عبّر فيها المواطنون العرب عن تمسّكهم بعروبتهم وبوطنهم سورية.
عادت اللجنة إلى جنيف وهي تحمل الانطباعات بأن الأتراك لا يشكّلون أكثرية السكان في لواء الاسكندرونة، وأن الأغلبية العظمى من سكان اللواء، بمن فيهم نسبة كبيرة من الأتراك تعارض ضم اللواء إلى تركيا وإن الأتراك في اللواء ليسوا مضطهدين من جانب السلطة المحلية (أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية- مجلد 581).
دارت المباحثات الفرنسية التركية بين ماسيفلي ووزير خارجية تركيا «سراج أوغلو» في 15 أيار 1939 وانتهت في 23 حزيران 1939 بالتوقيع على اتفاقية تقضي بإلحاق لواء الاسكندرونة بتركيا، ولم تتضمن هذه الاتفاقية أي نص يحفظ لأكثر من 130 ألف عربي بقوا في اللواء حقوقهم اللغوية والثقافية، على النحو الذي نصت عليه المادة 7 من اتفاقية أنقرة لعام 1921 بالنسبة لأتراك اللواء.
وقد سمح فقط لمن أرادوا الهجرة، بنقل أموالهم المنقولة معهم، وتصفية أملاكهم غير المنقولة خلال ثمانية عشر شهراً من تاريخ توقيع الاتفاقية، ولكن الحكومة التركية وضعت العراقيل التي من شأنها الحيلولة دون تطبيق هذه المادة، فوضعت يدها على أملاك الذين هاجروا من اللواء وصادرتها.
ولم تعترف الحكومة السورية حينها بضم اللواء إلى تركيا استناداً إلى المادة 4 من صك الانتداب الذي يحرّم على الدولة المنتدبة التنازل عن أي جزء من الأراضي المنتدبة عليها، ولا يزال عدم الاعتراف قائماً حتى اليوم.
ولقاء هذه الهبة التي قدمتها فرنسا لتركيا على حساب سورية، فقد عقد في 19 تشرين الأول 1939 «اتفاق فرنسي إنكليزي تركي» لمدة 15 عاماً، وهو يشكّل حلفاً في حال وقوع حرب في شرق البحر المتوسط.
أما اليوم فيسكن تقديرياً مئات الآلاف من المواطنين السوريين في لواء الاسكندرون، يؤمنون بانتماء هذه الأرض إلى سورية، ويعمل معظمهم بالزراعة وصيد الأسماك وصناعة الزجاج والنسيج، ويعملون كذلك في التجارة عبر البر والبحر ولا تعطي تركيا تعداداً للنسبة العربية من سكانه بسبب السياسة التركية القمعية للقوميات، ويشكو سكان الإقليم العرب السوريون من القمع (الثقافي واللغوي والعرقي) الذي تمارسه تركيا عليهم والتمييز ضد العرق العربي لمصلحة العرق التركي في كل المجالات وهو متابعة نحو التتريك الكامل للواء.
وهناك تواصل مستمر في مناسبات خاصة كالأعياد بين سكان اللواء وبين أقربائهم في الأراضي السورية المجاورة..
وحتى يومنا هذا فإن سكان لواء اسكندرون السوريين مازالوا متمسكين بوطنهم الأم ويقيمون التظاهرات ضد سياسة اردوغان المعادية لهم ولوطنهم لدرجة أن «جلال الدين ليكيسيز» والي «هاتاي» الواقعة في لواء الاسكندرون السوري المحتل من قبل تركيا أصدر بياناً أعلن فيه منع كل أنواع التظاهرات والاعتصامات والمسيرات وحتى المؤتمرات الصحافية، وذلك بحجة أنها تعرّض السلم الأهلي للخطر.
وكان قد هاجم المشاركين في التظاهرة التي جرت في الأول من أيلول عام 2012 تحت عنوان «لا للهجمة الامبريالية على سورية»
ونبه «ليكيسيز» وسائل الإعلام لما تكتبه بخصوص أنطاكية، مطالباً بعدم تكرار الشعارات التي تدعو لطرد تنظيم القاعدة من أنطاكية، وقال: «إن ذلك يؤثر بشكل سيئ على عقلية شباننا» وقد استمرت وسائل الإعلام الموالية للنظام الأردوغاني ببث أخبار الكذب وتجاهل مسيرات الاسكندرون.
يذكر أن أنطاكية كانت قد شهدت حراكاً كبيراً معارضاً للسياسة الأردوغانية بخصوص سورية؛ ويأتي على رأسها احتفال بلدة عين الجاموس في الخامس والعشرين من شهر آب2012، وحضرها أكثر من خمسة عشر ألف شخص، وتظاهرة الأول من أيلول من نفس العام التي شارك فيها أكثر من خمسين ألف متظاهر، كما أعلنت مجموعات شبابية صغيرة أنها باتت تشكّل لجاناً شعبية لحماية قراها من مسلحي العصابات الإرهابية المسلحة التي ترعاها تركيا على حدودها مع سورية والموجودين أيضاً في تركيا، حيث حصلت اعتداءات على سكان اللواء السوريين من قبل هؤلاء الإرهابيين.
تركيا ومحاولة حجب حقيقة اللواء بغربال أضنة !!
حاولت تركيا الادعاء بأن لها الأحقية باللواء بموجب الاجتماع الذي تم عقده في أضنة في عام 1998، وعرف بـ»اتفاقية» أضنة بين سورية وتركيا وهذا يخالف حقيقة الاتفاقية التي تعتبر اتفاقية أمنية بين طرفين مشتركين بالحدود وهدفها الوحيد هو ضبط الأمن على جانبي الحدود، وهذه ليست معاهدة سياسية وإنما بروتوكول تعاون.
كما أن اتفاقية أضنة وباعتراف الخارجية التركية لم تتطرق للواء اسكندرون لا من قريب ولا من بعيد ولم تشمل أي حديث عن الأراضي السورية المحتلة من قبل تركيا.
كما أن «اتفاق اضنة» يعتبر بروتوكولاً يحدد نقاط تعاون وليس فرض املاءات تركية على سورية، وتنص تلك النقاط على فتح خط اتصال مباشر وفوري بين السلطات في الدولتين وتعيين ممثلين خاصين للبعثات الدبلوماسية كما أن البروتوكول ينص في أحد بنوده على اتفاق الجانبين السوري والتركي على مكافحة الإرهاب في منطقة الثلاثية (سورية لبنان وتركيا) محدداً أن هذا البند بحاجة لموافقة لبنان.
جغرافيا اللواء السليب
يضم لواء اسكندرون، صاحب الموقع الاستراتيجي المهم بمضائقه وطبيعته الخلابة والغنية بالثروات، 7 أقضية و22 ناحية و362 قرية و446 مزرعة، فما أهم مدنه؟
تعتبر مدينة أنطاكية، المركز الإداري للواء، وتقع عند الطرف الجنوبي لسهل العمق، يحدّها غرباً نهر العاصي وشرقاً جبل سلبيوس الذي يعدّ جزءاً من الجبل الأقرع، وتبعد المدينة عن شاطئ المتوسط حوالي 25 كم، كما وتبلغ مساحتها 36كم2، وكان يحيط بها سور طوله 30كم وعليه 360 برجاً، وله سبعة أبواب، لكن لم يبق منه سوى أطلال قليلة.
وهي على ارتفاع 80م فوق سطح البحر، اكتسبت شهرة سياحية واسعة لأهميتها التاريخية والدينية ففيها أقيمت أول كنيسة أممية، وسمي فيها تلاميذ المسيح مسيحيين، وقد أسس هذه الكنيسة القديسان بولس وبرنابا سنة 42م، وكان فيها مقر البطريركية الأرثوذكسية التي تفرّعت عنها بطريركيات القسطنطينية وأنطاكية والقدس والإسكندرية وموسكو، وتعرف رسمياً باسم بطريركية أنطاكية وسائر المشرق.
أما مدينة اسكندرون فتعتبر أكبر مدن اللواء. حيث تبلغ مساحتها 1252كم2، يحدها غرباً البحر المتوسط، وشرقاً قضاء قرق خان، وإلى الجنوب قضاء السويدية وأنطاكية، وشمالاً منطقة باياس، كما تضم بلدتين و56 قرية و70 مزرعة، ولمدينة اسكندرون موقع استراتيجي مهم، حيث تتحكم بمضيق يسيطر على الطرق الساحلية المتجهة إلى كيلكية، وبمضيق بيلان الذي يسيطر على الطريق المؤدية إلى سورية الداخلية، وتعدّ المدينة ثاني مرافئ بلاد الشام أهمية بعد بيروت، إضافة إلى السهل الزراعي الذي تتوسطه المدينة والغنى بمزروعاته.
وفي العقود الخمسة الأخيرة، تطوّر عمران المدينة تطوراً كبيراً، واتسعت رقعة مساحتها، فامتد العمران شمالاً وشرقاً وجنوباً بشوارع مستقيمة يتعامد بعضها مع بعض، وتنتهي جميعها إلى شارع «الكورنيش» على البحر المشجر بأشجار النخيل على مدى 2كم، وتعدّ المدينة مركزاً تجارياً ويستخدم ميناؤها لتصدير النفط، كما واشتهرت بزراعة الحمضيات والتبغ والخضار التي تلعب دوراً مهماً في التصدير، كما وتشتهر بصيد الأسماك.
80 عاماً مرّت على جريمة سلخ لواء اسكندرون كان يعول الضالعون في هذه الجريمة على سقوطها بالتقادم وهو ذات التقادم الذي عمل المجرمون خلاله على ترسيخ سياستهم الاحتلالية عبر ممارسات من شأنها تعزيز عملية تتريك اللواء وقراه الممتدة على مساحة تتجاوز الـ 4500 كيلو متر مربع ويسكنها أكثر اليوم من مليون نسمة معظمهم من العرب السوريين في حين يطول الحديث عن هذه الممارسات بدءاً بسياسة تغيير أسماء القرى وطابعها الديمغرافي الذي يثبت عروبتها وسوريتها في آن معاً وليس انتهاء بتهجير العرب والعبث بهذه الهويه وإلغاء التعليم باللغة العربية وإلغاء كل المعاملات الحكومية بها وتبنّي الليرة التركية كعملة رسمية بما يخالف النظام الذي وضعته عصبة الأمم كمنظمة دولية كانت قائمة في المرحلة التي تم فيها سلخ اللواء.
عزة شتيوي
التاريخ: الأحد 1 – 12-2019
رقم العدد : 17135